تدبر في سورة طور الكتاب المسطور

تدبر في سورة طور الكتاب المسطور

د. نعمان المغربي: (مختص في علوم الأديان المقارنة، جامعة الزيتونة _تونس)

موضوع السّورة المباركة:

تغطي السورة «نُجُومَ» (= طلوع، ظهور) «الطُّورِ الأيْسَرِ» للرّسول (ص) حتى «إدْبار» ذلك النجوم، نشرًا للعَدْل، وحَثْيًا للمال والسّعادة الروحانية على كل البشرية.

المقولات المركزية:

–       «الطُّورُ»: الإمامُ الموعود للخَلاص البشري ولإظهار الرسول(ص) على الدين كله. له طُور أيمن وطُور أيسر.

–       «طُورُ الكتاب المسطور»: هو الطُّور المنصوص عليه في الرَّق الفاطمي.

–       «الكتاب المسطور»: الصحيفة التي سَطَّرَتها البَتول (ع) بإملاء من الملائكة.

–       «الجبل»: القُطْبُ الإقليمي سَالِكًا بسيره نحو الطُّور. «الجبال»هم «أوتاد» الإمام المهدي(ع) التي يرسيها في كل الأمم.

 

السُّوَرُ الشّقيقات: سورة هود(المقطع النُّوحِي) + سورة القلم+ سورة التين.

السورة الشقيقة هي السورة التي «تتقاطع» مع السورة المطلوبة، توضيحا لبعض مَطالبها، أو إيضاءً لها.

 

 1_ ما «الطّور»؟

    «الطُّور» هو عظيم الجبال. ولقد كان ابنا الإمام علي (ع) يُنْعَتان بـ«الجبلية»، إذ يُقال عنه: «(إنه لذُو قَرْنَيْها)، أي إنه لذو جبليها، وهما الحسن والحسين»[1]. «وقرن القوم هو سيدهم»[2].

ويتميّز «الجبل» بعدة صفات، لعل من أهمها: «علوُّه». فإذا كان الشاعر المادح للملك أو رئيس القبيلة «أيها الجبل!»، كان ممّا يقصد: «أيها العليّ! أيها الشامخ!». قال علي بن أبي طالب (عليهما السلام): «يَنْحَدر عني السيل، ولا يرقى إليّ الطير»[3]. فهو طُورٌ عالٍ جدّا جدّا.

 أيُّ مُوسًى مِن المَواسين يَطْلُب من ربه: ﴿رَبِّ اشرَح لي صَدري﴾ (طه، الآية25)، «بنور اليقين والتمكين في مقام تجلي الصفات لئلا يضيق بإيذائهم، ولا تتأذى وتتألم نفسي بطعنهم وسفاهتهم. فكما أتكلم بكلامك معهم أسمع بسمعك كلامهم وأجده كلامك، وأرى ببصرك إيذاءهم وأجده فعلك، فلا أرى ولا أسمع ما يقابلونني به إلا منك، فأصبر على بلائك بك ولا تظهر نفسي برؤيتها منهم، فتحتجب بصفاتها وصفاتهم عن صفاتك»[4].

 وأيُّ مُوسًى من المَواسين يدعو ربّه: ﴿وَيَسِّر لي أَمري﴾. وأيُّ موسًى يدعو ربّه: ﴿وَاحلُل عُقدَةً﴾، « من عقد العقل والفكر والمانعين عن إطلاق لساني بكلامك والجراءة والشجاعة على تصريح الكلام في تبليغ رسالتك وإعلاء كلمتك وإظهار دينك على دينهم بالحجة والبينة في مقابلة جبروتهم وفرعنتهم رعاية لمصلحة خوف السطوة »[5]. وذلك حتى يفهمه الناس: ﴿يَفقَهوا قَولي﴾، « لتليينك قلوبهم والخشوع والخشية فيها وتأييدك إياي من عالم القدس والأيد»[6].

 إن أي موسًى مِن المَوَاسين له «هارونٌ» من أبيه. و«الأب» ليس الوالد دائما، بل يمكن أن يكون العمّ[7]، ولا ننسى أن «عِمْران»(أبو طالب) كان كافلا للرسول بعد وفاة والده وجده. وقد كان رسول الله (ص)، قد عيّن لكل مهاجريّ أخًا له من المهاجرين، واستبقى عليًّا بْن أبي طالب أخًا خاصًّا به[8]. فهو ضروري «حتى يتقوى به ويستوزره في أموره، ويعتضد برأيه، مشاركا، معاونا له في اكتساب كمالاته، معللا طلبه بقوله:﴿( كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً)﴾ أي: بالتجريد عن صفات النفس وهيئاتها ﴿(وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً)﴾ باكتساب المعارف والحقائق والحضور في المكاشفات ومقام تجليات الصفات ﴿(إِنَّكَ كُنتَ بِنَا )﴾ أي: باستعدادنا لقبول الكمال وأهليتنا له ﴿(بَصِيراً)﴾ فأعنا واجعلنا متعاونين على ما ترى منا وتريد»[9].

– ﴿ يَا بَني إِسرائيلَ قَد أَنجَيناكُم مِن عَدُوِّكُم وَواعَدناكُم جانِبَ الطّورِ الأَيمَنَ وَنَزَّلنا عَلَيكُمُ المَنَّ وَالسَّلوى﴾ (طه، الآية 80):

يا بَنِي «عَبدِ اللهِ» (بني محمد رسول الله أعبد العباد العابدين بالبُنوّة التربوية والسلوكية/السَّيْرية) قد نجيناكم من عدوّكم القرشي (بالهجرة، وفي بدر وفي أحد…)، ونجيناكم من عدّوكم اليهودي (بنو قريظة، خيبر)، ونجيناكم من عدوكم الأعرابي (يوم حنين رغم غروركم!)، ثم نجيناكم من أخطر عدو عربي: العدو المركّب مِن تحالف الأعداء (معركة الأحزاب)، ثم مِن أخطر عَدُوّ عالمي: الدولة الساسانية والدولة البيزنطية… ثم طلبنا منكم أن تُكملوا تلك النجاة وأن تتموها بمواعدة طُورِ النبي(ص) الأيمن لكي تحصلوا على الأمْن الأبدي. فـ﴿وَواعَدناكُم﴾ أي حَضرْنا مواعدَتكم «الطُّورَ الأيْمنَ» لرسول الله (ص)، وهو «الجبل» الأعظم الذي بناه الرسول، والذي يتحدث عن نفسه بقوله: «ينحدر عني السيل، ولا يرقى إليّ الطير»… فللرسول(ص)، أكثر من طُور، ولكنّ طُورَه الأيمن هو علي بن أبي طالب، جعله على يمينه، ورفع بيُمناه المقدّسة يد ذلك الطُّور المقدّسة. أمَّا طُورُهُ الأيْسر فهو الإمام المهدي (ع).

