تصحيح المسار.. الإصطفاف خلف الرئيس والدولة بقوة!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

تصحيح المسار.. الإصطفاف خلف الرئيس والدولة بقوة!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

 

“إنّ لإرادة الشعوب قوة وصلابة لا يستطيع فهمها من تربى في الذلّ والخنوع، وإنّ لانتصار إرادة الشعوب معنى لا يدركه من عاش كالأيتام على مأدبة اللئام، يقتات مما يلقيه إليه سادته من فتات..”

              منذ ثورة جانفي 2011 ساد منطق الحكم الذي يقوم على المحاصصة والتمكين، التكمبين و التفكير الغنائمي، والرغبة في السيطرة على مؤسسات الدولة، مما خلق هوّة سحيقة بين شرائح الشعب الواسعة ومكوّنات المجتمع السياسي، الذي لم يتفاعل بجدية مع الشأن العام واستحقاقات الثورة، فعندما لا تجدّد المؤسسات السياسية والاجتماعية نفسها على قاعدة النقد الذاتي والمراجعات، فإنّها تفرز جهازا بيروقراطيا فاسدا، يتحول شيئا فشيئا إلى بورجوازية ريعية تنهب مؤسسات الدولة، ويصبح الشعب بمثابة خصم أمامها.. لقد كشفت تجربة حكم الأحزاب بمختلف مسمياتها وخلفياتها الفكرية أنها بعيدة عن الدولة وثقافتها وآلياتها، صحيح أنها صعدت بإسم الديمقراطية واستلمت السلطة في شكل تحالفات وأخذت راحتها في تعيين مسؤولين ينتمون إليها أو يتبعونها بمنطق الولاء والمصالح، لكن النتيجة كانت مخيبة للآمال..

            خلال عشر سنوات من تجربة حكم الأحزاب، انتهت البلاد إلى أزمة شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية لا أحد يشك فيها أو يتبرأ منها بمن في ذلك ممثلو هذه الأحزاب..لقد نجحوا في الإفلات من عقاب عدالة ديمقراطيّتنا الانتقاليّة لأنهم وضعوا وبمنتهى الخبث أسس عجزها القانوني والمؤسّساتي والإداري حين كانت دواليب الدّولة بين أيديهم، فحموا بذلك أنفسهم من تغيير كانوا يوقنون بقدومه، فقد كانت الدّولة نفسها في عهدهم فاسدة، ولا تستطيع الدولة الديمقراطيّة الجديدة مقاومة الفساد بقوانين الدّولة الفاسدة التي سبقتها في فترة منظومة الرابع و العشرين من جويلية 2021.. وبات الرأي العام على قناعة أنّ لا حل دون انسحاب الوجوه التي قادت البلاد إلى الأزمات المعقدة من المشهد السياسي لأجل تهدئة الأجواء وإعادة بناء الثقة بين مختلف الأطراف، خاصة مع رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي يحوز على ثقة تسعين في المئة من الشعب لقيادة المرحلة القادمة..

            ما حدث في تونس في الخامس و العشرين من جويلية 2021 يمكن اعتباره إستفتاء شعبي ضد أعداء الثورة والحرية، انتصر فيه ملايين من الشعب للديمقراطية والكرامة، ولفظوا المافيا والفساد وأنقذوا البلاد و العباد ، و اختار الشعب التونسي الإصطفاف خلف الرئيس قيس سعّيد، لبناء جديد وتأسيس دولة مواطنية يُفرض فيها القانون على الجميع من دون استثناء والنخب الواعية وجدت في هذا الرجل المصداقية والاستعداد الحقيقي للتغيير، وبناء دولة تتسع للجميع، وتُعبّد الطريق للأجيال القادمة، بشكل مغاير لمسار الدولة الوطنية تاريخيا، التي بُنيت على القمع والاستبداد، وعلى سيطرة العائلات الفاسدة و مافيات المال و السياسة التي تحركها.. التوّنسيّون المتشبّثون بالثورة وأهدافها، فلا يحلمون إلاّ بطيّ هذه الصفحة التعيسة وتصحيح المسار، لأن الحديث عن إنقلاب و الخوف المبالغ فيه من قرارات رئيس الجمهورية مناورة للعودة إلى سدة الحكم و إفشال إرادة الأغلبية الساحقة من التونسيين الذين اسقطوا شرعيّة مزيفة و حيلة حماية الديمقراطية المزعومة لم تنطل إلاّ على القطيع، و لا تدلّ إلاّ على عجز المنظومة السياسية و إفلاسها ، ولطالما استعملت المناورات لتبرير الفشل و الإستبداد ..

