تونس: من ديمقراطية الغنيمة…إلى ديمقراطية حقيقية!!..بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

تونس: من ديمقراطية الغنيمة…إلى ديمقراطية حقيقية!!..بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

“نقول لكل خائن ارتضى أن يكون أداة هدم وتخريب لأسس مجتمعه و لسيادة دولته ، وعميلاً ومرتزقاً لأعداء وطنه؛ إن أهدافكم التخريبية ومساعيكم الهدامة وأدواركم المُزيفة ستعود عليكم وعلى من يدعمكم ويُموّلكم ويتبناكم حَسْرةً وخُسراناً؛ وسيبقى الوطن العزيز شامخاً أبيّاً آمناً ومستقراً “..

يُراد لتونس أن تصبح النموذج السيء في المنطقة ومضرب للأمثال في الفساد بكل أشكاله وأنواعه وفروعه وتشعباته ومن العوامل الأساسية التي ساعدت على تدهور أوضاعها و فساد ساستها وازدواجية الولاء الوطني ، و أماّ الشرفاء فيتألمون لألام التونسيين ولما يتحملونه من قهر وخراب وطنهم المهدد بالإنهيار وضعف الدولة التي هي الأخرى في طريقها للإفلاس إذا لم يتم الإسراع باتجاه تحقيق الإصلاح والتغيير والتخلص من مافيات الفساد وقياداتها التي أمسكت بشرايين الدولة والحقيقة إن الأكثر ألماً وقهر ودمار ومعاناة التونسيين أنفسهم الذين يحملون جراحاتهم ويشهدون الدمار الذي يضرب جميع مفاصل حياتهم ومجتمعهم ودولتهم التي يتباكى البعض على هيبتها بعد أن اسقط هؤلاء المتباكون والمتحدثون أنفسهم هذه الهيبة ؛ من الإستقواء إلى الإستنجاد ثمّ إلى الإستعطاف و التأويل و التشويه ، والافراط في التحذير والتخويف والتشكيك حدّ الريبة والبكائيات المنافقة، هؤلاء المستفيدون من عشريّة الريع الحزبي والسياسي والديمقراطي والحقوقي والإعلامي ، بتخوفاتهم وفزعهم المبالغ فيه يترجمون عن تخوفّ ورعب أعرافهم ومموّليهم ومشغّليهم غير المعلن والذي لن يتأخر في التعبير عن نفسه بمجرد انطلاق قطار المحاسبة و الحرب على الفساد و الإعلان عن نهاية عهد الغنيمة ، هؤلاء المستفيدون من دولة الغنيمة مخاوفهم المُبالغ فيها ليست خوفاً على الديمقراطية و إنّما خوفاً من ضياع المغانم.. التي كانوا يتمعشون منها في الداخل وفي الخارج والتي راكموا من خلالها ثروات شخصيّة وحزبيّة طائلة على حساب الوطن والشعب، وكان يمكن أن نعذرهم ونصدق دموعهم لو كانوا ديمقراطيين، أباً عن جد، وممن يشهد لهم تاريخهم الطويل بأنهم لم يحتالوا على الدستور، ولم يزوّروا، ولم يمارسوا الغدر والسرقة والاختلاس وخيانة الأمانة..