هنالك قال رسول الله (ص): «من كنت مولاه، فهذا عليّ مولاه.. اللهم انصر من نصره واخذل من خذله!».

هنالك، كان جميع المسلمين، الذين كانوا في الحج، مبتهجين: ﴿ وَنَزَّلنا عَلَيكُمُ المَنَّ وَالسَّلوى﴾، مَننَّا عليكم باستمرار الولاية المحمدية إلى الأبدية، وسلّيْناكم على حجم جهاد الشرّ العالمي بوجود «طُورٍ» يَحمِي حِماكم،ويكمل الوظائف النبوية بعد وفاته الظاهرية، حتى قلتم: «بخ بخ! لقد أصبحتَ يا أبا الحسن مولَى كلّ مؤمن ومؤمنة!» [10].

2_  مَنْ هو طُورُ الكتاب المسطور؟

﴿ الْكِتَاب المَسْطُور ﴾، سطّرَتْهُ الملائكة بناءً على وحي إلهي. وليس القرآن الكريم. وقد جاء في سورة القلم: ﴿نُون وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾ (القلم،1): إنه كتابٌ سنُبْصِرُهُ بعد زمان طويل من تنزيل القرآن الكريم: ﴿نُون وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ[ ما تُسطِّره أنامل السيدة البتول](…)فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ ﴿﴾ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ﴾ (القلم، 5 و6). إنه كتاب سطرتْه السيدة فاطمة(ع)، بإملاء من الملائكة. «إنه مُصحف فاطمة»[11]. وهو مصحف تناوَل الأدوار التاريخية لكل إمامٍ من الأئمة الإثني عشر، ووظائف مأموميهم ضمن وحدة الهدف المتمحور حول سماء النبوة المحمدية.

إنه مصحف موضوع في ﴿رَقٍّ﴾، كما سطَّرتْهُ الزهراء(ع). وسيتلوه الإمام المتربِّصُ(المنتظِر/المنتَظَر) على كل العالم، عبْر ﴿السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ﴾، مِنْ فوق﴿الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ﴾ بمكّة المكرّمة، في بيانه عدد1، وهو الذي يلخص دعوته العالمية السمحاء السِّلْمِية. وذلك ما جعل الله تعالى بسورة الطّور يؤكد تفاهة تحقير الجاحدين للأنثوية مطلقا، وتفاهة تحقير بعض المسلمين بعد وفاة الرسول للوظيفة الفاطمية مَعاشيًّا ودينيّا، فأغضبوها: ﴿أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ؟!﴾ (الطور، 39). فكانت كتابتهم لكيد تاريخي ضد العقل المحمدي العَدْلي الحكيم: ﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ﴾ (الطور، 42). وتلك الكتابة مازالت مستمرة مع الدوائر الاستخبارية الإمبريالية.

وبهذا الصوت فوق ﴿الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ﴾، عَبْر﴿السَّقْفِ [ السماوي]الْمَرْفُوعِ﴾، أعلى سَقْفٍ للسماء المحمدية(السقف المهدوي)، ينتقل الوجود الصحيفي_الفاطمي من إغْطاش ﴿اللَّيْل﴾ (= «الابن») إلى «خروج» الضحى: ﴿ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا [12] وَأَخْرَجَ ضُحَىٰهَا﴾(النازعات، الآية 29). و«إغطاش» «ليلِ» رسولِ الله(ص) هو غيبته الكبرى فوق سحاب البشرية المختلطة.

تتناول سورة النازعات السماء النبوية و«ليلها» (=ابنها)، الذي سيجعل ظهورُه الأرضَ ﴿بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا [نزع[13] كل ما كان يسيء إليها]: أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا، وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا[ في كل الأمم والأقاليم]، مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ (النازعات، الآيات 30،31،32،33).

ذلك أنه ﴿ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا [غيبَ الابن الأخير للسماء النبوية مدة طويلة جدّا] وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا  [أظهر رحمتها الإلهية الناصعة الواضحة وضوح الضحى]﴾ (سورة النازعات، الآية 29). فيصبح «الرّق» الفاطمي «منشورًا» بَعْد أن كان «مُغْطَشًا»: ﴿وَالطُّورِ. وَكتَابٍ مَّسْطُورٍ. فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ. وَ[عند] الْبَيْتِ الْمَعْمُور. و[عند] السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ﴾ (الطور، من الآية 1 إلى الآية4).

لا يمكننا أن نفهم ماهية «طُور» سورة الطور، مِنْ بَيْن «الأطوار» التي صنعها الله تعالى على عنايته، إلا إذا ربطناه بالكتاب «المسطور» لذلك الطور، مخطوطا على ﴿رَقٍّ﴾ كان «مُغْطشًا» ثم أصبح «مَنشورًا» لجميع العالمين وبكل اللغات، دون استثناء لغوي أو قومي؛ وبـ﴿السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ﴾، سقف السماء (الأنطولوجية والمادية) الذي سيُبث عَبْرَهُ البيانُ المَهْدوي/ الطُّوري عدد1.

تحدد سورة النور نسب الإمام الطُّور(ع) ووظيفته المحمدية النورانية:﴿مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشكَوٰة فِيهَا مِصبَاحٌ. ٱلمِصبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ. ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوكَب دُرِّيّ[«المهدي رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدري»[14]يُوقَدُ[يُتولَّد] مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَة[الشجرة النبوية_العلوية]، زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ[«إنا أهل بيت لا يقاس بنا أحد»[15]]، يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ. نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ[ إمام يتلو إماما]. يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ. وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ. وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ﴾.«وخصت بالزيتونة لكون مدركاتها جزئية مقارنة لنوء اللواحق المادية كالزيتون، فإنه ليس كله لبا، ولوفور قلة استعدادها للاشتعال والاستضاءة بنور نار العقل الفعال، الواصل إليها بواسطة الروح والقلب كوفور الدُّهنية القابلة لاشتعال الزيتون»[16].

