“جبهة الإنقاذ”.. النفخ في صورة جثث سياسية متعفّنة!!..بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

“جبهة الإنقاذ”.. النفخ في صورة جثث سياسية متعفّنة!!..بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

 

ما يحدث اليوم في تونس ، لا علاقة له من قريب أو بعيد بالديمقراطيّة والحريات وحقوق الإنسان والممارسات السياسية و المعارضة النزيهة ، وإنّما هو ضرب من اللؤم والإسفاف والإستهتار والفساد وقلة الحياء.. إمتهن و أتقن العديد من المشعوذين السياسيين الرقص على حبال الإثارة والإستفزاز و الكذب و النفاق و تزييف الحقائق ، وقد أبدوا من الإنحدار اللغوي والوضاعة السلوكية والإفلاس المعرفي والفساد المفضوح ما أفقدهم أدنى مصداقية لدى الرأي العام، كنا نعتقد، أن الأمر لا يتجاوز حفنة من قليلي الأدب وكثيري الفساد وعديمي الحياء، ولكننا إكتشفنا أنهم يمثلون جزء هاما في هذه النخبة السياسية التي جاءت بها رياح الرداءة السياسية التي حولت العمل السياسي إلى ضرب من ضروب العهر و قلة الحياء..

                 ليس من العجيب أن نرى قدرة الإخوان و حلفائهم و براشوكاتهم على الكذب وافتعال الأزمات واستبطان النتائج الواهية والترويج لها على أنها حقائق دامغة مع أنّه لم ترها عين ولم تسمع بها أذن ولم ينطق بها لسان غيرهم .. و من المفارقات المخجلة أنّ نرى بعض رموز اليسار والديمقراطيين ممّن أوجعوا رؤوسنا طيلة العشريّة السّوداء بشعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب والإسلام السياسي، و عدوّهم بالأمس حليفهم اليوم لا يكفّون عن ممارسة الكذب، و يصرخون و يبكون و هم خائفون من الحكم الفردي بتعلّة الخوف من الديكتاتورية و الخوف على الديمقراطية ،أين كنتم عندما استباحت حركة النهضة و شركائها و حلفائها الدولة و مفاصلها و برلمانها و مؤسساتها …. و لِمَا لم نسمع لكم صدعاً الاّ قلة قليلة من الشرفاء.. إجتمع الفاسدون والفاشلون والعملاء والخونة واللصوص الذين دمروا تونس على مدى عشر سنوات، وبين عشية وضحاها تفتحت قرائحهم عن حلول لما دمروه في العشر السنوات الماضية، إنّه لمن المضحك المبكي ومن دواعي السخرية والاستهزاء أن يجتمع اللصوص الذين ظلموا ونهبوا ودمروا واشاعوا الفساد لكي يستخفوا بعقول الشعب ليقولوا له أنهم مصلحون.. فهل يوجد تسويف وكذب وخداع وسطحية وانعدام للضمير والحياء أكثر من هذا الهراء؟ إنّ هؤلاء “إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ” وهم بالتأكيد يشعرون ويخادعون ولكن لا يخدعون إلاّ أنفسهم..فهل وصل الغباء و الإستحمار بهؤلاء السياسيين حتى يدّعون الخوف على الديمقراطيّة في دولة كانت تُدار بمنطق الغنيمة ، بعد كل هذا الدمار والخراب والفساد الذي استشرى في كل مفصل من مفاصل الدولة ومؤسساتها، ممّنْ ينقذون البلاد وهم من سرقوها وكيف يصلحون البلاد وهم من أفسدوها وكيف ينقذونها وهم من دمروها وضيعوها ؟ فهل يعقل بعد كل هذا أن يتجرأ بعض السياسيين المتمعّشين من نظام فاسد ويقولوا أنّهم يريدون إنقاذ البلاد و الديمقراطيّة المزيّفة ؟ ومن يصدقهم القول في ذلك بعد كل الذي حصل ويحصل من فسادهم وسرقاتهم الكبرى ؟ .. سمعناهم في المؤتمرات واللقاءات والحوارات والاجتماعات يتحدثون عن الديمقراطيّة و إنقاذ البلاد ، وليس كأنّهم هم أنفسهم الذين تبادلوا مواقع المسؤولية في مختلف مؤسسات الدّولة على مدى عشر سنوات! وكلّنا نعلم علمَ اليقينِ بأنّهم امسكوا بالسلطة بأسنانهم، لم يفلت أحد من التعيين بالمحاصصة، حتى سوّاقهم وحماياتهم وطُهاتهم وخدمهم وحشمهم، تعيّنوا بالمُحاصصة، يعني بعلمٍ منهم، ولذلك فليس في تونس فسادٌ، ومن ايّ نوعٍ كان، إلاّ وقد مرّ من تحتِ ايديهم ومن بين أصابعهم، سواءً بشكلٍ مباشرٍ او غيرِ مباشر!.