إنّ الذين سارعوا إلى إبداء الضيق و المخاوف من قرارات الرئيس التونسي، قيس سعيّد ، وأبدوا مخاوفهم على الديمقراطية، أو الذين اتهموه بالإنقلاب و الأطراف التي تتطلع للتدخل الخارجي والاستقواء به والتذيل للبلدان الأجنبية و الإستنجاد بها ضدّ سيادة تونس و شعبها من أجل إعادتها إلى سدة الحكم أو فرض حلول لا تخدم مصلحة الشعب قد فقدوا علاقتهم بالوطن والشعب وصاروا مجرد أدوات لقوى خارجية لا يهمهم غير مصالحهم في المنطقة وفي البلاد، فإن ما تقوم به بعض الأطراف السياسية من الجبهة المضادّة ، يؤكد ما تعيشه المنظومة الساقطة من زلزال ومن تخبط أثّر على سلوكها السياسي الذي بلغ عبر الاستنجاد بالقوى الأجنبية، وتحريك لوبيات وتأليب الرأي العام الدولي على الدولة التونسية.. فالأوربيّون والأمريكيون ديمقراطيون في بلدانهم، نعم، وبدون شك، ولكنهم يبكون على الديمقراطية حسب الطقس وتقلب الرياح، وتباعاً للمصلحة والمزاج والمنافع السياسية والاقتصادية في البلدان الأخرى ، فيُسارعون إلى الإدانة و إبداء المخاوف من الإنتقال من ديمقراطية فاسدة و مزيفة يتمعشون منها إلى الإنتقال إلى ديمقراطية حقيقية تُنهي عهد الغنيمة والولاءات ، هؤلاء المستفيدون المتباكون و المتمعشون من الداخل والخارج يصاحبون ويساندون من يدوس على الديمقراطية بقدميه و على إرادة شعوبهم ..

لاشك و أنّ كل ما فعله الرئيس التونسي قيس سعيّد هو أنه خاف على الوطن من الكذّابين والمزوّرين والانتهازيين وتجار الدين والمتآمرين ، فلجأ إلى الفصل 80 من الدستور الذي يتيح له اتخاذ إجراءات استثنائية في حالة تعرض الوطن للخطر الداهم.. ولم يكن هناك خطر أكبر من جرائم النهب و العبث بمؤسسات الدولة ولهيبتها و العبث بمقدرات الشّعب و تشليك الدولة ، و تبديد الثروة، وتجويع المواطن وإفقاره، وتهديد أمنه وسلامته..، تُرى هل يستحق على ما فعله لإنقاذ العدالة والديمقراطية كل هذا الكم من التشويه و الإفتراء من المعارضين و أذرعتهم من الإعلام المأجور و الذباب الإلكتروني.. و المخاوف الغربية والأمريكية على الديمقراطية في تونس، وكل تلك العواصف الشاجبة المستنكرة المهددة المتوعدة من أحزاب الدين المسيّس التي لم تُوفّق في منع الفساد والأنانية والاستغلال وشهوة الانتقام من خصومها من أن تكون سمتها الراسخة التي لا تتبدل؟

إنّ دُعاة الدفاع عن الديمقراطية لا يمكنهم الاستماتة في الدفاع، لأن الأوراق انكشفت و أنفضح “الملعوب” ، إنّ “الديمقراطية” في الشكل، و “الثيوقراطية” في الجوهر، لا يطيقها التونسيون ولا يريدونها، هذه الديمقراطية المزيفة، الستار للسيطرة على البلد ومقدراتها من قبل القلة المؤدلجة و من لفّ لفّهم ، ولقد رأى الشعب التونسي ديمقراطية الإخوان وحلفائهم طيلة السنوات الماضية، وأكتووا بنارهم وقاسوا ظلمهم وتفريطهم، وكيف أنهم قدموا مصالحهم ومصالح حلفائهم وتنظيمهم على مصالح الشعب، الذي تركوه يعاني الفقر والعوز، في الوقت الذي استنزفوا ثرواته وتقاسموا مقدراته، فإن التونسيين أو على الأقل غالبيتهم، يؤيدون بكل قوة، قرارات الرئيس قيس سعيّد التاريخية لإنقاذ تونس من المجهول ، ومحاسة العابثين الذين نشروا الفساد في الأرض، وأذاقوا الناس وبال أمرهم، ولم يردعهم دين ولا قانون ولا أخلاق، وعلى الرغم من كل الظروف والمخاوف فلا خيار أمام التونسيين الأحرار و الوطنيين الصادقين ، إلاّ التقدم إلى الأمام .. ولا رجوع.. فالتونسيون الأحرار لا يريدونها دولة الغنيمة تحت شعار “ديمقراطية الغنيمة “، وإنّما يريدونها لكل التونسيين ، ديمقراطية حقيقية في دولة وطنية..