3_ مَوْر السماء المحمدية:

السماء المحمدية هي الفَلَك العرفاني_التاريخي دائرة كهيئة خلق الله تعالى آدم (ع) لإحياء الإنسان

   آنئذ ﴿ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا ﴾ (الطور، 9)، أي تضطرم السماء المحمدية، بما هي شريعة وحِكمة، اضطرامًا فتتجلى في ضحاها : «(…) ويُحيي ميت الكتاب والسنة»، «كأني بدينكم هذا لا يزال موَلّيًا (…) ثم لا يرده عليكم إلا رجل من أهل البيت (…) وتؤتون الحِكمة في زمانه حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسوله»؛ «العلم سبعة وعشرون حرفا (…) لم يعرف الناس غير الحَرْفَين. فإذا كان قائمنا، أخرج الخمسة والعشرين حرفا»[17]. إنه يملأ الأرض عدلا وقسطا، كما ملئت جورا وظلما، مكرسا الهدف المركزي من بعث الأنبياء: ﴿لَقَد أَرسَلنَا رُسُلَنَا بِٱلبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلنَا مَعَهُمُ ٱلكِتَٰبَ وَٱلمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلقِسطِ. وَأَنزَلنَا ٱلحَدِيدَ فِيهِ بَأس شَدِيد وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ[تطوير التِّقانة الصالحة إلى الحد الأقصى لنفع الناس لا للإضرار بهم وبالبيئة]. وَلِيَعلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُ[وهو الطُّور الخاتم وبحره المسجور وجباله وأنصاره].

لقد طال الاعتداء الطغياني على البيئة وأصولها، إلى حدّ «انقراض» الكثير من الأنواع وتهديد صحة الإنسان: ﴿ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ [أي دون احترام للمواسم التكاثريّة ولا للشروط البيئية] وَلَا يَسْتَثْنُونَ [لا يستثنون صغار الحيوان ووالدته…]﴾ (القلم، 17 و18)، إلى حدّ ﴿ الصَّرِيمِ ﴾، أي «الانقراض». ولكنه في الحقيقة ﴿ كَالصَّرِيمِ ﴾ وليس «صريمًا» بأتم معنى الكلمة، فالله تعالى، الخالق، المحيي، لن يترك الإنسان يقتل ما فرضهُ حياةً: ﴿ أَفَحَسِبتُم أَنَّمَا خَلَقنَٰكُم عَبَثًا﴾( المؤمنون، الآية 115)،﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ﴾ (يوسف، الآية 21).

ذلك لأن الذكاء الإنساني-المهدوي يقْدِرُ على اكتشاف ﴿خَزَائِنُ رَبِّكَ﴾، فيعيد إنتاج تلك الأنواع. ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ[صاحب العقل فيهم] أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ﴾ (القلم، 28). فـ«الأوسطية» هي التي تجعلنا نُفَعِّل هذا الأمر الإلهي: ﴿ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٰكُمْ وَلَا تَطْغَوْاْ فِيهِ﴾ (طه، 81)، أي أن نعيد التوازن البيئي، بل أن نعيد ما انقرض _ظاهرا_ من الأنواع. فالانقراض بالمعنى الكامل(«الصَّريم») مفنَّد في القرآن الكريم.

اذا كان يوم الفصل المهدوي وأتَيْنا ﴿أَفْوَاجاً﴾ (النبأ، الآية 18/ سورة النصر، الآية 2) نبايع الإمام الطُّور(ع)، سَتُشْرَعُ السماء النبوية (﴿وَفُتِّحَتِ[18] السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا ﴾)، أبواباً غير متناهية في التفوق المعرفي والإيماني والتقاني والحضاري والعدلي والسعادي… آنئذ يصبح «السراج»[19] (ص) ( الأحزاب، 46) ﴿ سِرَاجًا وَهَّاجًا﴾ لا ﴿مُّنِيرًا  ﴾ فحسب، وآنئذ تصبح الأرض﴿مِهَادًا﴾ (النبأ، الآية 6) لقيم ﴿النَّبَإِ الْعَظِيمِ [الإمام علي(ع)] [20]﴾ (النبأ، 2) وتصبح بيئة خالية من كل اختلال معطية كل خيرها:﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا﴾(النبأ، الآيات 14،15،16).

     تشير سورة النازعات إلى أن الحسم مع الشر العالمي سيكون بباب الساهرة ببيت المقدس: ﴿فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى [الموسى الأحدث سيدنا المهدي (ع)]  اذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى[وادي ذو طوى بمكة]﴾(النازعات، 14،15،16) [21]. وقد جاء بدعاء الندبة: « لَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ اسْتَقَرَّتْ بِكَ النَّوَى ، بَلْ أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّكَ أَوْ ثَرَى ، أَ بِرَضْوَى أَمْ غَيْرِهَا أَمْ ذِي طُوًى!».

4_ البحر المسجور يعاضد الجهاد المهدوي:

   ينبغي قرن «الطُّور»(ع) بـ﴿البَحْرِ الْمَسْجُور﴾. و«البحر» هو العالم الكبير، والكريم الأوْسع. وهو «مسجور» إذ هو مضطَرم علما وجهادًا. وهو ﴿ البَحْرِ ﴾ عيسى بن مريم (ع)، وزير سيدنا المهدي. قال رسول الله (ص): «يلتفت المهدي(ع) وقد نزل عيسى بن مريم(ع) كأنما يقطر من شعره الماء، فيقول المهدي(ع): تقدم صل بالناس، فيقول عيسى(ع): إنما أقيمت الصلاة لك، فيصلي خلف رجل من ولدي، فإذا صُلِّيت قام عيسى(ع) حتى جلس في المقام فبايعه»[22].

