تونس تنتظر “المنقذ”..البلاد ماشية “بقدرة ربي”..!!

تونس تنتظر “المنقذ”..البلاد ماشية “بقدرة ربي”..!!

بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي |

تعيش تونس منذ أشهر على وقع أزمة خانقة طالت كل المجالات وتسببت في شلل شبه تام لدولة يهددها الإفلاس الثلاثي، ساسيا واجتماعيا واقتصاديا، حيث عجز النظام السياسي في ضمان استقرار مؤسساته و إتخذ الوضع الحالي مسار الهبوط العمودي الحاد.. والذي تبين أنه لم يكن سوى خديعة كبرى للتحيل على التونسيين بكل صفاقة ودهاء وغباء لحكم البلاد بمنطق الغنيمة و لا شيء غير الغنيمة و من أجل ضمان استقرار زائف لمنظومة الحكم والتحكم في مفاصل الدولة ومؤسساتها في خدمة أحزاب السلطة واللوبيات الخفية المؤيدة لها في الداخل والخارج..

 يشهد الصراع السياسي في تونس، تدافعاً مُعقّداً بين مؤسسات الدولة لرسم توازنات جديدة، ما يعزز من مطالب تغيير المنظومة السياسية برُمّتها ، والتي أثبتت فشلها في التعاطي مع العديد من الإشكاليات، حيث إن تكرار سيناريو الخلافات، أثبت أن الخطأ ليس في الأشخاص، بقدر ما هو في المنظومة نفسها.. ويبدو أن محور الصراع بين الرئاسات يتركز أساساً حول معركة البقاء للأقوى في مشهد سياسي متحرّك، و تجمع مختلف المعطيات السياسية الراهنة بأن البلاد تعيش منذ أشهر مرحلة من الوقت الضائع.. دون إدراك عميق لمآلات الأزمة السياسية وما يمكن أن ترتدّ إليه من عصف بمسار الديمقراطية الناشئة برمته ،و معركة استقالة هشام المشيشي ليست معركة حياة أو موت، كما تراها بعض الأطراف المتصارعة. و بقائه واستمراره على رأس الحكومة لن يصنع المعجزات ، كذلك رحيله سواء استقال عن طيب خاطر أو تمّت إزاحته، لن يُنهي الأزمة السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية بصورة نهائية ، و إنّما للتخفيف من حدتها على الأقل.. ، أرى ان البعض يتحدث عن ضرورة عزل الرئيس قيس سعيّد ، و السبب هو التعطيل و خرق الدستور، و هل كانوا هؤلاء يحترمون الدستور و مؤسسات الدولة و الرئيس سعيد فقط من خرقه و كونه الضامن و الحامي الوحيد للدستور في غياب المحكمة الدستورية ، في حين أن الجهة التي من حقها أن تصنف ذلك كخرق للدستور، وهي المحكمة الدستورية لم يقع إرساؤها بعد.. و أرى ضرورة تجاوز المطبات القانونية، تجنبا للمزيد من التوتر السياسي وعدم توظيفها في إطار المعارك حول الصلاحيات و تسجيل النقاط السياسية .. و بالتالي يبقى المشهد السياسي مفتوح على جميع الإحتمالات إلاّ إحتمال عزل الرئيس قيس سعيّد ، أو العودة إلى التلويح بعزله ، فهو يفتح أبواب الجحيم على أزمة إجتماعية و سياسية تبعثر أوراق جميع السياسيين و تعيدنا إلى المربع الأول و تضع على الطاولة تغيير نظام الحكم برمتّه كأولوية أساسية..و بالتالي على الجميع الوعي بأنهم في معركة استنزاف لا غالب فيها ولا مغلوب، وأنه لا حل إلاّ بالتخلّي عن أسلوب المغالبة والتحدّي والتصعيد، والتنازل من أجل ألا يغرق المركب بالجميع.. ،