           الرسالة مدويّة وواضحة تقضي بأن يندثر النظام السياسي القديم ويُكنس بإرادة شعبية شبابية، لأنّ مصير الوطن في كل مكان يقرّره أبناؤه الصادقون وحدهم، و المتآمرون من داخل الوطن و الفاعلون من خارجه لا يصنعون سوى التمدّد في الفراغ و الدفع بالبلاد إلى الفوضى و الإنهيار ، فهم باعوا ضمائرهم وأصبحوا يواجهون الشعب و يدفعون نحو العودة إلى الفشل الذّريع و إلى ديمقراطية فاسدة و مزيفة و العودة من جديد إلى الحكم، ، بدعم قوى خارجية ومال سياسي فاسد في الداخل، هؤلاء يرفضون الديمقراطية التي فُرضت عليهم فرضا، فهُم لم يعرفوا العدل واحترام القانون والشفافية في تسيير الدولة، عشر سنوات تُدار الدولة بمنطق الغنيمة والولاءات والمصالح والانتهازية، والتموقع ضمن معسكر الفساد السياسي والمالي والإعلامي، ومناصرة دولة الفئات المتنفذة والإقطاعية السياسية، وواجهاتها الإعلامية التي تلهث وراء الارتزاق والتكسب.. تونس تتحرر من جديد بوجود الأحرار والصادقين من أبناء هذا الوطن العزيز، صفحة مشرقة في تاريخ البلاد، يفتخر بها كل من دعم المشروع الوطني الديمقراطي التحرري، وآمن بسلطة القيم، ومشروعية الأخلاق الإنسانية في دولة القانون و المؤسسات و إرساء ديمقراطية حقيقية يكون فيها الشعب التونسي بالفعل صاحب السيادة ومصدر السلطات.. كل الظروف الآن مهيأة لدعم المسار التصحيحي الجديد، بالرغم من تحركات المعارضة و حملاتهم، وما يحدد من النجاح على هذا المستوى هو قدرة الرئيس سعيّد على المضي في تنفيذ ما يريده بقطع النظر عن الإشكاليات التي تحوم على تأويل الفصول، ووعي الشعب التونسي بحساسية المرحلة والتضامن مع الدولة حتى تنتصر في معركتها المعلنة على عدة واجهات، وخاصة على الفساد..

             في سابقة في التاريخ التونسي وفي العالم العربي ، ستترأس امرأة هي نجلاء بودن رمضان رئاسة الحكومة.. وهي ليست فقط رسالة ايجابية للداخل التونسي الذي بدأ يتململ من الفراغ وعدم الوضوح بل هو رسالة مهمة جدا للخارج كذلك، و يعد رسالة إيجابية خاصة بعد التأخر الذي لمسناه في الإعلان عن رئيس الحكومة وانتظار الشعب لهذا الإعلان طويلا، و يعتبر هذا التعيين خطوة أولى لتنفيذ خريطة الطريق للخروج بالبلاد من أزمتها، وهي رسالة مهمّة وواضحة ، بأنّ قطار الديمقراطية الحقيقية إنطلق في تونس.، رئيس الجمهورية قيس سعيّد يبرهن للرأي العام الدولي من خلال تعيينه نجلاء بودن على رأس الحكومة، إنه ليس رجلا انقلابيا، وإنما يريد فقط المحافظة على الدولة وفق تدابير استثنائية، بإعتبار أن الانقلاب لا يمكن أن ينتهي بتطبيق أهم مطلب من مطالب الحريات الفردية وهو المساواة بين المرأة والرجل..

          المرحلة القادمة دقيقة و مفصلية و ماحدث في الخامس و العشرين “إنتصار” مهم بالنسبة لشريحة واسعة من التونسيين و يجب أن يكون وسيلة وهدفاً مرحلياً وجولة في معركة طويلة عنوانها مقاومة منظومة الوصاية والفساد من أجل التحرّر والعدل و إرساء ديمقراطية حقيقية يكون فيها الشعب التونسي بالفعل صاحب السيادة ومصدر السلطات ، و محاسبة الفاسدين و كل من ساهم في الفشل الذّريع ، والانتقال إلى الجمهورية الثالثة التي تؤسس لدولة عصرية وشفافة ومسؤولة تعمل لخدمة الشعب والوطن.. لإنقاذ تونس من فوضى الهُواة ونرجسيَّاتها المَرضيّة على حساب البلاد و العباد.. يجب الوعي بحساسية المرحلة والتضامن مع الدولة حتى تنتصر في معركتها المعلنة ، و الالتفاف حول مطالب الشعب والصمود بوجه ما تقوم به المنظومة بقيادة الإخوان حتى إنجاح حراك 25 جويلية ، و على كل القوى الوطنية و الوطنيين الأحرار أن يلتحموا بالتونسيين و الإصطفاف خلف الرئيس والدولة بقوة.. إذْ لا يمكن تغيير منظومة عميقة ومتغلغلة في جميع المستويات في ظرف وجيز و بسهولة ، إذ من الطبيعي أن يعقب سقوط نظام فاشل ، فراغ وفوضى وفقدان توازن، وذلك قبل قِيام نظام ديمقراطي جديد.. الثبات ثم الثبات في زمن الفتن و المؤامرات.. الهدف المنشود الآن هو أن نعيد للدولة هيبتها و للشعب سيادته لنستطيع بالفعل أن نجعل الهدف أكبر من كل الأزمات فإذا انتصرنا سيعكس ذلك لنا القدرة على العبور من المستحيل، و أننا قادرون على الخروج من هذه الأزمة لننجو من تلك الأزمات ونبني بأنفسنا قوة حقيقية وإرادة تمكننا من تحقيق المستحيل بإرادة التونسيين لبناء دولة المواطن وسيادة القانون ، تونس اليوم تواجه تحديات متعددة في الداخل والخارج، و تصحيح المسار الثوري يتطلب منا جميعًا اصطفافًا خلف الرئيس الذي أنقذ البلاد من العبث و الفشل الذّريع..

عاشت تونس حرّة مستقلّة

السيادة للشّعب التونسي 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023