تدبر طالب التيسير في فضاء القرآن الكريم: تدبر في سورة القمر…بقلم د. نعمان المغربي

تدبر طالب التيسير في فضاء القرآن الكريم: تدبر في سورة القمر…بقلم د. نعمان المغربي

1.   السّاعة و«القمر»:

       ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ: موعِد ذلك الحدث العظيم جدًّا، المَفْصلي، الحاسِم، المؤثّر، قريب جدًّا.

        ﴿وَانشَقَّ الْقَمَرُ: سينشق في تلك ﴿السَّاعَة﴾ ﴿الْقَمَرُ.

       ﴿الْقَمَرُ: هو الإنسان الجميل جدًّا. الإنسان الوضيء، المؤثّر جدًّا وسط الظّلام الملّي والأخلاقي والتدَيّني. لا يُعْرَفُ الإنسان ﴿قَمَرًا إلاّ وسط الظّلام الدّامس جدًّا جدًّا.

        كان الإمام الحسين (ع) «قمرًا»، لأنّه بذاته، جميل جدًّا جدًّا، خلْقًا وخلُقًا، ليس هناك من هو أجمل منه في عصره جَسدًا، وأخلاقًا، ودينًا، واقترابًا من أجمل الخلق على الإطلاق، محمد (ص). قال الشيخ المفيد في وصفه: «وجهه دارة قمر طالع»[1].

         وكان عصره عصر ظلام دامس جدًّا جدًّا: أظلم زمن بعد وفاة رسول الله (ص): ساده مستبد ظالم (يزيد بن معاوية)، وعصر ابتعاد لا سابق له عن «الحرية» في الدّنيا.

         و«قَمَرَ الماءُ»، قَمرًا وقمرًا: «كثُر»[2]، فالحسين (ع) هو «كوثر» بن «كوثر»، خَيْره وجَماله كثيران، متزايدان كلّ يوم.

    ﴿انشَقَّ الْقَمَرُ: قُطِّعَ وهُشِّمَ وحُطِّمَ، قدْرًا اجتماعيًّا وجسدًا، ومَرْجَعًا.

    ﴿وَإِن يَرَوْا آيَةً: من الآيات البشريّة التي أرسلها محمد (ص) بأمر الله تعالى، ﴿يُعْرِضُواعن كلّ ﴿آيَةمنها ﴿يَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ، مُنذ ابتداء الرّسالة المحمّدية إلى لحظة الانشقاق ﴿الْقَمَرُ.

    منْ هو ﴿الْقَمَرُ؟! ليس قمرًا شاحبا، ماديّا، من حجارة وتراب ومعادن، إنّه «قمر إنساني». إنّه «آية»، إسمها علي (ع) انشقّت هامَتُه. إنّه مرّة أخرى «قمرٌ» إنساني آخر، إسمه: الحسين (ع)، انشقّ كلّ جسده، بعد أن «انفطر» كلّ قلبه.

    ﴿وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ: لم يتغيّر شيء منذ أبي سفيان: تكذيب للرسول محمد (ص) وأهل «ذكره». فقد رَجَع «الكُفر» أمرًا «مستقرًّا».

    ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ الْأَنبَاءِ، من الآيات الإنسانيّة النابئة، ﴿مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ، ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌبدْءًا بالنبي (ص)، ففاطمة (ع)، فعلي (ع)، فالحسن (ع)، ﴿فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ. فقد ألقوا الخُطَب والمواعظ، وكانوا أخطب البشريّة بعد أبيهم، رسول الله (ص)، دون جدوى، بدايةً، وإن كان تأثيرهم لاحِقًا.

