حركة النهضة الاخوانية بين ثنائية التّرهيب السّياسي والمصاهرة الحزبية..أو أنّ “الخمر ما عادت تُسكِر أحدًا”

حركة النهضة الاخوانية بين ثنائية التّرهيب السّياسي والمصاهرة الحزبية..أو أنّ “الخمر ما عادت تُسكِر أحدًا”

بقلم: د. مصباح الشيباني |

يقول الكاتب محمد توفيق: “بأن التاريخ هو الذي يحكم على الأغبياء بثلاثة أحكام: اما بالجلوس بين الخالدين، أو بالذهاب الى الجحيم، او بالانضمام الى التافعين الحمقى الذين لم يفعلوا شيئا، ولم يضيفوا شيئا جديدا، وان فعلوا أضرّوا أكثر مما نفعوا، وكانوا سببا في انهيار دولهم”.

هذا القول يصدق على الحالة السياسية التونسية بقيادة حركة النهضة الاخوانية، حيث ان الحماقة السياسية لدى هذا الحزب والتنظيمات الاخوانية بشكل عام، لها اوجه متعددة تتراوح بين التعويل على الاعداء من الداخل مثل لوبيات الفساد وشبكات المافيا.. او الارتماء في احضان الاعداء من الخارج من الشرق والغرب مع التنكر للشعوب الذين يساندوهم خاصة ضد ما ينعتونها ، زورا وكذبا، بالمظالم السياسية. ونتيجة غبائهم وصلوا الى حالة من الرداءة والهذيان والدجل وعدم الرشد السياسي، حتى أصبحت في بلادنا ” المياه كلها بلون الغرق”( اميل سيوران)
لا توجد أية قوة في العالم تجبر الانسان – فردا او مجموعة – على خيانة الوطن الا اذا كانت لديه الاستعدادات الاولى لذلك، أو نشأ على ما يسميها مالك بن نبي ب” القابلية للاستعمار” من خلال اسلوب التنشئة السياسية ” المبتورة” التي اعتمدها منذ ظهوره على الساحة السياسية. اذا، هناك علاقة بين البيئة السياسية التي نشأ فيها التنظيم العالمي للاخوان في مصر ( 1928)، وبين افعالها ومواقفها السياسية التي تراكمت خلال العقود الماضية. ولم يعد يشك أحد ان تنظيم الاخوان هو أحد الفعاليات او ” التعبيرات السياسية الناعمة” للاستعمار في بلادنا، وأن تربيتهم هي تربية استعمارية حولتهم الى اشخاص وأحزاب منقطعين عن أصولهم المجتمعية والثقافية ( رغم الادعاء بانهم يمثلون الاسلام) ومحتثين عن أوطانهم يصدق فيهم قول الله سبحانه وتعالى ب” الأبتر”.
في تونس، عملت حركة النهضة الاخوانية منذ عام 2011 بعد أن فازت في الانتخابات التشريعية للمجلس التأسيسي على تشكيل مشهدية سياسية يحكمها منطق أو ” براديغم” منظونة ” التواطؤ بين الاضداد” مع جميع الاحزاب والمنظمات البراغماتية والليبرالية والراسمالية مع الحفاظ على بعض الرواسب في الدهاء والمكر السياسيين ، وتغيير أساليب اللعب بحسب تغير السياقات الاقليمية والدولية. واهم أسلوب اعتمدته في تحقيق مبدأ “التوا طؤ بين الأضداد” هو الأسلوب الذي يرتكز على ” الدينامية المطواعة” في الخيانة لجميع مبادئها التضليلية وشعاراتها السياسية وحتى الثقافية، حتى أنها جعلت من أتباعها سعداء بالمعاناة وتمكنت من النجاح في ترويض روحهم وسط احزان الحياة اليومية.