إن ﴿البَحْر الْمَسْجُور﴾ هو اليَد اليمنى للإمام المهدي(ع) في جهاد آخر قلاع الروم في «الرَّمْلة»[23]، في إشارة إلى تل أبيب التي تبعد عن الرّملة حوالي 20 كيلومترا: « فيحلون ببيت المقدس وعيسى والمسلمون بالطور فيبعث عيسى طليعة يشرفون على بيت المقدس(…) فيبعث الله عز وجل عليهم مطرا وابلا أربعين صباحا فيغرقهم في البحر(…)، فيرجع عيسى إلى بيت المقدس والمسلمون بالطور[=مع المهدي]. فعند ذلك يظهر الدخان(…) يُسمع له ثلاث صيحات ، ودخان يملأ ما بين المشرق والمغرب»[24].

 وتشير سورة الدخان إلى فتح بيت المقدس الثاني[25] حوالي ليلة القدر مع الإمام المهدي(ع) وبحره المسجور عيسى بن مريم(ع): ﴿حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ[سيدَنا المهدي(ع)] إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[بدعائك ودعاء المؤمنين بتعجيل ظهوره]  (6) رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ[يحيي الإنسانيةَ وفطرتها بعد موتها الطويل] رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ[ محمد ونوح وإبراهيم] (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [ للصهاينة والإمبرياليين وأتباعهم]  (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12).

5_ الجبال وسيرها وسلوكها:

  ينبغي أن نربط هذا ﴿ الطُّورِ﴾ بـ﴿ الْجِبَال﴾ التي ﴿تَسِير﴾ ﴿ سَيْرًا ﴾ (الطور، 10)  و﴿سُيِّرَت﴾ في الآن نفسه (النبأ، 20). فما هي علاقة ﴿ الطُّورِ ﴾/ الجبل الأعظم بـ﴿ الْجِبَال﴾؟!

«الجبل» هو «الفتى المشهود له بالقوّة والصّبر»[26]. هو في الاصطلاح العرفاني «الغَوْث» أي الوليّ المساند للإمام المهدي (ع)، المُمَهّد لسلطان عَدْله وقسطه، «وَتَدًا» بإقليم من أقاليم العالَم (أبو مدين الغوث، أبو الحسن الشاذلي، عبد القادر الجيلاني، محيي الدين بن عربي،أحمد التجاني، روح الله الموسوي، أحمَدُ بَمْبَ…).و«نَصْبُ» الجبال (سورة الغاشية، الآية 17) في السماء المحمدية ليس ﴿بِدْعا﴾، فقد اتخذها ابراهيم بن تارح (البقرة، الآية 260)، جاعلا رؤوسها الطَّيْرية إعادة خلق لها، وداود: ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ . وَكُنَّا فَاعِلِينَ(الأنبياء، الآية 79). ففاعلية الطُّور(ع) لا تكون إلا بنصْب الجبال(رض) وسيرهم.

ويتميز الجبل ب«السير» تأسّيا بالرسول والإمام بحثا عن الخشوع لله تعالى ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ عَلَىٰ جَبَلٍ. لَّرَأَيْتَهُۥ خَٰشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ ﴾ (سورة الحشر، الآية21) ﴿ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض[ظهر على الدين كله بكل أقاليم الأرض] ﴾ (الرعد، الآية13) ولذلك علينا أن نعيد تنزيل القرآن الكريم علينا لكي نكون محمديين «سائرين» إلى الطُّور الخاتم (ع). فالنزول الدفعي إنما هو للنبي، أما التنزيل ﴿عَلَىٰ مُكْثٍ﴾، التدريجي، فهو لنا. وقد كان آيات آيات أو مقطعا مقطعا مع معاصري الرسول (ص)، فلما كانت سنوات جَمْعِه وقرآنه (السنوات الثلاث الأخيرة من عمره الشريف) أصبح تنزيله معنا سورةً سورةً أو موضوعًا موضوعًا: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِفَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾.

 ولسيدنا المهدي (ع) 313 «جبَلاً»، «عِدَّةَ أهل بَدْر»: «يُبايِع القائمَ بين الركن والمقام[بالبلد الأمين] ثلاثمائة ونيف، عدة أهل بدر. فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق. فيقيم ما شاء الله أن يقيم»، «ذاك يخرج في آخر الزمان (…)، فيجمع الله تعالى له قوما قزع كقزع السحاب، يؤلف الله بين قلوبهم، لا يستوحشون إلى أحد (…)، على عدة أصحاب بدر. لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخِرون، وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر»[27]، لكي يَسيرُوا ضِمْن سَوْق طُوريّ، عالَمي، واحد، متناسق يجمع كل الشعوب والأمم. لقد جعلهم الله تعالى ﴿أَوْتَادًا﴾ (النبأ، الآية7) ليوطد سلطان العقل المهدوي المحمدي في كل شعوب الأرض وأقاليمها.

﴿الْجِبَالُ﴾، يَسْتزِلون القرآن الكريم مُوجّهاتٍ لسلوكهم، خشوعًا وكَدْحًا: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ (سورة الحشر، 21). إنّهم «يسيرون» إلى مكة المكرّمة عشية نَشْر الكتاب الطُّوري، ثم يُسَيّرُهُم باتجاه كل أقاليم العالَم من أجل قيامته العالمية الكبرى. قال الصادق (ع): انهم سيكونون «السائرين في ليلهم ونهارهم إلى مكة. وذلك عند سماع الصوت»، ليكونوا«القضاة على الناس»[28].

إن هؤلاء ﴿الْجِبَال﴾ يطلبون السّيْر التَّخْلَوي والتَّحْلَوي والتَّجْلَوِي على أيْدِي مربّيهم، «الطُّور» الخاتم. إنهم «يَسِيرُون» إليه بإرادتهم، وهي إرادة قلب واحد، فهم واحد (= نفس واحدة)، ولذلك: ﴿ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ﴾ (الطور، 10). وهي أيضا ﴿سُيِّرَت﴾ (النبأ، 20) لأنها بإرادة الله تعالى وخليفته(ع) «تُسَّير» إذ استسلمت لحبه.

