بدع الديمقراطية التونسية: مطاعن الغدر على ثورة الشباب

بدع الديمقراطية التونسية:  مطاعن الغدر على ثورة الشباب

في بداية عام 2011، قال لي زميلي النهضوي (س.ب.): «قمنا بثورة ليس لها نظير في التاريخ. فهي سلمية، وليست دامية ولا انتقامية من المستبدين والْمُعَذِّبِين، مثل الثورات الفرنسية والروسية والإيرانية. وسوف تؤسس ديمقراطية لم تفضي إليها تلك الثورات». دارت السنوات، واكتشفنا مصداقية رأي الأستاذ (س.ب.). وسأقدم لكم بعض القرائن.

***

من أهم بدع الديمقراطية التونسية أن نقيم دورة انتخابية وراء دورة، نخسر فيها أموالا باهظة من لحم شعبنا،  تتجند لها الأحزاب الكبيرة والصغيرة لكن دون مشاريع، فضلا عن أن تكون تلك المشاريع ثورية، أي عدالية_سيادية. فلا قيمة لاختيار الشعب، ولا قيمة مطلقا للعملية الإنتخابية في تونس، مما سيجعل عدد العازفين عنها في تزايد.

والبدعة الثانية أن الحزب الفائز بالأكثرية يخجل من تكوين حكومة خوفا من المحاسبة عند الإخفاق أو  الانهيار متواريا وراء بدعة«حكومة الكفاءات» أو كذبة«حكومة الوحدة الوطنية».

إن حكومة كفاءات في تونس معناها حكومة بدون مشروع، أي حكومة بتقنيين أي بولونات (مِحْزَقات) في آلة كبيرة قديمة، صدئة (الدولة العميقة) ، بدون حرية مُبَادَرَة ولا عقل، فضلا عن المشروع. إنهم جيش تكريس إعادة إنتاج الغدر بثورة الشباب المهمش (17 ديسمبر-14جانفي). ومثال ذلك أن وزير الفلاحة مرة يكون بمستوى تعليمي دون الأستاذية في الجغرافيا، ومرة يكون مهندسا فلاحيا، وربما ذا قرابة من رؤساء أحد الأحزاب «الديمقراطية»، ومرة مهندسة مياه … بينما المطلوب وزيرمختص في علم الإقتصاد الفلاحي يحمل مشروع إنقاذ راديكاليا للفلاحين المساكين والفلاحة والصيد البحري والموارد الغابية والمائية من نوع محمد اللومي وجلبار نقاش (أنظروا البديل الفلاحي لبرسبكتيف)!!

كما أن إختيار رجل قانون رئيسا للحكومة، أو مهندس أو رأس مالي فاسد، اختيارات غير موفقة. فالواقع الإقتصادي المخيف يتطلب عالم إقتصاد صاحب بديل ثوري من نوع عبد الجليل البدوي ومن طينة البديل الإقتصادي لبرسبكتيف ومشروع الأمل الثوري لروجيه غارودي وسمير أمين، حاملا إرادة تشافيز وإرادة الشعب الكوبي وأخلاقيتهم…

ومن بدع الديمقراطية التونسية تدخل إتحاد الشغل في السلطة التنفيذية… بينما المطلوب أن يمارس معارضته الإيجابية. أين بديله الشعبي؟؟(«يا حسرة»على أيام زمان، عندما كان مكتب دراسات الإتحاد خاصة برئاسة عبد الجليل البدوي يمارس نقده التنموي ويحاول أن يوجد محاور بديلية!).

ومن بدع الديمقراطية التونسية تدخل الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة في إختيار رئيس الحكومة والوزراء واستمرار تحكمه في مسار الدولة التونسية بعد 14جانفي، بواسطة أعوانه وخدمه بالدولة العميقة… فحتى إيقاف الحجر الصحي وفتح المطارات تم بفضل هيمنة هذا الإتحاد على حكومة الكفاءات الوطنية، لأن مصالح الطبقة الرأس مالية الكمبرادورية المتحكمة في الإتحاد تفرض ذلك.