2.   «قَمَرُ» أهل البيت يُنْذِرُ:

               ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ، ولا تَدْعُ لهم يا محمد، ﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ، الذي هو«القمر» الحسين (ع) ﴿إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ، إذْ أنذرهم قائلا: « الحَمْدُ لله الّذي خَلَقَ الدُّنْيا فَجَعَلَها دارَ فَناءٍ وَزَوالٍ، مُتَصرِّفَةً بِأَهْلِها حالاً بَعْدَ حالٍ، فَالْمَغْرُورْ مَنْ غَرَّتْهُ، والشَّقٍيُّ مَنْ فَتَنَتْهُ، فَلا تَغُرَّنَّكُمْ هذِهِ الدُّنْيا، فَإنَّها تَقْطَعُ رَجاءَ مَنْ رَكَنَ إلَيْها، وَتُخَيِّبُ طَمَعَ مَنْ طَمِعَ فيها. وأراكُمْ قَدْ اِجْتَمَعْتُمْ على أمْرٍ قَدْ أسْخَطْتُمُ الله فيه عَلَيْكُمْ، وَأعْرَضَ بوَجْهِهِ الكَريمِ عَنْكُمْ، وَأَحَلَّ بِكُمْ نِقْمَتَهُ، وَجَنَّبَكُمْ رَحْمَتَهُ. فَنِعْمَ الرَّبُ رَبُّنا، وَبِئسَ العَبيدَ أنْتُمْ، أقْرَرْتُم بِالطّاعَةِ، وَآمَنْتُمْ بِالرّسُولِ محَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم، ثُمَّ إنَّكُمْ زَحَفْتُمْ إلى ذُريَتِهِ وَعِتْرَتِهِ تُريدُونَ قَتْلَهُمْ، لَقَدِ اسْتَحوَذَ عَلَيْكُمُ الشّيْطانُ، فَأنْساكُمْ ذِكْرَ اللهِ العَظيمٍ، فَتَبّاً (2) لَكُمْ وَلِما تُريدُونَ، إنّا لله وَإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ، هؤُلاءِ قَوْمٌ كَفَرُوا بَعْدَ إيمانِهِمْ ﴿فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمينَ[3].

    ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ، ليحاسبهم الله تعالى على «شقِّهِم» «القمرَ» (ع)، بِحوافرِ خيولهم، وبرماحهم وسيوفهم وأحقادهم وأوتارهم «الجاهلية».

    ﴿مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ، يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَـذَا يَوْمٌ عَسِرٌ: ﴿الدَّاعِي هو المختار الثقفي أوّلاً، إذ ينتقم منهم ظاهرًا؛ و﴿الدَّاعِي هو الإمام المهدي (عليه السلام) آخرا إذ يحطّم كلّ الظلم البشري، مع أنصاره، تحطيمها نهائيّا.

    إن «القمرَ» الحسين (ع) هو وريث نوح، و﴿فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا [الحسينَ، القمرَ، (ع)]، وَقَالُوا: مَجْنُونٌ، وَازْدُجِرَ، فاتهموه بالجنون، ونَحَرُوهُ باضطهادٍ وتعذيبٍ شديدَيْن.

    هناك في لحظة الانشقاق المأساوي، للجسد القَمَريّ والأجساد القَمرية التي معه ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ [المحمدية] بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ: ماء التغيير والتطهير للبشريّة ولأمّة الإسلام.

    ﴿وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا: كان انفجار أرض «القمر» (ع) إلى «عيون» «إثني عشر». جاء في سورة البقرة: ﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى [طلبه لهم ماء الدين] مُوسَى لِقَوْمِهِ. فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ [بعصيانك الشيطانية] الْحَجَرَ [تصلب القلوب]. فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا. قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ [إمَامَهم الخاص]. كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّـهِ، وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (البقرة، الآية 60). وجاء «القمرَ» الحسينُ بانشقاقه المأساوي/الملحمي ليستسقي لأمة محمد، وليعيدَ تَفْجير «الأرض» بتلك «العيون»، فيُعدّد ماءَها؛ فالرسالة المحمدية لم يُكتَبْ لها البقاء إلاّ باستشهاده.

    ﴿فَالْتَقَى الْمَاءُ الماء» الرسالي المحمدي، الثوري] عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ: «الأمر» هو تغيير العالَم، وانتصار الحق على الباطل.

     ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ: بقي «القمر» (ع) إذ حُمِل على ﴿ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍهي «فُلك» أهل الذّكر (ع). قال رسول الله (ص): «إنما مَثلي ومَثل أهل بيتي فيكم، كسفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق»[4]. قال تعالى: ﴿وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ(يس،42).

    ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا، يحفظ الله تعالى وسَوْقِه التّاريخي الرشيد، ﴿جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ. قال الحسين(ع): «أيها الناس انسبوني من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدق برسوله بما جاء من عند ربه».

    ﴿وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا: تركنا «فُلْك» آل محمد (ص) إلى يوم القيامة فما بَعْدها. ﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ، لمكانة محمد (ص) وأهل ﴿الذِّكْر (ع).

    ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ، انتقامًا لانشقاق القمر (ع) وتعذيبه.

    ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ، بواسطة «أهل الذّكر»، ﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ: ألا تتذكّرون وهم يتعاقبون آيةً/علامةً بعد أية/علامة، على سبيل الرّسالة المحمدية؟!

 

3.   «عاد» و«ثمود» مع الفرعون ضد «قَمَر أهل البيت(ع)»:

    ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ: «عادٌ» في الأصل قبيلة يمانية[5]، اعتمَد «كُفْرُها» على الاغترار بالقوة الجسدية. وهي هنا الشق الشَّرّي في اليمن الإسلامية (شمّر بن ذي الجوشن، المغيرة بن شعبة، عبد الرحمان بن ملجم…). وهم كل الشَّرّيّين من المسلمين.

    ﴿تَنزِعُ النَّاسَ [كلَّ البشريّة]، كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ: «النّخْل»، هو «الاختيار» و«الاصطفاء»[6]. وهو كناية عن «الإنسان» الذي اختاره الله خليفة، و«العربيّ» الذي اختاره الله بيئةً للنبي الخاتم، فكان «عجز نخل منقعر»، أي إسمًا بلا مسمّى.

    ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ: «ثمُود» في الأصل هي قبيلةٌ من جنوب الشام، ورِثتْها «كَلْب»، أخوال يزيد. هي الشق «السَّبُعِي» في الشعب الشامي[7].

    ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ: ليس صُدفة أن «قمر» أهل ﴿الذِّكْر، قَمِر آل محمد (ع): استعمل مصطلحيْن قرآنيين: «لم أخرج أشرًا ولا باصرا[8]»، ﴿أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا، بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ. سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ، (القمر، الآيتان 25 و26). فلقد آتهم ابن زياد الحسين (ع) بأنه خَرَجَ على «الحاكم الشرعي». فردّ عليه الإمام (ع): «إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا، وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدّي». ومادة «بَطرَ» في القرآن جاءت في سورة القصص: : ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا: وهي التبختر، أي المَظْهر العملي لـ«الأشِريّة». فهو لم يَخْرج لمزيد تكريس «الأشِرِيّة» و«البَطَريّة» وإنما لنقضهما والثورة عليهما.

ـــــــــــــــــــــــــ * ـــــــــــــــــــــــــ

       ﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ [يا محمد] فِتْنَةً لَّهُمْ: [سنُنزِّل «أهل الذِّكر»(ع) وأصحابهم ذوي «الأناقة» الإنسانيّة والأخلاقيّة، مع «القمر» الحسين (ع)]، ﴿فَارْتَقِبْهُمْ [يا محمد]، وَاصْطَبِرْ.

إن ضمير الأنتَ في ﴿فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ لا نجده في كلّ المقطع الثمودي. فالضمير –إذن- لا يعود إلى «صالح»، وإنّما إلى سيّدنا «محمد» (ص)، المخاطَب دائما في سُوَر القرآن الكريم، صراحةً مرة، وتضمينًا مرّة أخرى.

       ﴿وَاصْطَبِرْ [يا محمد] على ما أريْناك من مَقْتل «قمَرِك» الحسين. ولقد كان رسول الله (ص) أوّل باكٍ علي مَقتل الحسين. قالت أم سلمة، «كان رسول الله (ص) الله عليه وسلم جالسًا ذات يوم في بيتي؛ قال: “لا يدخل علي أحد!“. فانتظرتُ، فدخل الحسين، فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي (ص) لى الله عليه وسلم يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمت حين دخل. فقال: “إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت؛ قال: أفتحبه؟ قلت: أما في الدنيا فنعم. قال: إن أُمّتك ستقتل هذا بأرض يقال لها: كربلاء”. فتناول جبريل من تربتها، فأراها النبي (ص) لى الله عليه وسلم». «فلما أحيط بحسين حين قتل؛ قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء. فقال: صدق الله ورسوله: كرب وبلاء»[9].

       ﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ: «شاء الله أن يراني قتيلا». «شاء الله أن يراهنّ سبايا»، فتنةً/امتحانا، لأمّة الإسلام. و«الناقة»، ج «أنيق»، أي «الجميلون»، «الأقمار».

       ﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَة: اللغة الإسميّة تدلُّ على الراهنية والدّائمية التي تبدأ بالراهنية. نحن منذ إرسالك يا محمد، إنّما أرسلنا ﴿نَاقَةً﴾ كاملة، إثْنَيْ عَشَر﴿نَاقَةً﴾ (جمع «أنيق»)، أي إثني عشر «جميلا»، «قمرًا»، معصومًا لامتحانهم (المسلمين والبشريّة). وأهل «الحسين» وأصحابه هم «ناقةٌ» أيضا.

       ﴿وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ: إنّ ماء الفرات قسمة بينهم، كما كان ماء بدر قسمة بينهم. وإنّ «ماء» الإسلام هو مُشْتَرَكُهُمْ، فعلام قتل «القمر» و«شقّه» بوحشيّة؟!! ﴿كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ. ولم يمنع رسول الله (ص) أهل «الكفر» في بدر «الماء» المادي، رغم أنهم غزاة معتدون على حماه، ولكنهم منعوا «قمره» الحسين ومصاحبيه «ماء» الفرات!!.

       ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ، «صيحة» المختار الثقفي، و«صيحة» يوم المهدي (ع)، هما «صيحة» واحدة، صيحة الانتقام الإلهي لقتل «القمرية» المحمديّة وشقّها بوحشيّة.

       ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ: «قوم لوط» هم الفرع المرواني من «الثمودية». ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا [الاغتصاب العباسي للشام الأموية] إِلَّا آلَ لُوطٍ: «آل لوط» آل سيدتنا زينب بنت علي (ع) في ضواحي دمشق، جاؤوا ليُطهّروا بلاد الشام الأموية، ويجعلوها «محمدية». فمحى تعالى ذكر الثموديين، مع فرعهم المرواني، وخلَّدَ ذِكْرَ «القمر» (ع) وذِكر لوط (أي السيدة زينب (ع)) التي استقرّت بالحِمى الشامي المعادي. فآل لوط ﴿نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ[مِنَ القَتِلِ والفناء والمذلة أمام يَزيد] ، ﴿نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ، إذ شكرت زينب (لوط آل محمد) ربّها:  «لم أرَ إلاّ جميلا!».

         ﴿وَلَقَدْ أَنذَرَهُم [لوط، «زينب»(ع)] بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ.

         ﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِه[ضيفها هو سيدنا السَّجَّادَ(ع)]، إذ أراد طَاغِيةُ ثمود وسَدوم (يزيد) قَتْلَهُ. فقامت السيّدة زينب (ع) قائلة له: «إن أردت قَتْلَهُ، فاقتلني معه!». لقد أنزلتْ السيدة(ع) سيدنا السجاد(ع) منزلةَ الأضياف لأنه كان مريضًا، مُجْهدًا جدّا. والإضافة هي «الإلجاء» فقد كانت سيدتنا زينب (ع) ملجأ سيدنا السجاد (ع) في تلك اللحظة العسيرة جدّا.

         ﴿فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ: طمَس الله تعالى عيونَ بني أمية ويزيد، والوزير والمنصور بن سرجون ، فلم يقتلوا «ضَيْف» سيّدتِنَا زينب: سيدنا السجاد (عليهما السلام).

        ﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ: استقرَّ العذابُ على «المسلمين» الناكثِين ب«ميثاقهم» مع سيدنا محمد (ص) حتى ما بعد خروج الامبرياليات التقليدية مِنْ أراضي المسلمين.

       ﴿وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ: «آل فرعون» هم كل «المتفرعنين»، ﴿كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا. فكل أنماط الولاية الفرعونية ستُجرّب[10]. ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ.

