بايدن ومضاعفات تراجع القوة الأميركية على سياسته في الشرق الأوسط…بقلم تحسين الحلبي*

إذا كان معظم المحللين السياسيين وكذلك بعض المقربين من الرئيس الأميركي جو بايدين، متفقين بشكل بدهي على أن بايدن لن يكرر أو يتبع طريقة ترامب في السياسة الخارجية، فهذا يعني في النتيجة أن تناول بايدن لقضية الصراع العربي- الصهيوني ستكون مختلفة وقد لا تكون في أولوياته أو أولويات إدارته لأسباب عرض بعضها قبل فترة قصيرة توني بلينكن بعد أن اختاره بايدن وزيراً للخارجية حين قال لمجلة «فورين بوليسي» الأميركية: “إن الظروف التي سادت في عهد ترامب وما خلفته تختلف الآن كثيراً بل هي لا تشبه ظروف عام 2009 ولا عامي 2013- 2014 ومفاوضات جون كيري الماراثونية لنقل السلطة الفلسطينية والطرف الإسرائيلي إلى مرحلة متقدمة أو بداية الحل.. كما لا تشبه الظروف التي راهن فيها ترامب على «صفقة القرن» هو وكوشنير عام 2016 وطيها من ساحة المفاوضات بعد عامي 2019- 2020”.

إذاً هل سيتجه بايدن إلى سياسة مفاوضات جديدة وبمبادرة لا تحمل من إدارة أوباما شيئاً ولا من مبادرة ترامب، وهل سيركز بايدن مع فريقه فيها على مشاركة “الرباعية الدولية” أو الاستعانة بروسيا التي لم يبال بدورها ترامب ولا بدور من أوروبا حين عرض “صفقة القرن”، أم سيستعين باللجنة الرباعية العربية- الأوروبية التي تضم مصر والأردن وألمانيا وفرنسا بإشراف أميركي لإبعاد الدور الروسي والصيني أو تخفيض أهميته في هذا الصراع؟

وإذا انطلقنا في استشراف سيناريوهات السياسة الخارجية التي سيعدها بايدن في الظروف السائدة عام 2021 والمختلفة عن العقد الماضي سنجد أن بايدن سيواجه مرحلة جمود انتقالية لأسباب غير أميركية بل فلسطينية وإسرائيلية أيضاً وبرضا الطرفين لأن كل منهما يتجه نحو “ترتيب البيت الداخلي” عن طريق انتخابات يجريها نتنياهو في 23 آذار المقبل ورئيس السلطة الفلسطينية في 21 أيار المقبل، وبذلك يكون أمام بايدن وقتاً كافياً لتحديد سياسته تجاه متابعة الحل والتفاوض بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وفي هذه الأشهر الخمسة يكون بايدن قد أعطى الأولوية لموضوع ترميم العلاقات الأميركية مع أوروبا ومتابعة موضوع الملف النووي مع طهران ثم يتجه إلى موضوع النظام العالمي الذي فقدت فيه الولايات المتحدة دورها القيادي ونفوذها بسبب إخفاقات ترامب في كل المواضيع والمسائل المرتبطة بها في أوروبا وآسيا، وربما يميل بايدن إلى الاستعانة ببريطانيا لمشاركته بمتابعة ملفات بعض دول الخليج بعد انتهاء عضوية بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانفصال سياستها الخارجية عن الاتحاد وتحديداً لأنها تفتش عن مصالحها بشراهة في مستعمراتها السابقة التي فرض عليها النفوذ الأميركي التخلي عن مصالح كبيرة لها لمصلحته في عهد الحرب الباردة، إذ إن الحديث الآن يجري عن اقتسام أميركي- بريطاني للمصالح والنفوذ في هذه المنطقة “لإبعاد” أوروبا وروسيا والصين عن منافسة الثنائي الأميركي- البريطاني فيها.

أما فيما يتعلق بالكيان الصهيوني فثمة من يرى أن بايدن سيجد نفسه أمام توازن قوى تميل فيه كفة القوة لمحور المقاومة بجبهته الشمالية وجبهة المقاومة الفلسطينية والمرشح لزيادة قوته. وفي ظل هذا الوضع لن يُفضّل أبداً إرسال قوات أميركية تدافع عن الكيان الصهيوني بشكل مباشر أمام أي احتمال لنشوب حرب شاملة مباشرة بين محور المقاومة وهذا الكيان، فالوضع الذي فرض نفسه على أوباما منذ عام 2009 حتى عام 2016 بتجنب شن حرب مباشرة بقوات أميركية في المنطقة ضد سورية وإيران ما زال على حاله، بل هو الوضع نفسه الذي فرض على ترامب المتطرف عدم الإقدام عليه ضد إيران، ناهيك عن تزايد القدرة العسكرية لمحور المقاومة نهاية عام 2020 وهذا ما تدركه “إسرائيل” التي عجز “قادتها” عن إقناع ترامب بشن حرب أميركية شاملة ومباشرة على محور المقاومة.

وفي ظل هذا الواقع الواضح في الشرق الأوسط من المحتمل أن يعمل بايدن على كسب الأشهر الستة الأولى من ولايته للاستعانة ببعض الأطراف العربية في المنطقة للمحافظة على الواقع الحالي بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني إلى ما بعد شهر أيار وانتهاء الانتخابات الإسرائيلية والفلسطينية..

*كاتب من فلسطين

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023