و«السَّيْرُ» هو مصطلح أخلاقي- عرفاني بمعنى السلوك الكدْحي إلى الله تعالى، لكي «تَسير» بالعالَمين من أقالِيمهم وشعوبهم نحو العَدْل والقسط مستنيرين بالدليل الشرعي، بعد مؤتمرهم التاريخي مع الطّور (ع) بمكة المكرّمة. إنهم الغاية في الفناء بالذات الإلهية والذوبان في عشق «الطُّور» (ع ) وفي خدمة الإنسانية الى حد السرابية في اكتمال سيرهم: ﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ﴾ (النبأ، الآية 20). فهم ﴿خاشعون﴾ مع الله تعالى: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ عَلَىٰ جَبَلٍ. لَّرَأَيْتَهُۥ خَٰشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ ﴾، وكانوا ﴿سَرَابًا ﴾ مع الناس، تواضعا وخدمة: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً[ من التواضع والخشوع ] وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ [المثقل بالمطر المحيي للانسان]﴾ (النمل، الآية 88).

6_ «تربّص» الطُّوريين:

«التربُّص» لغةً هو «الانتظار». وهو في الاصطلاح القرآني تربصان: تربُّص خيري، وتربُّص شرّي. والتربُّص الخيري في المَقولة القرآنية هو الانتظار السَّوْقي، ﴿عَلَى بَصِيرَةٍ﴾، و«على جُهد» و«على أمْر مُجْمَع»، وبمراكمة للقدرة، من أجل ظهور العدل: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ (الحديد، الآية 25). إن التربُّص الشرّيّ، إنما مقصده النهائي هو القضاء على المحمدية: ﴿ فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ ﴿﴾ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ﴿﴾ قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِين﴾ (الطُور، الآيات 29، 30 و31).

كما أنّ «التربُّص» الخيري، رأسُهُ محمد (ص)، و«طُورُه» الخَاتَم (خليفته الأخير، الدائم). فلن يتحقق تسبيح الله تعالى وحده بالأرض ﴿إذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴿﴾ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ﴿﴾ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ (سورة النصر)، إلاّ ﴿بِالْلَّيْلِ﴾، أي بالابْن[29]، الذي يَظْهر ﴿و[30] إِدْبَارَ النُّجُومِ ﴾ (الآية الأخيرة من سورة الطور). و«الإدْبار» هو «الاختتام»؛ أما «النُّجُوم» فهو الطلوع، أي آخر طلوع للإمامات المحمدية: سيدنا محمد بن الحسن (عليهما السلام). فالمهدي (ع) هو من النبي محمد (ص)؛ وكذلك النبي محمد (ص) هو من المهدي (ع)، لأنه يُعيد الشريعة المحمدية- كما كانت- دون تحريف فَهْميٍّ أو مِقصّ أو طمس، ولأنه يحقق فيه وعْد الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ (سورة الصف، الآية 9).

ولذلك كان رسول الله(ص) لمّا يُصْبحُ ﴿مِنَ الْلَّيْلِ﴾ ناجزا، يردّدُ: ﴿إذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴿﴾ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ﴿﴾ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ (سورة النصر).

هكذا نعيد قراءة الآية الأخيرة من سُورة الطُّور الأخير: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ﴾.

إنّ كل كتابٍ يَدْرُسه «الكافرون» (أي الجاحدون للحقيقة التي يعرفونها) بمراكزهم الاستراتيجية الإمبريالية من أجل التربُّص بالطُّور الأخير والطُّوريّين، مآلُهُ الهُوِيُّ في «المكان السحيق»: ﴿تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ (سورة الحج، الآية 31)،﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ. وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ (الأنفال، الآية 30).

إن «قول» الاستكبار وأتباعه بأنهم ﴿قَوْمِ﴾ (الطور، 32)، محدود في العَصَبية الطاغية و بالزمان والمكان. أمّا قول الرسول محمد (ص) فهو:﴿ لِلْعَالَمِينَ﴾ (سورة القلم، الآية الأخيرة). ولذلك سيتنادى المؤمنون المختلفون ليكونوا إسلاما واحدا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (سورة البقرة، الآية 62)، من كل القارّات ومن كل الأديان، ومن كل الأقوام، ضد كل ﴿ طَاغِينَ﴾ (القلم، 31)، ﴿ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ[من كل الناس]﴾(آل عمران، الآية21).

وإن تربُّص الرسول محمد (ص) وتربص«الطُّور» /﴿النَّبَإِ﴾ (سورة النبأ، الآية2)، وتربص«الطُّوريين» بقيادة «الجِبال» «السائرة» /«المُسَيَّرة» (الطور، الآية 10 والنبأ الآية20)، يتطلب ﴿ صَبْرًا جَمِيلًا﴾، أي صَبْرًا يبْقى أمامَهُ صَبْر نوح (950 سنة) دون ذلك الصبر. ولذلك كان «الطُّور الخاتم » إسمه: «طُور السنين الطويلة جدا»: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ[31] (التين، الآيتان1و2). و«التين» هو «المعاني الكلية المنتزعة عن الجزئيات التي هي مدركات القلب، شبهها بالتين لكونها غير مادية معقولة صرفة مطابقة لجزئياتها مقوية للنفس لذيذة كالتين الذي لا نوى له بل هو لب كله مشتمل على حبات كالجزئيات التي هي في ضمن الكليات، مسمن للبدن فيه غذائية وتفكه»[32]. وتبشرنا سورة التين بانطلاق «الطُّور الخاتم» من ﴿هَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ لتجاوز سنين التسافل الأقصى﴿أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾ وقيادته عودة الإنسان لـ﴿أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾.

 ودون ذلك «الصبر الجميل» سيبقى طغيان «الطاغين» (الطور، 32) في بَطْن «الحُوتِيّة»[33] ﴿ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ (الصافات، 144):﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [من العين الأوّل إلى العين الحادي عشر] وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُوم [قيامتك حتى وفاتك الظاهرة] (48) وَمِنَ اللَّيْلِ  [الابن الأخير، العين الثاني عشر]  فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ [زمن آخر طلوع لآخر عَيْن/ زَمَن انتظار الظهور/ انتصار طلوع اللّيل الأخير](49)﴾ (سورة الطور).

