بايدين وإعادة تنظيم التحالفات القديمة الجديدة…بقلم تحسين الحلبي 

بايدين وإعادة تنظيم التحالفات القديمة الجديدة…بقلم تحسين الحلبي 

حين نسلم بشكل منطقي بأن كل موقف تتخذه الإدارات الأميركية في سياستها الخارجية يكون هدفه بشكل مركزي خدمة مصالحها فإن ذلك يعني أن المواقف التي سيتخذها الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن ستنطلق من هذه المسلمة التي ستوضح الاحتمالات والتوقعات المسبقة لطبيعة مواقف بايدن المقبلة تجاه المنطقة.

وفي هذا الظرف تجد الولايات المتحدة نفسها قد فقدت جزءاً ليس يسيراً من مكانتها الاقتصادية والمالية ومن هيمنتها بعد أزمة كورونا وتراجع نفوذها أمام تحديات الصعود الصيني والروسي في العالم، وبالتالي هي بحاجة ماسة للعمل على وقف تدهور هذا الوضع الجديد وغير المسبوق.

وفيما يخص منطقتنا سيكون من البديهي أن تقوم إدارة بايدن بالعمل على حشد كل قدرات الدول الحليفة لها في الشرق الأوسط المالية والجيوسياسية والعسكرية واستخدامها في جدول عملها وأولويته الملحة لاستعادة دورها “كقوة قطب عالمي يتفوق على بقية أقطاب القوة”. وهذا بدوره من المتوقع أن يدفعها إلى غض النظر عن السياسات الداخلية التي تتبعها هذه الدول وزيادة التمسك بفرض سياسات خارجية عليها “للحد من نفوذ وقوة” الدول والقوى المناهضة للهيمنة الأميركية وللاحتلال الصهيوني في المنطقة، وسيكون من الطبيعي أن تستند إلى كل ما فرضته إدارة ترامب من مواقف على عدد من هذه الدول تجاه عقد اتفاقات التطبيع مع الكيان الصهيوني، والانطلاق منها لتوسيع دائرة هذه السياسة لحماية ما اتخذه ترامب من إجراءات عدوانية تجاه القدس المحتلة والتنكر لحقوق لشعب الفلسطيني وتجاه الجولان السوري المحتل.

هذا ما عودتنا عليه مختلف الإدارات الأميركية التي تناوبت على الحكم فالرئيس الأميركي السابق باراك أوباما تابع عام 2009 حين استلم الرئاسة السياسة نفسها التي كان من المقرر أن ينفذها الرئيس جورج دبليو بوش ضد العراق وسورية وإيران والمقاومة، بل إنه طورها بتقديمه الدعم لكل المجموعات الإرهابية “لتفتيت” محور المقاومة، واستند إلى التحالف مع هذه المجموعات الإرهابية نفسها والدول الداعمة لها لتأسيس “شرق أوسط جديد” تتمكن فيه واشنطن وتل أبيب من “إطباق هيمنتهما” على المنطقة واستكمال المشروع الصهيوني- الأميركي.

ولذلك سيبقى ما يقوله بعض المحللين عن احتمالات توجيه بايدن انتقادات لأردوغان أو الملك السعودي حول سياساتهما الداخلية أو الخارجية مجرد أوهام.. ومع ذلك قد لا يلجأ بايدن إلى الأسلوب نفسه الذي اتبعه ترامب في سلب أموال النفط السعودية علناً وبشكل استعراضي بل سيكون له أسلوبه في حشد هذه المصادر المالية لتوظيفها في سياسته، فأوباما كان يشن حرباً على روسيا عن طريق تخفيض أسعار النفط السعودي في السوق لكي يحرم روسيا من نسبة مهمة من مداخيل النفط الروسي لإضعاف الاقتصاد الروسي، وقد أجبر أوباما بهذه الطريقة الملك السعودي على خسارة عشرات المليارات طالما أن ذلك سيؤدي لخسارة روسيا لمليارات كثيرة من مداخيل النفط .

وفي ظل مضاعفات السياسة الخارجية الترامبية المثيرة للجدل في هذه السنة، من المتوقع أن يجد بايدن نفسه مضطراً إلى البدء بإعادة تنظيم الفوضى التي ولدتها سياسة ترامب على الساحة العالمية، وسيدفعه ذلك للتركيز على إعادة الثقة مع الدول الأوروبية وإعادة تأسيس علاقة خاصة ومركزية مع بريطانيا ما بعد «بريكست» للاعتماد عليها في كل السياسات الإمبريالية المشتركة، وهذا ما يعول عليه أردوغان الذي يدرك أهمية ارتباط تركيا ببريطانيا منذ تأسيس الدولة التركية الحديثة ودورها في حلف بغداد في الخمسينيات وكل الأحلاف البريطانية، فأردوغان ينتظر الدور البريطاني وزيادة التسلح البريطاني الذي أقره رئيس الحكومة بوريس جونسون قبل أسبوع، وسيفضل أردوغان أن تكون بلاده الدولة الإقليمية إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا معاً لكي يحافظ على هامش مناورة أثناء تنافسه مع المصالح الفرنسية في المتوسط وفي ليبيا وفي إفريقيا عموماً، فقد اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أيام تركيا بمنافسة فرنسا في أفريقيا وخاصة في مستعمراتها السابقة، ولذلك سيجد بايدن أنه بحاجة لتوظيف أردوغان بطريقة تختلف عن طريقة ترامب لكن بالمصلحة نفسها الأميركية– البريطانية المشتركة هذه المرة في المنطقة، وهذا ما سيدفع بايدن في معظم الاحتمالات إلى إيقاف لعبة ترامب التي فرضها في النزاع بين قطر وتركيا من جهة، وبين السعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى، ولا ننسى أن بريطانيا قامت منذ رئاسة تيريزا ماي للحكومة قبل سنوات بتدشين مشروع لتحديث الميناء الذي بنته في البحرين في عهد استعمارها للخليج لكي تعتمد عليه كقاعدة مركزية لها في المستقبل وهذا ما يعوّل عليه أردوغان أيضاً من تعزيزه لعلاقاته مع بريطانيا التي تعد من أقدم حلفاء الدولة العثمانية منذ القرن التاسع عشر، وهي التي أخرجت بقواتها البحرية محمد علي باشا عام 1841 من بلاد الشام حين انتزعها من السلطان العثماني عام 1831 وإعادتها للدولة العثمانية لكي تبعد فرنسا منافستها في الاستعمار عن محمد علي باشا ومصر.

 

كاتب من فلسطين

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023