               تحاول حركة النهضة استغلال نقاط ضعف الشخصيات السياسية التي تسعى لتصدر المشهد في تونس وتطمح لتقلّد مناصب مهمة في السلطة و الحكم، عبر الإيهام بتوفير ممهّدات النجاح لها لاستغلالها في ضرب خصومها وتحقيق مصالحها الحزبية، وهو ما يجري الآن من خلال ما يعرف بحراك “مواطنون ضد الانقلاب”، الذي كرّسته الحركة كمبادرة سياسية لتقديم الوعود لحلفائها ضدّ قرارات الرئيس قيس سعيّد، على غرار السياسي أحمد نجيب الشابي المعارض السابق للنهضة.. إنّ “زواج المتعة” الذي يجري الآن بين حركة الغنوشي و اليساري أحمد نجيب الشابي هو زواج غير شرعي لا يعبر إلاّ عن الإمعان في سياسة الهروب إلى الأمام و التصعيد ، و بمثابة تقارب مفضوح من أجل إعادة رسكلة نفايات سياسية تعفّنت و إنتهت صلاحيتها، و الإصرار على العبث السياسي من أجل العودة إلى حكم اللصوص و منطق اللاّ-دولة و الغنيمة.. يجرّ أحمد نجيب الشابي خلفه مسيرة سياسية لم يحقق فيها إنجازا واحدا، تتالت خسائر الرجل الذي يخفي وراء المبدئية الظاهرة توجهاً انتهازياً مقيتاً جعله ينتقل من تجربة أيديولوجية إلى أخرى بداعي الإستفادة من المستجدات في حين أنّه يبحث عن أقصر الطرق للسلطة، و قد إرتمى في أحضان الغنوشي لمغازلة حركة النهضة و يضع نفسه في الصفوف الأولى للدفاع عنها و يشكل في هذا الإطار لجنة ما يسمى بــ ” جبهة الخلاص الوطني” التي لم تجمع إلاّ “النطيحة و المتردية و ما ترك السبع” من أسماء تجمع بين الانتهازية السياسية و التقلب في المواقف و هو ما يجعل ما يقوم به أقرب إلى رحي الماء أو حراثة البحر..شطحات نجيب الشابي السياسي المنكود الحظ، فهو يمارس السياسة منذ خمسين عاما ، ومع ذلك لم يتعلّم منها شيئا،وكلّما تقدم به العمر زادت أخطاؤه وخسر من كانوا أصدقاءه، والأكثر من ذلك أنّه يتوهّم أشياء لا تحدث إلاّ في خياله.. و إنّ الحديث عن مبادرة تتضمّن تشكيل حكومة ما يسمى بـــ “حكومة إنقاذ وطني!! “هذه التصريحات والدعوات تأتي من قبل بعض الشخصيات غير المسؤولة خاصة أنّها تعرف أنّ مثل هذه الخطوات ستساهم في تأزيم المشهد أكثر ولها انعكاسات سلبية و خطيرة على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي وكذلك الأمني..، و بالتالي هذه الأطراف السياسية و الكيانات الموازية تحاول أن تتغذى من تفكيك و إنهيار الدولة و مؤسساتها الشرعيّة .. لا يوجد خطر داهم على الأمن القومي، وعلى وحدة الدولة، أكثر من محاولات هذه الأطراف لتقسيم البلاد وخلق “شرعية موازية” في سابقة خطيرة لزعزعة الإستقرار و تفكيك مؤسسات الدولة على غرار ما هو قائم في دول أخرى ..و إنّ ما يحدث لم نجد له وصفاً سوى كونه محاولة بائسة للنفخ في صورة جثث سياسية متعفّنة فقدت كل مبررات وجودها لإعادتها إلى الحياة السياسية وهي رميم..

              إنّ أيّ دعوة للحوار مع من إستولى على أموال الشعب هي تحايل وشعوذة سياسية من أجل إعادة إنتاج منظومة الفشل النهضوية وإعطائها نفسا جديدا للعودة إلى الحكم و السلطة.. و إعادة التموقع من جديد في المشهد السياسي.. والحوار لابد أن يكون مع الجميع بإستثناء اللصوص ومن باع ذمته إلى الخارج و من يذهبون الى العواصم الغربية ومن يتسولون على أعتاب سفارات بعض القوى الأجنبية.. إنّ أيَّ حوار مع النهضة لن يوفر أي حلٍّ للأزمة، بل سيمد طوق نجاة إلى الحركة التي تتقن الانحناء عند العواصف، و الحوار الذي من شأنه أن يفتح باب أمل أمام التونسيين هو الحوار الذي يُشخّص مظاهر التردي تشخيصاً دقيقاً ويحاسب كل من تسبب في صنع الأزمة، ودون ذلك تصبح كل المبادرات الراهنة مجرد إنقاذ للنهضة بدل إنقاذ البلاد.. أمام هذا التطور فإن الواجب الوطني يفرض الإصطفاف إلى جانب الشعب التونسى وقيادته.. و مراعاة الحذر فى التعامل مع هذا التحرك من جانب هذه الأطراف السياسية ، إنّ ذلك يحتم مزيدا من الثبات والتماسك والإصرار على استكمال مسيرة إنقاذ الوطن.. و من أجل الحفاظ على مقدرات الدولة التونسية و مؤسساتها وحمايتها من الإختطاف مرة ثانية.. تونس لا يمكن أن تعود إلى الوراء مرة أخرى!!..

عاشت تونس حرّة مستقلّة

عاش الشعب التونسي العظيم

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023