       ﴿أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَـئِكُمْ؟ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ؟!: «الزُبُر» هي كتب  الفقهاء المشرعنين ليزيد والفرعونية في الإسلام («زُبُر» الأوزاعي والخولاني وابن تيميّة والخلال والبربهاري…)( زُبُر: ج. زبُور أي الكتاب).

       ﴿أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ، ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ[11] [تحالف بني أمية مع بعض«المسلمين»، والتحالف الطغياني/الفرعوني العالمي] وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ.

       ﴿بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ [ساعة الإمام المهدي (ع)، وأنصاره المستضعفين] وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ. هنا نلاحظ استدراكًا: ﴿بَلِ. فهذه ﴿السَّاعَةُ ليست ساعة الآية الأولى من السورة، «ساعة» كربلاء الحسين (ع).

       ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ: فلنا «سَوْقٌ» دقيق من أجل انتصار الحق[12]: ﴿أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (سورة الطارق، 17).

       ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ.

       ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ، فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ. انظروا ما فعلنا في كل أعْداء «القمرية» المحمدية عبر التاريخ !

       ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ، ﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ.

       ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ: «المَليك» هو الإمام المهدي (ع). فالله تعالى هو ﴿الملك المطلق؛ بينما المهدي (ع)، المطيع لأوامره العَدْلية والأخلاقيّة، هو ﴿المَليك. قال تعالى عن ذي القرنين (ع): ﴿إِنّا مَكَّنّا لَهُ فِي الأَرضِ وَآتَيناهُ مِن كُلِّ شَيءٍ سَبَبًا (الكهف، 84).

ـــــــــــــــــــــــــ * ـــــــــــــــــــــــــ

4-  تحطيم زُبُر القمر(ع) وزُبُر شيعته:

       ﴿الزُّبُرِ: ذُكرت مرتين: المرة الأولى في الآية 43، والثّانية في الآية 52. المرة الأولى عن «زُبُر» ﴿القمرالحسين(ع)، والثّانية عن«زُبُر» «أهل بيت القمر» وأصحاب «القمر».

       «الزّبْرة» هي «هَنَةٌ نابئةٌ من الكاهل»، «هي الصّدرة»[13]. وعادة ما تُنْسَبُ إلى «الأسد»، وقَدْ كان الحسين وأصحابه في كربلاء «أُسُودًا»، قتالاً، وكرامة إنسانية وعزة، وحبًّا لله ورسوله وأهل بيته(ع).

       ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ: لقد «شقَّ» الأشِرون، البطرون، الأمويون، «زُبُر» «الأسَدْ» الحسين (ع) و«زُبُر» «الأُسُود» الذين معه.

       ﴿الزُّبُر هي «القِطَع». «زُبُر الحديد» قِطعُهُ. «زُبُر الحَدَّادِ: سندانُه»، فقد كان الحسين (ع) وأصحابُهُ «سُندانًا» تَكسَّر عليه المَسْعَى الأموي لتحطيم “الملّة” المحمديّة. 

       ﴿الزُّبُرِ هو «القوي الشديد»، «الشجاع». وهل هناك مَنْ أشجع من الإمام الحسين في تلك ﴿السَّاعَةُ التاريخيّة الفارِقة أثناء ذلك ﴿النَّبَأ العَظِيم﴾(كربلاء)؟!!

يصف السجاد (ع) انشقاق الأقمار وما فعل في «زُبُرهم»  في قوله:

«أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أنا من انتهك حريمه وسلب نعيمه وانتهب ماله وسبي عياله، أنا ابن المذبوح بشط الفرات، أنا ابن من قتل صبرا وكفى بذلك فخرا».

بكى السجاد(ع) على أبيه عشرين سنة. وماوضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولاه: أما آن لحزنك أن ينقضي فقال له: ويحك إن يعقوب النبي كان له اثنا عشر ابناً فغيب الله عنه واحداً منهم فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه وشاب رأسه واحدودب ظهره من الحزن وابنه حي في دار الدنيا وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر رجلاً من أهل بيتي مضرجين بدمائهم حولي فكيف ينقضي حزني .