ماحدث في 25 جويلية ليس خروجاً عن الشرعيّة بل إنقاذاً لها من الطغمة الحاكمة ومافيا الفساد التي هددت أركان الدولة، و كشف عن عمق الفساد وسوء التسيير وغياب الدولة، و أوصلوا البلاد إلى حافة الانهيار وإلى ما يشبه الدولة الفاشلة، إن الأزمة المالية والاقتصادية في تونس التي تُختصَر أسبابها الجوهرية في الفساد السياسي والإداري، على نحو تسيير البلاد وفق عقلية تقسيم النفوذ بذهنية الولاءات و بمنطق الغنيمة ، لا تعير اهتماما لمصالح الشعب وأولويات الدولة في شتّى المجالات، حان الأوان أن تنتهي بإرادة شعبية، ولا بديل عن تفكيك المنظومة الفاشلة والمفلسة التي تقاسمت السلطة سبيلا للنفوذ وتحقيق المصالح وعقد الصفقات ونهب المال العام، إلاّ بعملية إصلاحية شاملة تتطلب تغييراً سياسياً جذرياً و تفكيك منظومة مافيا المال والسياسة و محاسبة كل من تتعلق به شبهات فساد تمويلات أجنبية في الحملات الإنتخابية ، وإعادة صياغة نموذج اقتصادي جديد يتّجه نحو بناء دولة قوية وعادلة..