فهناك قوى مالية تفرض علينا فك الحجر الصحي كليا، بفتح المطارات (بحثا عن مصالحهم

الطبقية الضيقة)، وتلك المطارات الأجنبية والتونسية هي المصدر الأول والأخير للموجة

الجديدة الثانية من الكورونا.

ومن بدع الديمقراطية التونسية أن سفيرها في الأمم المتحدة مرة يكون ذا هوى صهيوني، ومرة دون لون وطعم، ومرة يطرده ترامب فيغيره رئيس الدولة… فـ«ثورتنا» المجيدة ليس لها سياسة فلسطينية لأنها سُطِّرَتْ قبل إنتخابات 2011 في نادي أي-باك.

ومن بدع الديمقراطية التونسية عدم المساواة بين المواطنين التونسيين. ففي عهد الثورة مازالت أجرة العاملة الفلاحية والعاملة الصناعية دون الأجر الأدنى القانوني. وهناك فئات مهنية يضاعف لها الأجر الشهري ثلاث مرات وأكثر وتضاف لها منحة الخطر دون طلب منها ولا احتجاج، بينما فئات مهنية أخرى لا يُفْعَل لها ذلك رغم أنها تعاني من الخطر هي أيضا.

منذ مدة قصيرة قُتِل شرطي. وعلى الفور قدر رئيس الحكومة أنه ضحية عملية إرهابية،  وأن أجره الشهري ينبغي أن يستمر دون نقص على عائلته.  وهنا نلاحظ أخطاء شكلية في حق دولة القانون.  فليس من حق السلطة التنفيذية أن تقدر سبب الوفاة فذلك من حق السلطة القضائية وحدها، وهو اعتداء على مبدإ فصل السلطات. كما أن أمر الأجر الشهري بعد الوفاة أو الاستشهاد ينبغي أن يكون طبقا لمنشور قانون يصادق عليه البرلمان. ومنحة الخطر ليست من حق فئة دون أخرى،  فكم من طبيب وممرض عرضوا أنفسهم لخطر الكورونا فمرضوا أو ماتوا مستشهدين في سبيل المجموعة الوطنية  لم يتكلم عنهم أي رئيس من رؤساء الحكومة المتعاقبين. وحتى شهيد الوطن الممرض وليد العياشي الذي استشهد في ميلانو وهو يقاتل الكورونا لم يوسمه أي وزير من وزراء الصحة بل لم تنقل الحكومة جثمانه من ميلانو إلى حد الآن . وذلك هو عين اللامساواة  في ديمقراطية س.ب.، وعين غدر ثورة الشباب. فحتى المثقف الذي قتل جسديا أو رمزيا أمام الإرهاب في تونس لم يكرمه أي وزير من وزراء الثقافة، ولا وزراء التعليم العالي ولم يُجْعَل رمزا وطنيا لعصر الثورة.

ومن بدع الديمقراطية التونسية فصلها العنصري بين سنيي الأمة الإسلامية وشيعييها، كما تريد الإمبريالية والصهيونية، وإعلانها بأصوات خطبائها النهضويين أيام الجمعه (2011-2014) كفرية هذا النظام أو ذاك وضرورة الجهاد ضده بالتحالف مع السعودية وقطر وداعش.

خاتمة:

لن نجد أفضل من أغنية زياد بطرس وأخته جوليا بطرس لتلخص هذا النقد وتُصَعِّد هذه الزفرات:


انا خوفي ع ولادي .. من ظلم الأيام
ع ارضي ع بلادي .. خوفي ع الأحلام

ما بعرف نحنا لوين رح نوصل لبكرا لوين
لا بتنام العين و لا القلب بينام

سرقوا منا المحبة قتلوا فينا الأحساس
هالعالم صار بغربة و تفرقوا هالناس

عم يشتروا الأسامي عم بيبيعوا الكرامة
و الحقيقة قدامي صارت كلا أوهام

انا خوفي ع ولادي .. ع ولادي
ما تسألني يا قلبي بهالعالم شو صار

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023