 

5- الرّيحُ «الصّرصرُ» الزينبيةُ:

       ﴿صَرْصَر: «الصَّرْصَر» هو فرع الفرات، يَصِلُه بدجلة (كربلاء) واللفظة القرآنية إشارة إلى مكان ﴿سَاعَة كربلاء التاريخيّة العظيمة، تَصِلُنا بالامتداد المحمدي إلى ﴿العَالَمِينَ، بل إلى الخير الدّائم للعالَمين.

       «الصَّرْصَر»: هو «الجَمْعُ وردّ الأطراف»[14]. لا تتَتَوَهَّمنَّ أن «الزُّبُر» الحسينية التي تفرّقت وانشقّت، وأن الرّؤوس التي «فُعِلَ» فيها، قد انتهى أمرها، بل ستكون «ريحًا صَرْصَرًا». فهي لن تجتمع فقط، بل سيجتمع جهادُها من أجل حماية الإسلام المحمّدي ومن أجل بناء «القرية» المحمدية المهدوية العَدْلية، الشاملة والجامعة لكلّ العالم. مَن التي بدأت بـ«جمع» بين الزبر للعالمين؟! إنها «لوط» آل محمد (ص)، إنها الصّدّيقة زينب عليها السلام. إنها «الرّيح الصّرصر» في كربلاء!

       ﴿رِيحٌ صَرْصَر: الصّرصر هو شديد البرد أو شديد الصَّوت فـ﴿نبأ﴾ كربلاء شديدٌ في «صَوتِه» العالمي، بوَسَاطة السيدة زينب (ع)، إلى أبد الآبدين. وكان ذلك «الرّيح الصّرصر» ﴿بَرْدًا وَسَلاَمًا﴾ على الإسلام والمستضعفين؛ وعلى رسالة محمد (ص) إذ ثبّتَتْها إلى يوم القيامة.

ـــــــــــــــــــــــــ * ـــــــــــــــــــــــــ

خُلاصة:

        اِقْتَربت ساعة انهيار «الشَّرّ» الإنساني بـ«انشقاق» «قَمَر» رسول الله (ص)، «قمر» «ناقة» الرسول و«فلْكه»: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهْوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾. فقَدْ تتابعتْ «آيات» رسول الله (ص)، أي الأئمة، حتى مجيء «النّوح» المحمدي، الوصي الخاتم(ع)، وبذلك يتحقّق وعد الله تعالى: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ.

        طوبى لنا «قَمر» محمد، الذي «انشقّ» جسده قِطعة قِطعة، في سبيل الإصلاح والعدل في أمة جدّه(ع)!

         طوبى لنا «ريح الصّرصر»، الزّيْنب(ع)، التي أوصَلَتْ صَوتَ «قَمر» أهل البيت (ع) المُنْشق انشقاقًا، وسلَّمَتْ دفّة «سفينة» محمد (ص) إلى «ضيْفها»، و«ضيْفنا»، زين العابدين (ع)!

         علينا أن نقتبس من نورِ «القمرية» الحسينية، لنعيش الجمال في حياة حقيقية، وعلينا أن نَكُونَ جزءًا مِن «الرِّيحيّة الصَّرصرَيَّة» التي تَجْتثّ كِيان «الفرعونية» و«السدومية» و  «الثمودية» ﴿رُوَيْدًا﴾ رُوَيْدًا.

 

 


[1]  الطريحي (فخر الدين)، المنتخب، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، 2008، ص82.

[2]  ابن منظور، مادة: «ق. م. ر.»

[3]  http://imamhussain-lib.blogspot.com/2014/05/blog-post_8079.html

[4]  رواه الحاكم، وقال: «صحيح»؛ وكذلك مُسْلم والطبراني.

[5]  انظر تدبّرنا في سورة الأحقلف.

[6]  ابن منظور، مادة: «ن. خ. ل».

[7]  انظر تدبّرنا في سورة الشّمس.

[8]  الأشِر: المرِح المتكبّر.

[9]  رواه الطبراني وابن حنبل.

[10]  انظر تدبرنا في سورة المائدة.

[11]  انظر تدبرنا في سورة العاديات.

[12]  وَرَدَ ذلك في ابن منظور، مادة: «زبر».

[13]  انظر تدبرنا في سورة المائدة.

[14]  وَرَدَ ذلك في ابن منظور، مادة: «زبر».

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023