دون ان نتعمق في تحليل ابعاد هذا الاسلوب الاخواني الانتهازوي بشكل اكثر، نكتفي بالاشارة الى انه يعبر عن مرحلة خطيرة وترجمة فعلية ل” النزعة الغنائنية” لهذه الحركة حتى لو كان الرهان مقابل الظفر بالغنيمة هو التفويت في الوطن.
وتعقيبا على ما صرح به القيادي النهضوي “رياض الشغيبي يوم امس باحدى الاذاعات، حول استعداد النهضة للتحالف مع ” حزب الدستوري الحر” . هذا الموقف ليس جديدا في سياقه العام (منذ 2011 تقوم النهضة بشن حرب وهمية حتى افسدت المشهد ضد كل من يعترض سبيله..)، فقد سبق وأن أعلن قادتها وغبروا عن قبولهم بالتحالف حتى مع الشيطان الى ان حولوا حزب النهضة، خاصة بعد انتهابات 2019, وتجنبا لسقوطهم الكارثي، حولوه الى حزب هجين تلتقي فيه جميع السلالات ” المُرسكلة” خارجيا، ومن بقايا النفايات الحزبية الليبرالية والتجمعية المنهزنة في المعارك الانتخابية، وهو من الأسباب الرئيسة التي دفعت بالقيادي ” لطفي زيتون” ( الذي احيي فيه شجاعته ووطنيته وصدقه مع نفسه) وغيره من قادة الحركة الى الانسخاب، اضافة الى قبول النهضة بتسليم ادارة الشأن العام في البلاد الى سفراء الدول الاستعمارية….الخ.
اذا كان الاخوان يعتقدون ان تخالفهم مع الدستوري الخر وشبكات المافيا وغيرها سوف ينقذهم من السقوط و” الانقراض السياسي” البطيء، فهم واهمون وقليلوا المعرفة بسنن التاريخ وعبره. ويجب ان يدركوا ان التنظيم العالمي لااخوان بصفته الكلاسيكية قد اصبح مثل الشجرة التي تقف عارية امام الرياح في ظل التغيرات الاقليمية والدولية التي لم تعد في صالحهم، وان يدركوا انهم يعيشون في لحظة تاريخية متحولة، لكن يبدوأنه من الصعب أن يتحرر السذّج من عقائهم العمياء ومن أغلالهم التي يقدسونها.
ماعادت مواقف خركة النهضة وشطحاتها السياسية في اتجاه اليمين واليسار تستفز أحدا، لانها لن تعيد شيئا من الوطن في مكانه ولا سلطة في الولة لمقامها لانها دمرت طريقة التونسيين بأكملها. ولقد ادرك الشعب التونسي كله دون استثناء، بمن فيهم قطيعكم رغم صمتهم، أن أساليب تضليلكم باتت مكشوفة وأنها ووصلت بكم الى طريق مسدود، ولم يبق أمامكم من اجل لملمة حبات المسبحة المنفرطة غير الخروج من المشهد بطريقة سلسلة وتسليم مفاتيح السلطة الى من هم اكثر منكم قدرة على المسك بخيوط اللعبة امام خطورة الوضع في البلاد. لقد بدأ صبر وكلائكم ينفذ ومصالحهم مهددة، وعندئذ، سوف يتم التخلي عنكم والبحث عن بديل لكم يحفظ هذه المصالح.
في الأخير، نصيحتي المتواضعة جدا، الى قادة حركة النهضة الاخوانية ، طالما أنكم مستعدون للتحالف مع الجميع من اجل التمديد في انفاسكم ولحفظ ماء الوجه عودوا الى الهانش، واغيدوا الامانة – الوطن- الى اهلها مثلما تسلمتموها، وسيكون الشعب شاكرا لكم رغم ما اقترفتموه من جرائم، ورغم منجزاتكم المكثفة من الرزايا وأشكال الدمار الاقتصادي والاجتماعي السياسي…الخ. لم يبق لنا ما نقوله في توصيف هذا الموقف أفضل مما قاله الكاتب التونسي ” محمد الحيزاوي” في روايته : ان الخمر ما عادت تُسكر أحدًا!

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023