تآمر الأشقاء على فلسطين أكثر إيلاما من سلاح الأعداء!…بقلم د. مصباح الشيباني

تآمر الأشقاء على فلسطين أكثر إيلاما من سلاح الأعداء!…بقلم د. مصباح الشيباني

منذ بداية القرن الماضي، طرحت عديد المشروعات والمبادرات للتّسوية وللتفويت في الأرض العربية في فلسطين عندما وافق ملوك المحميات العربية الاستعمار على هجرة اليهود إلى فلسطين ( سواء من العرب أو من مختلف مناطق العالم). وبدأ التّطبيل والتهليل عبر مختلف الاليات ووسائل الدعاية من قبل هؤلاء العملاء لإقناع الشعب العربي بإمكانية التعايش السّلمي مع الصهاينة بعد قيام دولة لهم في فلسطين.

    في ظل موجة تسونامي التطبيع وخيانة بعض الأنظمة العربية للقضية الفلسطينية، نذكّر شبابنا ببعض الحقائق التي ينبغي أن لا تغيب عن وعيهم من أهمّها:

1ــ اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في جلستها العامة رقم 2400 والمنعقدة في 10 نوفمبر 1975 قرارا تحت عدد 3379 ينص على “أنّ الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري“، وطالب هذا القرار جميع دول العالم بمقاومة الأيديولوجية الصهيونية التي تشكل خطرا على الأمن والسلم الدوليين.وقد كانت كل الدول العربية مؤيدة له ومنها تونس. ولكن كما هو معروف تم إلغاء هذا القرار في 16 ديسمبر 1991 بعد انطلاق مفاوضات الإستسلام”مع العدو الصهيوني في مؤتمر “الارض مقابل السّلام”  (مدريد  أكتوبر1991 ) . وبعد مضيي حوالي  30سنة على الغاء هذا القرار يكاد لا يختلف اثنان على أنّ صفة العنصرية ماتزال ملازمة للحركة الصهيونية العالمية ولدولتها إسرائيل في فلسطين المحتلة. فما الذي يدفع بعض الحكام العرب اليوم من تغيير مواقفهم؟ أليس الاحتلال الصهيوني لفلسطين مازال قائما؟ ألا تمارس دولة العصابات الصهيونية في فلسطين وخارجها أبشع أنواع الارهاب والقتل بالاغتيالات والحصار والتهجير، وهي تعدّ كلها من أخطر الجرائم العنصرية التي عرفتها الإنسانية في تاريخنا المعاصر؟

2ــ منذ انعقاد “مؤتمر مدريد للسّلام” (1991) أصبح العزف منفرداً، وأصبحت القوى الوطنية مفتّتة ومتصارعة ليس على الصّعيد العربي فحسب، وإنّما على الصّعيد الفلسطيني أيضا بين مؤيّد ومعارض للتّفاوض. وأصبح البعد القومي العربي للقضية الفلسطينية شبه غائب في الكتب والبرامج المدرسية وفي صفحات الصّحف والفضائيات العربية الخاصة منها والعامة. وهو مؤشّر يدل على التّجاهل المتعمّد من قبل الغرب الاستعماري والأنظمة العربية المتواطئة معه لروح القضية الفلسطينية والعمل على تبخيسها وتحقيرها في المخيال الاجتماعي والسّياسي العربيين. والأمر ذاته بالنسبة إلى الاهتمام بقضايا الأحداث الجارية في المجتمعات العربية الإسلامية و خاصة المذابح التي ترتكب يوميا ضد الأبرياء من أبناء أمتنا في مختلف المواقع والسّاحات بغير وجه حق.

3ــ يعرف الجميع أنّ الحكام العرب لما قبلوا مفاوضات “السّلام” مع العدو الصهيوني وذهبوا إلى “مدريد” لم يكونوا ضعفاء مثل اليوم، بل إنّ الانتفاضة الفلسطينية الأولى (8 ديسمبر 1987) هي التي دفعت بـ”دولة إسرائيل” إلى طلب “السّلام” لكن توقيع “اتفاقيات أوسلو” عام 1993 أضعفت العرب والفلسطينيين وجرّدتهم من أهم قوّة في ذلك الوقت وهو سلاح الانتفاضة وعزلت المفاوضين أو “المستسلمين”عن البيت العربي، أي حوّلت القضية الفلسطينية في رأي هؤلاء المتآمرون من قضية عربية إلى قضية فلسطينية. وهكذا أضاعت مفاوضات “أوسلو” المسار الصحيح لحل هذه القضية وهو جعلها القضية المركزية للعرب جميعا. ولكن من المؤسف أن نتائج “مفاوضات أوسلو” كانت استسلاما وانهزاما للعرب المفاوضين وغير المفاوضين معاً.