7_ الصعقة:

إنّ لحظة ﴿النُّجُومَ﴾ (= الظهور، الطلوع) هي لحظة «الصعقة»: ﴿ فَذَرْهُمْ [= فتربَصْ بهم] حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45)  يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ [الذي دام قرونًا في كل العالَم] شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (46)﴾ (الطور). فعذابهم على أيدي «الطور» و«جباله» و«الطُّوريين»، بالعذاب الذي أوقعوه بالمستضعفين قرونًا، في الدنيا والآخرة ﴿ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ﴾ (الطور، 47).

و«الصَّعْقة» (الطور، 46)، إنما هي بلغة الحديث النبوي «الصيحة». وهي «الصيحة» التي يسمعها كل ﴿العَالَمِين﴾ في كل أمم الأرض، مِن ﴿السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ﴾ انطلاقا من ﴿الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ﴾، فتفهمها كل أمّة بلسانها، فتكون رحمة للعالمين المستضعفين، وعذابًا للظالمين الاستكباريين وأتباعهم: «إذا كانت ليلة النصف من رمضان ليلة جمعة يكون صوت من السماء، يُصَعَق له سبعون ألفا (…) وآخره فَرَجٌ على أمتي، الراحِلة في ذلك الزمان، بقتبها ينجو عليها المؤمن»[34].

وبذلك يكون سقوط التربّص الاستكباري بالمحمدية: ﴿ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ﴾ (الطور، 42). فهذا التربّص ليس قائما على عقل وإنما على «أحلام» وهمية: ﴿ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ (الطور، 32).

8_ تقاطع سورتي الطّور والقلم: صراع الطّور مع المُسْتَصْرِمين للجنة الأرضية:

 

          ﴿نُون وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ (القلم، 1) / ﴿ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ﴾ (الطور،2)

     تتقاطع سورة الطُور وسورة القلم مفسّرَتَيْن بعضيهما. تتناول سورة الطور ﴿السَّيْطرة﴾ أي الهيمنة الشَّرِّيّة: ﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾ (الطور، 37)، وتأتي سورة القلم لشرح ذلك.

فظاهرًا، نلاحظ أن الاستكبار وأتْبَاعهُ ﴿مُصَيْطِرُونَ﴾. والله تعالى يذمّ «السيطرة»، ويربّي رسوله (والمؤمنين) بتجنب «السيطرة»: ﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ (الغاشية، 22).

وتتطلب «السيطرة» احتكار ﴿الجَنَّة﴾ الأرضية كلها ( كما مع الاستكبار الرومي- الأمريكي)، أو جزءًا في قُطْر أو إقليم، بـ«تقسيم» ملكيته بين «المسيطرين» وتَبَعهم. ولكنْ هيهات، فالمسيطر الحقيقي، والمقسّم الحقيقي هو الله، ولَنْ يَصْلُوا إلى ﴿ خَزَائِنُ رَبِّكَ ﴾، أي إلى أصول النباتات والمعادن والحيوان، والحياة عموما.

يقوم الاستكبار على «التربّص»، أي الانتظار السَّوْقي من أجل «السَّيْطرة»: ﴿ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا ﴾ (القلم، 17)؛ و﴿ غَدَوْا عَلَى حَرْدٍ ﴾ (القلم، 21)، أي «على جُهْدٍ» و«وعلى أمْر مَجْمَع»[35]، ﴿ قَادِرِينَ﴾، أي بمراكمة  للقدرة العسكرية والمَعَاشية والإعلامية والمدرسية والتحكمية في الصحة والبيئة.

وهو يقوم على «الدُّولة»[36]: ﴿ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا [أي ليستغلونها]مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ ﴾ (القلم، الآيتان17،18)، دون استثناء للمسنين والمرضى والمحتاجين والمُفْقَرين؛ ﴿ أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ ﴾ (القلم، 24). وكانوا بذلك ﴿طَاغِينَ ﴾ (القلم، 31)، فهم ﴿ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ (القلم، 32).

تحذر سورتا الطور والقلم «الطاغين»: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ (الطور، 11)/ وعليه ﴿فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ﴾ (القلم، 8).

أصحاب الجنة ﴿أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾. لكنْ الأهم أنه لن ينجح مشروع ﴿الصَّرِيم﴾، (القلم، 17)، ﴿عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا [مع الطّور] إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾ (القلم، 32). فسيبدِّلنا الله تعالىما أفضل ممّا انقرض.

سورة الطُور سورة القلم
﴿ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ ﴾ (1) ﴿ نُون وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ (1)
﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِن دَافِعٍ (8)

﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ﴾ (47)

﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (33)
﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ (11)  ﴿فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ﴾ (8)
﴿ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ﴾ (15) ﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ﴾ (5)
﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ﴾ (25) ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ﴾ (30)
﴿فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ﴾ (29) ﴿مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ (2)

﴿وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ (51)

﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ ﴾ (40)

[دينهم ثقيل من عدم مودة القربى]

﴿ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ  ﴾ (3) [كان ينبغي عليهم أداءُ أجْر المودة في قربى البتول والأولياء الإثني عشر]
﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾ (48) ﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾ (48)
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ ﴾ (17) ﴿ إنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ (34)
﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾ (48) ﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ﴾  (28) + تسبيح صاحب الحوت [﴿نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ ﴾ (49)]
﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾ (37) ﴿ إذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ﴾ (17+ 18)
﴿أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾  (32) ﴿يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ﴾ (31)

 

9- تقاطع سورة الطّور مع سرة هود: «الفُلْك» و«الجُودِيّ» :

 

سورة الطُور سورة هُود
﴿وَالطُّورِ ﴾ (1) ﴿ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾ (44)

 

﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ﴾ (40) ﴿  لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ﴾ (29)
﴿وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10) ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ﴾ (42)
﴿  وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾(48) ﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ﴾ (37)

﴿فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ (49)

﴿الْفُلْكَ﴾ في تأويل الأحاديث القرآنية هي سفينة أهل البيت(ع). جاء في الحديث النبوي: «مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك»[37] قال سيدنا ابن عربي:« ﴿وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون﴾ وهو سفينة نوح(…)﴿وخلقنا لهم من مثله﴾ أي: مثل سفينة نوح وهي السفينة المحمدية ﴿ما يركبون﴾»[38].

