تساؤلات: “الربيع العربي” بعد عشر سنوات على اندلاعه!!؟

تساؤلات: “الربيع العربي” بعد عشر سنوات على اندلاعه!!؟

لم تثر ثورة أو انقلاب في التاريخ العربي الحديث تساؤلات و شكوكاً مثلما أثار الحراك العربي الذي اندلع منذ أكثر من عشر سنوات, و لازالت أحداثه و تداعياته ماثلة أمام أعيننا.

إن الأسئلة و التساؤلات التي طرحت و تطرح حول الحراك العربي ( الربيع العربي) هي أساسية بل وتتعلق بجوهر العملية الثورية و فلسفة التغيير , تلك الفلسفة التي غابت عن مثقفينا تحت نشوة الانتصار الزائف ( الحمل الكاذب ) دون حتى أن يخضعوا هذا الحراك لأبسط نظريات التغيير, التي تقول إن الثورة بدون قيادة ثورية أو نظرية ثورية هي دخول للمجهول بكل احتمالاته, إن ما رأيناه يبتعد تماماً عن فكرة و فلسفة الثورة .

بداية هذه التساؤلات انطلقت من النظرة المتشائمة والسلبية تجاه الإنسان العربي : من حيث استسلامه و رضوخه و خضوعه للأنظمة العربية واستبدادها , تلك الأنظمة التي استخدمت مختلف الوسائل المشروعة و غير المشروعة , من أجل إحكام سيطرتها عليه و نجحت في ذلك , و السؤال هنا كيف ولماذا تحرك هذا الإنسان ؟

يبرر البعض هذا التحرك بان الضغط يولد الانفجار. هذه العبارة صحيحة إذا كانت مقرونة بالوعي, و ليس بالجهل المقرون بالاستبداد المتراكم عبر سنين طويلة , حيث ان المجتمعات الممارس عليها الاستبداد و الفساد و الإفساد من الممكن أن تحكم عشرات بل مئات السنين دون ان تتحرك – مثل أوروبا في العصور الوسطى – لأن للأنظمة تحالفاتها و أدواتها الاقتصادية و الدينية و الإعلامية , و كلنا يدرك خطورة و انعكاس هذا الاستبداد الطويل و المحكم على شخصية و سلوك هذا الإنسان العربي .

و القضية الأخرى التي جعلت من الحراك العربي محط تساؤلات و شكوك,متعلقة بموقع وأهمية المنطقة العربية بالنسبة للقوى الإقليمية و الدولية, التي تشرف بل وترسم و تهندس و تتدخل في سياسات معظم دوله , بشكل مباشر أو غير مباشر.

من هنا فان السؤال المنبثق عن هذه الفكرة هل ما قام به الإنسان العربي هو تمرد على هذه الهيمنة و أدواتها ؟ أم على العكس تماماً حيث ان هذه الدول الكبرى هي التي بدلت أدواتها ( الأنظمة العربية ) من خلال استخدام الشعوب العربية كوقود لهذا التغيير .

من الممكن أن نسمي ما جرى هبة أو حراكاً, ولكن ليس ثورة أو ربيعاً , لأننا لسنا من أطلق اسم “الربيع العربي” على هذا الحراك أو هذه الهبة , حتى ان كلمة الربيع كمرادف للثورة لم ترد في قاموس تاريخ الثورات و الحراكات العربية , ولا في كتابات مفكرينا و مثقفينا سواء أكانوا واقعيين أو حالمين طوباويين .

إن هذه الكلمة الثورية الرومانسية “الربيع ” استخدمت ابان الرغبة الأمريكية في إخراج أوربا الشرقية من الحكم الشيوعي الى الحضن الأمريكي, أي “أمركة” و “رأسملة” و” دمقرطة” أوربا الشرقية على الطريقة الأمريكية ,ابتداء من ربيع براغ (تشيكوسلوفاكيا ) 1968, مروراً بربيع أوربا الشرقية عام 1989, وصولاً (للربيع العربي) هذا المصطلح السحري الذي تلقفته النخبة والجماهير العربية دون أن تعرف مصدره , أو حتى تستشار فيه .

