حرب اللقاحات ضد فيروس كوفيد-19 والجانب الانساني المفقود… بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

حرب اللقاحات ضد فيروس كوفيد-19 والجانب الانساني المفقود… بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

هنالك حرب دائرة مستعرة على الساحة الدولية بين شركات الادوية الكبرى العالمية ودولها فيما يخص اللقاحات المتعددة التي انتجت لمقاومة فيروس كوفيد -19 . فهنالك مقالات عدة ظهرت في الصحافة ووسائل الاعلام الغربية تشكك في صلاحية اللقاحات الروسية مثل سبوتنيك 5 وسبوتنيك 7 ومدى فعاليتها مقارنة باللقاحات الغربية وخاصة الامريكية منها. وإذا ما علمنا ان السوق العالمي لمثل هذه اللقاحات يبلغ ما يقارب 100 مليار دولار هذا بالاضافة الى ان هذا اللقاح ربما يجب ان يؤخذ سنويا كما هو الحال باللقاح السنوي ضد الانفلونزا فإننا نستطيع ان نتفهم هذا الصراع المحتدم على الساحة الدولية ونتفهم بالتالي الضغوطات التي تمارس من قبل الدول الغربية وعلى وجه التحديد من قبل الولايات المتحدة على بعض الدول بعدم شراء او تسويق او إعطاء الاذن باستخدام اللقاح الروسي او الصيني في هذه الدول.

والصراع على الاسواق العالمية لبيع وتسويق اللقاحات ليس محصورا بين الدول الغربية وروسيا بل يتعداه الى الصراع والمنافسة بين الدول الغربية وشركات الادوية العملاقة بها. فقد شنت حملة كبيرة على اللقاح الذي انتجته استرازينيكا البريطانية في الصحف الامريكية والاوروبية على سبيل المثال مما ادى الى تعليق استخدامه لعدة اسابيع من قبل العديد من الدول الاوروبية وكل ذلك صب ويصب لمصلحة لقاح فايزر وماديرنا التي تنتجه وتسوقه شركات ادوية امريكية التي تأمل ان تحقق عشرات المليارات من جراء ذلك .

ولم يعد خافيا على كل من يتتبع وسائل الاعلام الغربية وغيرها من ان الولايات المتحدة قد مارست الضغوطات على الكثير من دول امريكا اللاتينية لمنعها من استخدام اللقاح الروسي والصيني. ولقد فشلت لغاية الان المحاولالت والضغوطات الامريكية في منع استخدام وتوزيع اللقاح الروسي في دول امريكا اللاتينية وعلى وجه التحديد في كل من الارجنتين وبوليفيا والمكسيك والبيرو وتشيلي وفنزويلا. ولكنها نجحت في الضغط على البرازيل بعدم شراء اللقاح الروسي وعدم إجازة استخدامه هذا على الرغم من الاعداد الهائلة للاصابات اليومية في هذا البلد الى جانب النسبة المرتفعة للوفيات اليومية من الفيروس والذي تجاوزت 3000 وفاة في اليوم الواحد. وبحسب آخر الاخبار فإن الشهر الماضي شهد 66000 حالة وفاة من الفيروس. كما ورفضت بنما وتحت تأثير التهديدات والضغوطات الامريكية العرض الذي تقدمت به كوبا بتقديم مساعدات طبية لبنما التي تعتبر واحدة من الدول التي وصلت فيها نسبة الوفيات الى مستويات عالية. ومن غير المستبعد ان تستخدم الولايات المتحدة عصا العقوبات على الدول التي تستخدم اللقاح الروسي او الصيني.

الولايات المتحدة لا تضع اولوية لحياة البشر وهي المعروفة بتاريخها الاجرامي وقتل الملايين من البشر في محاولة للحفاظ على هيمنتها وتسلطها على الساحة الدولية وما حصل في فيتنام ولاوس وكمبوديا والعراق وافغانستان وغيرها ما هي الا شواهد حية على هذا الاجرام ويجب ان لا ننسى إرتكابها ربما أكبر مجزرة في التاريخ المعاصر بقتل الملايين من سكان امريكا الاصليين من الهنود الحمر ومصادرة اراضيهم وتشتيتهم في اكبر عملية تطهير عرقي في التاريخ البشري.

ما تخشاه الولايات المتحدة ان يكون الدخول السريع للقاحات الروسية والصينية الى اسواق جديدية في امريكا اللاتينية قد تكون له أثار وتداعيات على المدى الطويل في منطقة كانت ولقوت قريب تعتبر الحديقة والفضاء الخلفي للولايات المتحدة. وما المحاولات المستمرة في إسقاط فنزويلا والنظام القائم بها ومنذ عهد شافيز ولغاية الان هدفها منع تكرار التجربة البوليفارية في دول اخرى من دول امريكا اللاتينية. وهذا ما جعل الولايات المتحدة ومنذ عقود محاصرة كوبا ومحاولات إغتيال كاسترو وزعزعة الاستقرار بها عن طريق مرتزقة دربت على ايدي المخابرات المركزية الامريكية. وتاريخ الولايات المتحدة في اسقاط الانظمة التقدمية في امريكا اللاتينية هو تارخ اسود. ويستحضرني هنا الانقلاب في غواتيمالا عام 1954 والانقلاب الفاشي في تشيلي عام 1973 والانقلاب في بوليفيا عام 2019 وغيرها الكثير الى جانب عمليات الاغتيالات التي مولت وجهزت وتم تنفيذها من قبل المخابرات المركزية الامريكية وعملاؤها داخل هذه الدول.