التونسيون يدركون جيدا أن مأساتهم و خيباتهم والفقر والتفاوت الطبقي والبطالة وتردي الأوضاع وتدمير سلمهم الأهلي هو من صنع قياداتهم وحكامهم الفاسدين الذين تحاصصوا وتقاسموا الدولة بجميع سلطاتها ومؤسساتها، فعمّموا عليها الفساد ثم سلبوها هيبتها وأصبحوا عاجزين عن قيادتها وحمايتها وحماية المصالح الوطنية العليا والسلم الأهلي والأمن المجتمعي حتى أصبح التونسيون الأكثر قدرة وشجاعة ووطنية وإنسانية من هذه المنظومة الفاشلة والمفلسة التي سرقت من التونسيين فرحتهم بتغير النظام الدكتاتوري البائد في ثورة 17 ديسمبر 2010 ، و تحولت الطبقة السياسية وحكامها إلى مافيات للفساد تُحاول بل تعمل على مصادرة إرادة التونسيين وتهديد مصيرهم وقتل أمالهم وتطلعاتهم إلى حياة حرة كريمة.. لهذا نجد التونسيين الذين اسقطوا شرعيّة مزيفة في الخامس و العشرين من جويلية 2021 و زاد صمودهم وتجددت إرادتهم وعزيمتهم على مواجهة الفاسدين والتحديات ومن غدر بهم وخانهم بعد أن ازدادوا تمسكاً بولائهم الوطني وبإرادتهم لتغير أوضاعهم الشديدة الخطورة بتقديمهم التضحيات الجسيمة من اجل الوصول لتحقيق أهدافهم الإنسانية والمجتمعية والوطنية وصولا لإعادة هيبة الدولة التي أسقطها وتجاوز عليها الفاسدون بمحاصصاتهم وتوافقاتهم المصلحية بديمقراطية فاسدة واليوم نجد المستفيدون من عشريّة الغنيمة يتباكون على ديمقراطية مزيفة ويتهمون غيرهم بالإنقلاب، عندما خرج الشعب غاضبا مطالبا بالتغيير والإصلاح و إنهاء عهد الغنيمة والولاءات وإنتاج حكومة قوية ونظام سياسي ديمقراطي حقيقي وإقامة شرعية دستورية تليق بهم وتضمن لهم ولأبنائهم الحاضر والمستقبل و تشكيل حكومة بمقدورها حمايتهم وحماية سيادتهم الوطنية ومالهم العام وتحافظ على شرف المسؤولية الوطنية التي فقدت بسبب الحكام والقادة والسياسيين الفاسدين ومن اجل تحقيق هذه الأهداف والمبادئ فعّل التونسيون الشرفاء أدوارهم الشعبية والوطنية لإسقاط النظام و المنظومة الفاشلة و التصميم على محاسبة كل من أساء وعمل على تخريب الدولة وإسقاط هيبتها و سرق المال العام ومن غدر بالشعب وخان الوطن أين كان وفي أي موقع يكون وهذا مطلب التونسيين من اجل تحقيق رسالتهم الوطنية والإنسانية التاريخية في الإصلاح والتغيير رغم كل هذه العتمة و الظلمة التي خلطت فيها الأوراق بعد إن عبث وتلاعب بحياتهم هواة السياسة والحكم نعم هواة لعدم امتلاكهم للمهنية والخبرة وتراكماتها لإدارة الدولة ولا حتى لسلوكيات وصفات وطباع وأخلاقيات المعارضة الحقيقية التي يتبجح البعض ويتحدث عنها، لقد ابتلي التونسيون بأُناس ساقتهم الظروف ودفعتهم مصالحهم للهيمنة على مقاليد هذا البلد وشعبه الذي خرج من حقبة نظام دكتاتوري ظالم أوصل تونس والتونسيين لهذا الحال غير المسبوق لوطن مسلوب السيادة والإرادة منهوب الثروات تحاصصوه وتقاسموه قادته وحكامه بإسم الديمقراطية و الدستور الذي وضع على المقاس وغيرها من الآفات، هذا الدمار الذي يُشرعنه ويُغطيه الإعلام الانتهازي المؤدلج والمشبوه الذي (يعوى وينبح) ليلاً نهاراً من اجل أن يستسلم التونسيون للأمر الواقع و للأوضاع المأساوية المزرية والقبول بثقافة الهزيمة و جعل رغبات الفاسدين و المتلونين و المتآمرين للبقاء في السلطة و الحكم ، و لهذه الأسباب و غيرها خرج الشعب التونسي لتحصين نفسه ووطنه مدافعا عن وجوده بقوه واقفا بوجه الفاسدين ومن يساندهم ويؤازرهم ليستقر الفساد والوهم الأسود في تونس ولتذهب تونس و التونسيون إلى المجهول وهذا لم ولن يحصل مطلقاً بعد أن عرف الشعب طريقه وخرج مطالبا بالإصلاح والتغيير مستعملين حقوقهم التي كفلها لهم الدستور من اجل تغيير أوضاعهم برمتها وفي مقدمتها محاسبة الفاسدين واسترجاع المال العام وتحسين أوضاعهم الإجتماعية وفرض سيادتهم على أراضيهم الوطنية والدفاع عنها من خلال التغيير والإصلاح الذي يجاهد الأحرار من اجل تحقيقه، ولن يتحقق ذلك إلاّ بالحرب على الفساد بتتبع المهربين ومبيضي الأموال في الاقتصاد الموازي من رجال الأعمال ، ولكن ينبغي أن تكون مرحلةً تليها مرحلةٌ أخرى أهمّ هي تتبع حماة أولئك الفاسدين والمستفيدين بالحصول على منافع منهم من السياسيين، بل تتبع المستغلين من هؤلاء لنفوذهم السياسي أو لصفتهم الحزبية بداية من سنة 2011 إلى الآن، فلا يمكن أن نتحدث عن انتقال ديمقراطي أو عن ديمقراطية حقيقية أو عن جمهورية ثالثة ، إلاّ إذا شملت الحرب على الفساد، مصادره و موارده على السواء..

إنّها معركة شعبنا ضد لصوص وعملاء الداخل ورُعاتهم في الخارج الذين يضغطون اليوم من أجل منع انهيار منظومة الفساد والعمالة حفاظا على مصالحهم و ليس خوفاً على الديمقراطية و إنّما خوفاً من ضياع المغانم.. و على الشعب التونسي وقواه الوطنية رصف الصفوف والاستعداد للدفاع عن سيادة بلادنا وكرامة شعبها.. إنّها معركة إستعادة سيادة تونس و شعبها و شرف لنا مجرّد خوضها.. لا رجوع إلى ديمقراطية الغنيمة !!..

عاشت تونس حرّة مستقلّة
عاش الشعب التونسي العظيم

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023