هذا الفُلْك السماوي، سيُصْنَعُ، بل سيُعَاد صُنْعُهُ دائما، ﴿ بِأَعْيُنِنَا﴾، «عينًا» بَعْد «عَيْن»، سيّدا بعد سيّد، ليكونوا إثني عشر «عينًا»[39]: ﴿ وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ. فَقُلْنَا: اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ. فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ (البقرة، 6). إنهم ﴿غِلْمَانٌ﴾ سورة الطّور (الآية 24) يطوفون حول النبي وحول الإنسانية: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ﴾(الإنسان، الآية 19) [40].

كان الملأ في كل عَصْرِ إغْطاشِ«اللّيل» (= ابن رسول الله (ص)، كُلَّمَا مرُوا على أطروحة «الطُّورية»/المهدوية ﴿ سَخِرُواْ ﴾ (هود، 38)، ولا يرون شمس «الطُّور» فوق «السحاب»، إذ يرون إلا «السحاب»: ﴿  وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاء [الفَلَك المحمّدي]سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ ﴾ (الطور، 44).

إن إخْرَاج «ضُحى» «اللّيل» المحمدي، يتطلب صَبْرًا طويلاً جدًّا، حتى إتمام «الأعْيُن» الاثني عشر، حتى «إدْبَار» آخر نُجُومٍ (آخر عصر الظهور): ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا[فإنك ستستمر في الأعيان الإثني عشر]. وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴿﴾ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ﴾ (الطور، الآيتان 48 و49)/ ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ [يا محمد- أكثر من 950 سنة لأنك أفضل من نوح]بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ﴾ (هود، 37).

إنّ ﴿اللَّيْل﴾ عليه السلام هو مِن النبي (ص)، والنبيّ في الآن نفسه هو مِن ﴿اللَّيْل﴾ لأنه سيُحيي دينَهُ ومِلّتَهُ العَدْلية- القِسطية: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ﴾ (الطور، 49). فهو آخِر «غِلْمان» النبي (ص).

   و«فُلْكُ» ذلك «اللَّيْل» لن تَجْرِي إلا إذا اكتملت عدة «الجبال»، كعِدَّة أهل بدر: ﴿ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا﴾ (الطور، 10)، ليصبحوا موجًا واحدًا، لا تعدّدًا من الجبال: ﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ﴾ (هود، 42)، موجا يُغرِقُ كل الشرّ والجور البشريين. فَسيْر هؤلاء الجبال يقتضي منهم الفناء في ﴿الطُّورِ﴾، والفناء في الوحدة، وفي الإنسانية حتى السرابية.

وهكذا: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا. لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ. وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (سورة الأنعام، الآية115). و«الكلمة» هي «المخلّص»:﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ﴾(النساء، الآية171). وهي الشجرة النبوية:﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾(إبراهيم، الآية24). فالشجرة النبوية_العلوية كلمة تخرج كلماتٍ، واحدة تتلو أخرى، أصلها ثابت في الأصول القرآنية وفرعها في مَوْر النبوة وبوحها بكل بركاتها عندما تتم تلك «الكلمة» بالظهور الطُّوري ﴿صِدْقًا﴾ (= صبر المهدي عليه السلام قرونا)، و﴿عَدْلًا﴾ إذ تتم كل تجليات العدل البشري في الأرض. و«الثُّبوت» هو الترسخ النفسي والسَّيْري في القول القرآني: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ﴾ (إبراهيم، الآية 27)، ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ. وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ[بالنص القرآني] وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (هود، الآية120).

بهذا «الإتمام» لكلمة الشجرة النبوية الطيبة تستوي الأرض/ الإنسانية على ﴿الطُّورِ﴾، أيْ على قِيم المشروع الطُّورِيّ العَدْلي- القسطي الطُّهُوري: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ [بالمَنْ على الذين استضعفوا بالوراثة وإظهار المحمدية على الدين كله]. وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾ (هود، 44). فاستواؤها على ﴿الطُّورِ﴾، إنما يعني: ﴿بُعْداً [نهائيا، دون رجعة] لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (هود، 44).

فـ«الجُودِيُّ» عليه السلام، يملأ بجُوده البشريّة: «يَحثي المالَ حثْيًا ، ولا يَعُدُّه عدًّا»[41]، «تَنْعُمُ أُمَّتي فِي زَمَنِ المَهْديِّ نِعْمَةً لَمْ يَنْعَمُوا مِثْلَهَا قَطُّ: تُرْسَلُ السَّماءُ عَلَيْهِمْ مِدْراراً، وَلا تُزْرَعُ الأرْضُ شَيْئاً مِنَ النباتِ إلّا أَخرَجَتْهُ، وَالمَالُ كُدُوسٌ، يَقُومُ الرجُلُ فَيَقُولُ: يا مَهْديُّ أعْطِنِي، فَيَقُولُ: خُذ»[42]؛ و«ويؤتى بملوك الروم[سلطات الغرب الإمبريالي] مصفدين في الحديد. ولا يدع يهوديا ولا نصرانيا، ولا يوجب لهم ذمة، ويرد الناس جميعا على ملة إبراهيم ومحمد عليهما السلام»[43]. و«ينزل خليفة من بني هاشم بيت المقدس يملأ الأرض عدلا، يبني بيت المقدس بناءً لم يُبْنَ مثله»[44].
10_ سورة التين تلخص سورة الطور:
وظيفة السورة القصيرة تلخيص سورة طويلة أو متوسطة أو بعضها تلخيصا إبداعيا.
﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [في فطرة على الاسلام والعقل والعدل] (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ [باستشراء شره وجوره] (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [في الدنيا بتحفيف العدل الإنساني الأكمل والدائم وفي الآخرة بالجزاء الأوفى](6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ(8) ﴾.
خاتمة:
من غير المعقول أن لا يتناول القرآن الكريم «نبأً» عظيمًا، هو القائد الأخير للخلاص البشري. إنه «طُورٌ» يجعل البشرية لا تَمِيدُ، فإذا استَوتْ عليه، رجعت الجنّة الأرضية مليئة خيرًا غير «مجذوذ».