فشل الولايات المتحدة دوليا في مجابهة اللقاح الروسي على وجه التحديد ربما يعود الى سببين أساسيين أولا لان هذا اللقاح يمكن الحصول عليه باسعار أقل من تلك اللقاحات الغربية مما يشجع الدول الفقيرة او ذات الموارد المحدودة للحصول عليه. هذا الى جانب الاستعداد التي ابدته روسيا بإنتاج اللقاح في مثل هذه الدول مما يخفف عليها الاعباء المادية بشكل ملموس. والسبب الاخر يعود الى الامكانيات الروسية بإنتاج ملايين من الجرعات مما يؤهلها الالتزام بتعهداتها بإيصال هذه اللقاحات في الاوقات المحددة والمتفق عليها. وهذا يستدل عليه من حقيقة ان سبوتنيك -5 اصبح يحتل الان المرتبة الثانية في الاسواق العالمية وخاصة وان أكثر من 50 دولة أجازة استخدامه. ومؤخرا فإن معظم الدول الاوروبية وخاصة المانيا تعمل على استخدام لقاح سبوتنيك 7 الان ومتجاوزة الضغوط الامريكية.

ومما لا شك فيه ان الصراع والمنافسة على الاسواق العالمية ستشتد وتصبح اكثر ضراوة عندما نعلم على انه اغلب الظن ان اللقاح لن يكون أخذه لمرة واحدة فقط ولكنه سيصبح من الواجب أخذه كل عام أسوة بلقاح الانفلونزا السنوي, وخاصة ان هنالك بعض الدراسات التي بينت ان اللقاح قد يفقد مفعوله بعد ستة اشهر وتنصح الاشخاص اللذين اخذوا اللقاح او الذين اصيبوا بالكورونا بضرورة فحص المناعة او ما يسمى بالاجسام المضادة للفيروس, وفي حالة إنخفاض نسبة هذه الاجسام المضادة الى حد معين فإنه يتوجب على الشخص أخذ اللقاح مجددا.

هنالك شركات غربية تسوق كميات قليلة اولا الى الدول التي هي بحاجة ملحة الى اللقاح بأسعار مخفضة بشرط ان تلتزم هذه الدول بشراء كميات كبيرة من اللقاح حصريا من هذه الشركة او الدولة المصنعة. وهذا بحد ذاته ممارسة غير أخلاقية ولا إنسانية لان الشركة تضع مصلحتها وتحقيق الارباح الطائلة على حساب صحة ملايين من البشر الذي تمنع دولهم من تصنيع لقاح أو العمل على إنشاء مراكز خاصة لتطوير لقاحات ضد الفيروسات وغيرها. وهذا ما تؤكده ممارسات منظمة الصحة العالمية والمفترض ان تكون منظمة حيادية ومهتمة بالصحة العالمية وليس طرفا منحازا الى الشركات الكبرى وإحتكاراتها. وللاسف هذا التصرف ينطبق على الكثير من المنظمات والشركات العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي بمجموعها تمنع تصنيع اي منتج في الدول النامية او الفقيرة التي من الممكن ان ينافس او يقلل من بيع هذا المنتج من قبل الشركات الاحتكارية الكبرى.

ومما يدلل على ان منظمة الصحة العالمية هي منظمة مخترقة ومنحازة الى الولايات المتحدة التي تستخدمها لخدمة أجندتها السياسية الاعلان الاخير لهذه المنظمة اننا نحتاج الى مزيد من التقصي بشأن مصدر الفيروس في الصين. هذا بعد ان صدر تقرير حول ذلك قبل فترة بسيطة جدا وبعد ان زار وفد من هذه المنظمة الصين واطلع على كل المعلومات وزيارة اقليم وهان والمختبرات والاجتماع بالعلماء الصينيين واستخلصت المنظمة وبناء على كل المعلومات المقدمة والاجتماعات والزيارات التي قام بها وفدها أن الادعاءات الامريكية من ان الفيروس مصدره مختبرات في اقليم وهان الصيني لا اساس لها من الصحة. وأتى هذا التصريح الجديد بعد ان وقعت الصين إتفاقيات استراتيجية مع إيران في جميع المجالات العلمية والاقتصادية والتجارية ..الخ على مدى 25 سنة. ومن السذاجة بمكان ان يعتقد الانسان تصريح منظمة الصحة العالمية الجديد وتزامنه مع توقيع الاتفاقية الاستراتيجية بين الصين وإيران ما هو الا مجرد مصادفة.

*كاتب وباحث اكاديمي فلسطيني

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023