4ــ  تؤشّر عمليات التطبيع المعلنة مع العدو الصهيوني عن  دخول الأمة في مرحلة تاريخية جديدة وحلقة خطيرة في سلسلة حلقات التطبيع السابقة التي انطلقت من مصر مع الخائن أنورالسادات منذ 1979، حيث انتقلت من السر إلى العلن، والهدف منها  محاولة في تعبئة الرأي العام العربي (العامة) وتغيير عمق الذاكرة  الجماعية وتمثلات الشعب العربي للعدو عبر تكثيف حملات الدعاية الإعلامية لتبييض هذه الجريمة في حق فلسطين والأمة كلها. فمن خلال هذه الحملات التطبيعية  يسعى العدو الصهيوني وعملائه، سواء كانوا أفرادا أو أحزابا أو أنظمة، إلى أن يغيروا مواقف الناس وقناعاتهم الرّافضة لأي شكل من أشكال الاعتراف والتفاوض والصلح مع العدو عبر أشكال صامتة وناعمة. كما تعبر هذه الموجة التطبيعية أيضا عن بلوغ خيانة هذه الأنظمة لعروبة القضية الفلسطينية ومركزيتها منتهاها ،بل نعتقد أنه في ظاهرها هي “عملية تطبيع”،  ولكن في حقيقتها  تحالف عسكري وأمني بينها وبين إسرائيل ضد حلف المقاومة، وهو ما يهدّد وحدة الأمة العربية ويعمق الخلافات بين دولها . وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على نجاح دولة العصابات الصهيونية خلال العقود القليلة الماضية في إقامة تحالفات بينها وبين الرجعية العربية من أنظمة وأحزاب إسلاموية ومنظمات إرهابية ومع كل من يعادي وحدة أمتنا، وتجنيدها  بهدف التّخفيف من عزلتها إقليميا ودوليا، والعمل على إعادة بناء عقل عربي من وجهة نظر صهيونية.

لهذا، ينبغي علينا أن ننتبه إلى مخاطر هذه المرحلة التي تسعى فيها أنظمتنا العربية  إلى أن  تُوهم شبابنا بأنّ صراعنا مع الكيان الصهيوني هو صراع حدود أو على المقدّسات وليس صراع وجود. فالحركة الصّهيونية لن يتوقف هدفها على تجميع اليهود وتدريبهم وتسليحهم ونقلهم إلى فلسطين، ولن يكون هدفها الاستراتيجي منحصرا في إقامة دولة “إسرائيل” أو “دولة اليهود” وتحقيق أحلامهم الأسطورية باسم “شعب الله المختار“، ولكن الهدف الأساسي بعد كل ذلك، هو القضاء على أية قوة عسكرية أو مقاومة عربية تمنعها من تحقيق هدفها الإستراتيجي وهو أن يعيش الصهاينة على أرضنا العربية حياة آمنة ومستقرة تسمح لهم بأن يتحوّلوا إلى أمّة لها جميع مقومات الأمم الأخرى من لغة وتاريخ ودين وأرض ..الخ.

وإنّ السعي إلى تحقيق أهداف مشروع “الشّرق الأوسط الجديد” والعمل على تحويله إلى واقع ” جيوـ سياسي” كان ومازال يشكل مطلباً ملحّاً وهدفاً مشتركا بين الأنظمة العربية المتصهْينة والأحزاب الإسلاموية الرجعيّة، فأصبحت أمتنا العربية تواجه أخطر مؤامرة من قبل نظم الفتن والابتزاز والنّهب والفساد والتجويع، وتتعرّض إلى أخطر سياسة عدوانية مجنونة تقودها شلل سياسية إسلاموية أعمتها مصالحها الذاتية الضيقة، وقوى غربية استعمارية أعمتها سياسة الاستعلاء والهيمنة والتفوق المادي والعسكري في نظام دولي مضطرب فاقد لجميع آليات الضّبط والتوجيه وحفظ السلام الدولي.