﴿ وَالطُّورِ ﴿١ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ ﴿٢ فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ ﴿٣ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ﴿٤ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ﴿٥ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ﴿٦ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ﴿٧ مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ ﴿٨ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا ﴿٩ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ﴿١٠

أُقْسِم بـ«الطُّور» الذي له «كتابٌ مسطور» ( خارطة طريق سطّرتها السيدة فاطمة(ع) في مصحفها التاريخي/ بيان للناس سطّره رسول الله (ص) مِنْ قَبْلُ). وكانت خارطة الطريق تلك ﴿ فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ ﴾ للعالمين جميعا؛ يقرؤه بـ﴿الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ﴾، ليسمعه الجميع عَبْرَ ﴿ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ﴾ بالفضاء الخارجي، بمساعدة ﴿ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ﴾ سيدنا المسيح (ع). و«البَحْرُ» هو «العَالِمُ العظيم»[45]، فلا أعْلَم يومئذ مِن عيسى بن مريم (ع) بعد «الطُّور الأيسر» للرسول(ص).

 آنئذ ﴿ تَمُورُ السَّمَاءُ ﴾ النبوية ﴿ مَوْرًا ﴾ بإتمام ظهور الدين والعقل والعدل، ﴿ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ﴾ باتجاه تحرير كل العالَم، من كل الظلم والجَوْر، ليدُعُّوا بإذن الله الجائرين جميعًا بما ﴿ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ (الطور، الآية 32) إلى ﴿ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ﴾.

إن رسول الله(ص) وأهل بيته عليهم السلام منتظِرون للناس بقدر ماهم منتظَرون:﴿ فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ﴾.

ورغم انقراض عديد الأنواع النباتية والحيوانية، يفتح ﴿الطُّورِ﴾ ﴿خَزَائِن رَبِّكَ﴾ (الآية37)، ليعيد إنتاجها من جديد ويُنهي عصر ﴿الْمُصَيْطِرُونَ﴾ (الآية37) إلى الأبد، ليبدأ عصر العدل الإنساني الطويل.

فَعَبْر﴿الصْعَقَة﴾ (الآية 45)، صَعقة الظالمين جميعا، في الظهور المهدوي، يتبدّى المقام المحمدي الذي يهيمن على المرحلة المهدوية: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴿٤٨ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ﴿٤٩﴾… فالانتصار القريب يتطلب تسبيح شكرك مُسْبَقًا لأنه يعني ظهور دينك على الدين كله وتجليه على جميع الناس في الأرض: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّـهِ وَالْفَتْحُ ﴿١ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّـهِ أَفْوَاجًا ﴿٢ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴿٣﴾ (سورة النصر).

25/ أفريل(24رمضان)/ 2022

[1]  ابن منظور، مادة: ج ب ل.

[2]  م،  س، ص333 .

[3]  ابن أبي طالب (علي)، نهج البلاغة، الخطبة الشقشقية.

[4]  ابن عربي، م. س، ص 20.

[5]  م. س، ص 20 أيضا.

[6]  م. س، ص 20 أيضا.

[7]  ابن منظور، مادة: أ ب.

[8]  راجع سيرة ابن هشام

[9]  ابن عربي، م. م، ص 20 أيضا.

[10]  انظر تدبرنا في سورة طه.

[11]  انظر تدبرنا في سورة الكهف.

[12]  من معاني «الليل»: ابْن بعض الطيور(راجع ابن منظور والفيروز أبادي).

[13]   قال ابن منظور. دحت المطرُ الأرضَ أي نزعت عنها الحصى.

[14]  رواه الطبراني وغيره.

[15]  رواه ابن حنبل وأبو يعلى وغيرهما.

[16]  ابن عربي، التفسير، المجلد الثاني، ص 70. وانظر تفاصيل في ذلك عند ابن عربي: عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب، دار الكتب العلمية بيروت، 2005.

[17]  كوراني(علي) ، عصر الظهور، دار المحجة البيضاء، بيروت 2004، ص 259 و 266.

[18]  … برواية قالون وورش.

  1. [19] ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾.
  2. [20] رواه السدي، وابن عربي، م. م ، المجلد الثاني، ص377.
  3. [21]  لاحظوا تشابه المعنى بين الآيات الحاملة للأعداد 14و15و16 بين سورتي النبأ والنازعات.

[22]  رواه الطبراني والسيوطي وغيرهما.

[23]  كتاب السنن الواردة في الفتن.

[24]  م. س، ص 168.

[25]  انظر تدبرنا في سورة الإسراء.

[26]  انظر معاني «الجبل» في ابن منظور، مادة: ج ب ل.

[27]  رواه الحاكم على شرط الشيخين.

[28]  الطبري الإمامي، دلائل الإمامة، دار الأعلمي، بيروت، 1988، ص 303.

[29]  «الليل» هو ابن بعض الطيور (راجع: ابن منظور في معنى «ليل»).

[30]  الواو هُنا ظرف زمان (= زمن إدبار النجوم).

[31]  يكون التغيير للقياس اللفظي في القرآن الكريم لأسباب جمالية أو وَزْنِيَّة_موسيقية أو تأثيرية، أو لعودة إلى السُّرْيانية، وغيرها، موجود كثيرا في القرآن الكريم: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَاهِيَهْ﴾ (= ماهيَّ)، ﴿وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ﴾ (الحاقة، 26). وبلاغة القرآن تجعله لا يحتوي على مترادفات وتكرار. فالنكتة بين «سينين» و«سيناء» ضخمة.

[32]  ابن عربي، التفسير، المجلد الثاني، ص 414.

[33]  راجع تدبرنا في سورة الصافات.

[34]  الداني (أبو عمرو)، كتاب السنن الواردة في الفتن، بيروت، 2005، ص 144.

[35]  انظر الطبري في تفسيره لهذه الآية.

[36]  انظر تدبرنا في سورة الحشر، وسورة الأعراف و«حظ التمكن القُوّي والصحي».

[37]  رواه الحاكم والطبراني.

[38]  ابن عربي، م.م، المجلد الثاني، ص 166.

[39]  راجع تدبرنا في سورة البقرة.

[40]  انظر تناولنا لـ«الغلامية» بتدبرنا في سورة الكهف.

[41]  رواه مسلم النيسابوري

[42]  رواه الترمذي وابن ماجه.

[43]  الداني (أبو عمرو)، كتاب السنن الواردة في الفتن، دار ابن حزم، بيروت، 2005، ص 157.

[44]  كوراني، م م، ص 254.

[45]  راجع القواميس اللغوية.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023