حتى البرامج المدروسة في الجامعة التونسية لم تسلم من الفساد…

حتى البرامج المدروسة في الجامعة التونسية لم تسلم من الفساد…

بقلم: فتحي بوليفة – مدرس باحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة |

من أهم الإصلاحات التي أدخلتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في السنة الفارطة، هو إدماج الإجازتين الأساسية والتطبيقية في إجازة موحدة بداية من السنة الجامعية 2019-2020، وتطلّب ذلك الإصلاح تغييرا وإدماجا للبرامج التي ستدرّس في النظام الموحد الجديد، كما أوصت الوزارة في منشور توجيهي رسمي إضفاء نوع من التخصص في البرامج المدروسة حسب تخصص المدينة مقر المؤسسة الجامعية في نشاط اقتصادي ما، لكن عندما يتدخل الفساد في تلك البرامج نضرب بعرض الحائط ذلك النوع من المناشير. حتى لا أسقط في فخ التعميم سأذكر لكم كيفية صياغة البرنامج في اختصاصي (الجغرافيا) في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة التي أدرّس بها.

لا يختلف عاقلان في تصنيف سوسة “مدينة سياحية“، لذلك اعتقدنا نحن أعضاء قسم الجغرافيا أن إشكاليات النشاط السياحي ستحظى بمكانة هامة ضمن الوحدات المدروسة في الجغرافيا، لكن ما حدث غريب وعجيب…

تدخّل لوبي النفوذ في القسم ليمرر برنامجا على مقاس رئيس القسم المتخصص في جغرافية الهجرة والأستاذ الوحيد النافذ (برتبة أستاذ جامعي) المتخصص في نفس الاختصاص، لتخصيص مادة رئيسية لـ “التحركية الهجرية للسكان” تدرس في مستوى السنة الأولى دون استشارة بقية أعضاء القسم (في إطار التكالب على الساعات الإضافية) والحال أن هذه المسألة أي “الهجرة” تدرس عادة منذ القديم في الجغرافيا السكانية ولا يعقل أن تدرس بصفة منفصلة طيلة سداسي من السنة الجامعية، كما نجدها في نفس الوحدة المدروسة “إعمار الأرض” مع مادة أخرى لا تختلف عنها وهي “توزع سكان العالم وديناميته” (يقصد بالدينامية هنا الحركة الهجرية). في المقابل فرض هذان العضوان على القسم دراسة السياحة كمادة اختيارية ثانوية “الترابات السياحية” في السنة الثالثة وحذفا مادة أخرى تدرّس في كل البلدان المتقدمة وهي “منظومة-العالم“. كما تم رفض اقتراحي بإدراج مادة جديدة تدرّس في كل البلدان المتقدمة حاليا وهي “جغرافية تكنولوجيات المعلومات والإتصالات géo-TIC“. (الصورة)

التلاعب بالبرامج المدروسة في الجامعة التونسية لا يهم فقط مستوى الإجازة، بل يستشري أكثر في مستوى الماجستير، حيث يهيمن هؤلاء أيضا على اختيار نوع الماجستير والمواد المدروسة حسب اختصاصاتهم واختصاصات زملائهم المقربين في كليات أخرى (تونس وصفاقس) الذين يستجلبونهم للتدريس ساعات إضافية بالكلية (ذكرت الفساد في الساعات الإضافية في مقال سابق)، حتى إن كان نفس الاختصاص متوفرا في القسم. يعمل هؤلاء على تبادل الساعات الإضافية في إطار ضيق فيما بينهم، ويعمل أولئك الزملاء على ردّ الجميل بإدراج اختصاص زملائهم في برنامج ماجستير الكلية بصفاقس أو تونس، حتى لو توفر الاختصاص لدى زملائهم في القسم وأحيانا يعمد هؤلاء لاستجلاب مقربين منهم لا تتوفر فيهم الشروط القانونية والعلمية لتدريس الماجستير… في إطار القولة المأثورة “فيد واستفيد“.

ربما يعتبر البعض أن هذا الفساد “صغيرا” مقارنة بالفساد المادي، لكن أقرّ لكم أن هذا الفساد أكثر خطورة على مكتسبات وتكوين الطلبة. من هنا نفهم، ولو بصفة جزئية، سبب عدم ملاءمة الشهادات العلمية للتعليم العالي لسوق الشغل، لأن جل الأساتذة النافذين الذين يدرّسون اختصاصات قديمة، خاصة في العلوم الإنسانية، لا علاقة لها بسوق الشغل الحديث، يصرّون على فرضها في البرامج المدروسة بالجامعة، وكان الأحرى بهؤلاء رسكلة وتحيين مكتسباتهم واختصاصاتهم تماشيا مع عصر التكنولوجيا.

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023