إن الحراك العربي 2010-2011 – الذي من المفترض أنه انتصر و نجحت ثورته – لم يقم بإجراءات و سياسات ثورية – ليست بالضرورة عنيفة – ونسأل أنفسنا لماذا ؟ هل بسبب عدم امتلاك الرؤية والخبرة الثورية أم بسبب عدم امتلاك الجرأة . فاذا افتقد الحراك للرؤية الثورية فلا يمكن أن نسميه ثورة , وكذلك في حال افتقاده للجرأة لأنه لا يمكن أن يكون الثوري جباناً و لا يمكن أن يكون الجبان ثورياً.

عشرات الأحزاب وآلاف المفكرين و المثقفين, ومن خلفهم الملايين الثائرة التي نزلت إلى الشارع كل هؤلاء لا يملكون الكفاءات و الخبرات. لذلك استعانوا برموز الأنظمة السابقة من وزراء و إعلاميين بل و قضاة وكبار الضباط العسكريين أيضاً . كيف لثورة أن تقوم بذلك؟ لماذا فشلت النخب و الأحزاب و التنظيمات العربية العريقة ,و التي تملك سجلاً نضالياً وأيدلوجياً حافلاً في إدارة الثورة بل و حتى فشلت في توقع حدوثها أو حتى الإيمان الحقيقي بإمكانية حدوثها.

لعب الجزء الأعظم من المثقفين- مع بداية الحراك تحديداً- دوراً سلبياً سواء من خلال حماسهم و اندفاعهم العاطفي -غير المبرر- إلا إذا كان ذلك من باب التلاعب بالشارع أو ركوب الموجة ضمن سياسة ميكافيللية يتقنها المثقف أكثر من غيره, بسبب ثقافته و أحياناً بسبب قربه أو محاولة تقربه من صانع القرار أي “ميكافيللية المثقفين ” , حتى أن بعضهم كان مقرباً من الأنظمة العربية التي حدثت بها الحراكات , بل أن هذه الأنظمة هي من أسبغت عليهم لقب المفكر . و السؤال هنا لماذا كنتم مقربون من هذه الأنظمة ( ما هي نقاط الالتقاء والمصالح المشتركة و الوعي المشترك )؟ و لماذا انقلبتم لاحقاً ؟ هل فوجئتم بفساد هذه الأنظمة و استبدادها ؟ فإذا كنتم لا تدرون ذلك فمصيبة , وإن كنتم تدرون فالمصيبة أعظم .

أما فيما يتعلق بالشعوب العربية و حراكها فهناك العديد من التساؤلات التي تراود الأذهان : هل الشعوب العربية تعاني من شيزوفرينيا سياسية و اجتماعية , حيث أنها , وعلى مدار عقود طويلة كانت تقدس (العلم ) الوطني بشكله وألوانه و شعاراته, و مستعدة أن تفديه بالروح و الدم . و فجأة و بين ليلة و ضحاها , يتم استبدال العلم بآخر, دون علمها أو استشارتها, وتبدأ بالهتاف له بنفس الحماس, و تمارس معه نفس طقوس القدسية بل و تدوس العلم السابق بالأقدام .

وهناك ظاهرة أخرى متعلقة بالشعوب العربية تستحق الدراسة, ففي إحدى دول الحراك العربي (مصر) قام الشعب المصري بالتصويت أربع مرات في أربع سنوات ( و جميعها بالأغلبية المطلقة ) لصالح أربعة تغييرات و استحقاقات دستورية متباينة و متعارضة تماماً 2010 – 2014: من حسني مبارك , إلى المجلس العسكري, إلى محمد مرسي, إلى عبد الفتاح السيسي . كيف لنفس الشعب أن يصوت بهذا الشكل وبهذه الطريقة و بالأغلبية المطلقة ذاتها خلال أربع سنوات. أي ان الشعب كان يغير قناعاته وتوجهاته كل سنة تقريباً.

