بين «أوسلو» و«صفقة القرن» و«كامب ديفيد»…بقلم: السيد شبل

بين «أوسلو» و«صفقة القرن» و«كامب ديفيد»…بقلم: السيد شبل

حسب التسريبات المستمرة عما يُسمى «صفقة القرن»، فإن قضية فلسطين مُقدمة على تنازل جديد، سيمحو حتى اتفاقية أوسلو الموقعة عام 1993والتي كانت في الأصل محل رفض شديد نظراً لاعتراف الطرف الفلسطيني فيها بالكيان الصهيوني، وقبوله باغتصابه لـ 78 في المئة من أرض فلسطين، ونبذ خيار المقاومة.. مقابل التمسك بتأسيس «شبه دويلة» في الضفة الغربية وغزة، تكون القدس عاصمتها، وكذلك بحق العودة.
مع «صفقة القرن» لا «دولة فلسطينية على خطوط حزيران 67»، ولا قدس، بل سلطة تمارس مهامها على بعض المناطق تحت سلطة أكبر هي سلطة الكيان، وستبقى المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية ربما مقابل تسويات، وسيتم طيّ صفحة حق اللاجئين في العودة، مع حصار حركات المقاومة تماماً، وتجريم قاطع لأي عمل تنظيمي مسلح، وتأبيد وضع الكيان، وتكريس سيادته.. ناهيك بتفاصيل عديدة أخرى كل ذلك وفقاً لـ«صفقة القرن».
والداهية الكبرى، أن ما سبق – وهذا مهم جداً- سيكون فاتحة لكي يصبح تطبيع أي نظام عربي مع الكيان «أمراً مقبولاً ومشروعاً وعادياً»!!.
مقابل هذا سيتم تقديم وعود للفلسطينيين بتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي عبر إنشاء مشاريع خدميّة وبُنى تحتية وتجارية وصناعية تستوعب العمالة وتقدم رواتب جيدة (وهذه المشاريع داخل الضفة، وفي شمال شرق سيناء والأردن) وكذلك وعود بممر/ طريق لربط الضفة بغزة.. وسيتم الضغط عليهم من نظم عربية باتجاه القبول.
في الواقع هذا الأمر لو تم،ّ كما تقول التسريبات، فهو تصفية للقضية، غير أنه يظل نهاية منطقية لهجر خيارات المقاومة والسير في النهج التسووي، وتطوراً لـ«برنامج النقاط العشر» الذي تبناه المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974، ولما سُمي بـ«إعلان الاستقلال» الصادر عام 1988، وثمرة نهائية لمباحثات هنري كسينجر مع مصر ما بعد تشرين 73، وجزءاً من حزمة أضرار ما بعد «الربيع».. والمصائب تأتي تباعاً.
لقد كانت وستبقى أهم طعنة لمشروع تحرير أرض فلسطين، حين تم تهميش كونها أرضاً عربية، وتخصنا جميعاً وسكانها ما قبل 48 هم نحن، وأن النضال هو مشروع تحرير عربي، وليس غرضه إنشاء دولة أو رفع علم أو تكريس فكرة «استقلال القرار الفلسطيني» عن بقية العرب (وهي الفكرة التي لاقت قبولاً لدى الأنظمة العربية الكارهة للمقاومة، لأنها سوغت تقاعسها!) وحين، أيضاً، غيّبت اتفاقية «كامب ديفيد» حقيقة أن مصر لن تتحرر إلا إذا تم تفكيك الكيان الصهيوني، وأنه قاعدة عسكرية موجهة ضدها.
بالاستطراد أكثر عن اتفاقية «كامب ديفيد» يمكننا القول إنه ما زال البعض لم يدرك مكمن الكارثة في تلك الاتفاقية، ألا وهو عزل مصر عن عروبتها، وترسيخ ثقافة انعزالية أنانية، تقول للناس إن الصهاينة، ولو كانوا أشراراً، فلأنهم احتلوا أرض الفلسطينيين، وليسوا أشراراً لأنهم احتلوا أرضاً عربية (ملكنا جميعاً) وأسسوا كياناً في خدمة الإمبريالية ومعادياً لأي نهضة اقتصادية أو عسكرية أو اجتماعية في المنطقة..
وفي النهاية صار المصري المتأثر بـ«الساداتيّة» يشعر بغربة فلسطين (والشام كلها) عنه، وهذا كان ما ينتظره الكيان ليتفرّد بالشق الآسيوي من الأمة، بعد أن عزل الرأس (مصر) عن الجسد (العرب).
وعندما تمت تنحية مصر عن أمتها العربية ومن ثمّ قضايا العالم الإسلامي والقارة الأفريقية والنضال الأممي، واستثمرت الأنظمة الرجعية الغنية بالمال النفطي أمثل استثمار في هذا التنّحي.
كان من الطبيعي أن تذبل مصر نفسها، وتعيش على الهامش تطلب الأمان بالسير إلى جوار الحائط، وتبدأ بالتسابق مع ذلك في مشاريع الخصخصة والانفتاح وإباحة أسواقها أمام البضائع الأجنبية، لأنه تم عزلها عن الآبار التي تتزوّد منها بماء القوة، وفرطت في حلم الوحدة، وصالحت أعداءها..
وغافل من ينسى أن السياسي الإنكليزي هنري بالمرستون دعم ميلاد الكيان الصهيوني حتى لا تتكرر تجربة إبراهيم باشا الوحدوية مرة أخرى، فدعم تأسيس هذا الحاجز البشري ليمنع الاتصال الطبيعي بين شمال إفريقيا والشام.

*كاتب من مصر

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023