   لهذا، تتحدّد الخطوات الأساسية للشعوب العربية والإسلامية في الدفاع عن القضية الفلسطينية والمقاومة معًا، في التالي:

1ـ المشاركة بقدر المستطاع وبالطاقة والجهد الممكنين في كشف أدوات التّطبيع مع العدو في كل صوره وفضح جميع أدواته السّياسية والثقافية والإعلامية بما يسمح لصد هذه الهجمة التطبيعية مع الأنظمة العربية وخطورتها على تشويه ذاكرة الأمة ومخيالها السياسي المقاوم للصهيونية. ولا ينبغي أن نستعجل الأمور أو نقف عند الاحتجاجات “الاحتفالية” لأنّ المعركة تحتاج إلى مراكمة كل فكر أو فعل مقاوم وكل نشاط سياسي أو ثقافي في اتجاه إعادة “الصّحوة العربية” بخطورة القضيّة وعمقها التّاريخي، لأنّ المعركة الحقيقية مع العدو وحلفائه المحليين  بالكاد ابتدأت، وما أصعب الصّحوة بعد طول استلاب!

2ـ ينبغي علينا أن نستثمر كل “الذّخائر النّضالية” ( المادية والبشرية، السلمية والعسكرية) لتطوير الظّروف “الثورية” للحيلولة دون تحطيم عزائم أبطال المقاومة أو إمكانية تفكيك بنيتها الدّاخلية والتشكيك في عقيدتها النّضالية. ومن ثمة يمكننا تحدي كل القوى الغربية المتآمرة على حقنا في تقرير مصيرنا، ولكي نتمكّن من استرداد أرضنا المغتصبة في فلسطين أو في غيرها من الأراضي العربية. فتحرير الأمة العربية وتحقيق استقلالها وضمان مستقبلها رهين بتحرير فلسطين أولاً وأخيرا، وإلا فإنّنا، سنظلّ نكرّر نفس الأخطاء وإن تغيّرت الوقائع الجيو ـ سياسية في المنطقة العربية. ومهما تدفقت أمواج الارهاب الدّولي وتأثيراته في المشهد العربي، تظلّ القضية الفلسطينية مفتاح التحرّر العربي في الوعي والفكر وفي البناء والعمل.

3ـ ينبغي علينا أيضا، أن نكشف جميع المفردات التي زيّنت بها السّياسات والاتفاقيات التي أضاعت جوهر القضية الفلسطينية مثل: “السّلام مقابل الأرض” و”التفاوض مع العدو” وغيرها. فموجة التطبيع العربي الجديدة ـ القديمة يمكن أن نحوّلها إلى نقطة قوة تنبثق منها تصورات عملية ونضالية جديدة للتعامل مع هذا الحلف الصهيوــ عربي، بل ينبغي أن يكون بداية مرحلة جديدة في الاشتباك مع كل أعداء الأمة ـ في الداخل والخارج ـ وتعرية القاموس السّياسي والخطاب الإعلامي الصهيوني الذي يسعى على تبييض الخيانة العربية قبل أن يتحوّل إلى واقع “انهزامي” قد تكون أثمانه باهضة ومآلاته مؤلمة على الجميع.

هذه الحقبة التطبيعية وغير المسبوقة في تاريخ أمتنا العربية، ينبغي على شبابنا أن يقرأها قراءة موضوعية تقوم على أساس الوعي بالتاريخ حتى لا يتملّكه الشكّ أو عدم الثّبات في الدفاع عن حقه في استرداد أرضه المغتصبة في فلسطين. فإذا لم يكن لديه الوعي الإستراتيجي الكافي بالأبعاد التاريخية لهذه القضية وبحلولها الموضوعية، فإنّه لن يكون له أمل في النصر وقد تتشوّه ذاكرته، لأنّ ذاكرة الشعوب ليست صناديق من حديد مقْفلة، وإنّما هي عبارة عن أوعية مفتوحة تصب فيها وتتسرّب إليها في كل لحظة مئات الصور والمشاهد التطبيعية التي تترك فيها بصماتها.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023