كيف للشعب العربي الذي ثار على الظلم مواجهاً أعتى أجهزة القمع و الاستبداد و “نجح ” في ذلك في موجة الحراك العربي 2011, أن يقف عاجزاً بعد أشهر قليلة تجاه الثورات المضادة ,على الرغم من أنها تمارس نفس الاستبداد و القمع و الفساد. أين الوعي الثوري للشارع الذي أسقط الأنظمة العربية؟ أم هو وعي متخيل مؤقت (زائف ) ؟

و نتساءل لماذا يسفر الحراك العربي عن ديمقراطية , على الرغم من أن الجماهير المحتجة و قادتهم جميعهم رفعوا شعارات الحرية و الديمقراطية , وأعلنوا أن السبب الرئيسي المحرك لحراكهم هو (الجوع ) للحرية و للديمقراطية , لكننا فوجئنا أنهم على النقيض من ذلك تماماً, حتى انهم أنفسهم وفي حواراتهم و نقاشاتهم , لم يكونوا ديمقراطيين , بل و كانوا فاسدين و دمويين في صراعاتهم الداخلية حتى قبل وصولهم للحكم .

يبدو أننا نسينا أو تناسينا ان سنوات الاستبداد و الفساد الطويلة تركت أثرها فينا بشكل مباشر أو غير مباشر, بحيث ينتقل الاستبداد من رأس الدولة الى جميع مفاصلها , وصولاً الى المجتمع , أي يتحول أفراد المجتمع أنفسهم الى مستبدين .

وفيما يتعلق بالدول الداعمة للحراك العربي سواء أكانت عربية أو إقليمية , فإننا نتساءل ما هي مصلحة هذه القوى في إحداث تغييرات في الأنظمة و المجتمعات العربية, بحيث تقوم بتقديم السلاح و المال. هل كان تحركها و تدخلها بقرار ذاتي أم بأوامر خارجية. فإذا كان القرار ذاتياً ” ما هو الدافع ” أو المصلحة في ذلك؟

هل هو دفاع عن الشعب ضد الأنظمة , مع العلم انها كانت ترتبط بعلاقات مميزة معها , بل و عرضت على بعض الأنظمة الأموال في البداية من أجل تغيير تحالفاتها و اصطفافاتها ,وعندما رفضت ذلك تحولت هذه الدول الى صف الشعوب , داعمة لها في وجه الأنظمة , دفاعاً عن” الحرية و الديمقراطية” . لماذا انقلبتم على حلفاء و أصدقاء الأمس ( من الأنظمة التي أطلقتم عليها ديكتاتورية و فاسدة ) ؟ كيف كنتم حلفاء لهؤلاء الفاسدين ؟

اذاً , أنتم شركاء لهم , لماذا لم تحاولوا توجيه انتقادات و ملاحظات لهم , سواء أكانت علنية أم سرية لتصحيح مسارهم غير الديمقراطي , فإذا كانوا جيدين , لماذا تخليتم عنهم ؟ في الحالتين , انتم مدانون في وقوفكم مع أو ضد هذه الأنظمة التي تحالفتم معها في البداية ضد شعوبها , ثم ناصرتم شعوبها عليها , ثم كيف نفسر وقوف بعض الدول الداعمة للشعوب العربية و مطالبها في بداية الحراك العربي الى داعمة للثورات المضادة على الرغم من ديكتاتوريتها و فسادها, لماذا لا تساندون الآن شعوب هذه الدول ؟ بما أنكم داعمون للشعوب و مطالبها .

و المفارقة الأخرى أيضاً أن الدول العربية والاقليمية التي أقدمت على دعم شعوب” دول الربيع العربي” بالمال و السلاح بحجة الدفاع عن حريتها المسلوبة و ديمقراطيتها المغتصبة, هي نفسها لا تتمتع بالحرية و الديمقراطية بل تقمع شعوبها أو الأقليات لديها ( أليس هذا غريباً ) , وحتى لو كانت هذه الدول ديمقراطية , فهل الديمقراطية تبيح لك استخدام السلاح لإقناع خصمك بعدم استخدام السلاح . إن استخدام السلاح أو التهديد باستخدامه ينسف أسس وأبجديات الديمقراطية , فأي ديمقراطية لدول و شعوب “الربيع العربي ” تريدون .

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023