تونس تعيش اليوم أزمة مفتعلة ومفبركة، تسبب فيها المشيشي بدعم من وسادته السياسية وهذه الأزمة مرشحة لأن تتواصل و بات من الصعب التكهن لا بتاريخ إنتهاء هذه الأزمة، ولا بالطريقة التي ستنتهي بها..إذ أصبح المشهد السياسي مشوّه ، وجثّة في حالة تعفّن لم يعد يخدم الدولة.. و أعتقد أن الأزمة السياسية قد وصلت إلى طريق مسدود و يصعب تداركها و التنازع السياسي الحاصل في اللحظة السياسية الراهنة حتماً سيؤثر سلباً و بشكل كارثي على الوضع العام في البلاد، وفي غياب رجال دولة حقيقيين يقدّمون مصلحة البلاد على المصالح الشخصية، من الصعب انتظار قرارات حاسمة ، على الأقل من أجل حوار وطني يتنازل فيه الجميع للجميع لمصلحة تونس و شعبها..و اليوم أصبح إنقاذ إنقاذ تونس من المجهول يعدّ الأولوية في هذه المرحلة، و يستوجب على كل الأطراف السياسية تنحية الخلافات ومنطق الحسابات الشخصية الضيقة جانباً وإعلاء مصلحة الوطن دون سواه ..البلاد في مرحلة حرجة جدا و لا تتحمل معارك معلنة او غير معلنة و تعيش على وقع أزمة غير مسبوقة وسط حالة من الإفلاس السياسي ما يستدعي البحث عن الآليات والأشخاص القادرين على انتشال البلاد وإنقاذها من المجهول.. تونس اليوم في مفترق طرق ومنعرج خطير سببه الرئيسي المراهقة السياسية و أصبحت في حالة انتظار.. في ظل حكومة بالنيابة والبلاد ماشية بقدرة ربي وكأنّنا اليوم أمام حكومة تصريف أعمال ..و كل ما حدث ويحدث في البلاد بسبب التكتيك و الترهدين السياسي و الحسابات السياسوية الضيقة..

 مبادرة الحوار الوطني هل تكون نقطة تحول حاسمة و فرصة أخيرة لإنقاذ البلاد و إنهاء الأزمة السياسية.. ؟

تتجه الأنظار في تونس إلى عقد حوار وطني يحد من توتر المناخ السياسي ويقلص من تعكر الأجواء خصوصا بعد تأزم المشهد السياسي وانسداد أفق التوافق في ظل انعدام الاستقرار في الحكم وتفاقم القطيعة بين مؤسسات الدولة وتأتي الدعوة للحوار على خلفية وصول البلاد إلى نقطة صفر نجاعة سياسية في ظل استمرار الصراع والتنافر بين الأحزاب الممثلة داخل البرلمان وكذلك إلى الحرب الباردة بين ثالوث الحكم في تونس (رئاسة وحكومة وبرلمان)..و لاتزال الرؤية غير واضحة إلى حد الآن و مازال الغموض سيد الموقف ببعض التفاصيل المهمة في محتوى الحوار و كذلك الأطراف التي ستشارك فيه، وخاصة حول طريقة تشريك الأحزاب أو المنظمات أو الكتل البرلمانية و أيضا موضوع تشريك الشباب في هذا الحوار.. و أعتقد أنه لا يمكن ان ينجح الحوار دون أن يكون حوار وطني مسؤول، وأن يكون من دون شروط مسبقة وعلى أرضية وقائع حقيقية..،يؤسس لإستقرار سياسي، و يحد من الاستقطاب السياسي والاجتماعي و يؤسس لمسار تنموي و يضع تصور مؤسساتي واضح..،و لابد أن يكون الحوار الوطني حواراً يحمل حلول سياسية واقتصادية واجتماعية للأزمة الحالية في البلاد حتى لا يتحول هذا الحوار إلى حمار وطني يأتي على الأخضر واليابس..و قد يرى البعض أن الحوار الوطني الموعود هو الحل السحري الذي قد يخرج البلاد من عنق الزجاجة ويعيدها إلى سكة الاستقرار السياسي والاجتماعي و يؤسس لأرضية صلبة يمكن البناء عليها للخروج من حالة الانسداد السياسي و الإحتقان الإجتماعي ، لا يمكن الحديث عن نجاح الحوار دون توفر إرادة سياسية ورجالات دولة وطنيين ومجتمع واع، و دون ذلك، لن تنجح تونس في تجاوز مرحلة العطب السياسي المركّب والمستدام بشكل نهائي، وستبقى البلاد رهينة زجاجة تتقاذفها أمواج الأزمات العميقة.

بعد عشر سنوات من العبث السياسي يبدو الشعب أكثر يأساً من ثورته التي أنتجت طبقة سياسية عملت وتعمل على إطفاء أي نوع من الحماسة للبناء والتغيير و الإستقرار ، و صار الشعب التونسي ينظر إلى تلك الطبقة باعتبارها عقاباً تهون أمامه حماقات وأخطاء بن علي..

لا تزال تونس تنتظر المنقذ و البلاد ماشية بقدرة ربي.. إلى أين..!؟

 

 

 

 

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023