حزب الله يعلن الحرب على الفساد (جزء 1)…بقلم: صلاح المصري

حزب الله يعلن الحرب على الفساد (جزء 1)…بقلم: صلاح المصري

كل متابع لمسيرة المقاومة الإسلامية، حزب الله،تغزوه الأسئلة حول موقف حزب الله من الفساد المالي  والإداري الذي ينخر جسم الدولة اللبنانية، ويستغرب كثيرون من حالة التعايش بين مقاومة ترفع راية الصدق  والتضحية  والفداء من أجل الوطن  وتقدم قوافل الشهداء ثم تسلم هذا الرصيد في ايدي متهمة بالفساد  واللصوصية  والسرقة  وهدر المال العام  وبيع الذمم للقريب  والبعيد؟ ماهوالسر في ذلك الصمت المستمر؟ إلى درجة أن البعض ذهب إلى الضيق الشديد بموقف الصمت، واعتبرها نقطة ضعف كبيرة ستضعف المقاومة  وتحرمها من توحيد الشعب اللبناني  وأن المقاومة ستبقى رهينة لدى الزعماء الفاسدين مما يسمح بالقضاء عليها في اللحظة الفارقة،
#الظلم_ملة_ واحدة
إن المفهوم المؤسس للعمل السياسي الإسلامي وإقامة العدل  وزوال الظلم :
” لقد أرسلنا رسلنا بالبينات  وأنزلنا معهم الكتاب  والميزان ليقوم الناس بالقسط ”
” إن الله يأمر بالعدل  والإحسان  وإيتاء ذي القربى  وينهى عن الفحشاء  والمنكر  والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ”
وقد جاء في آخر  وصية لامير المؤمنين علي بن ابي طالب:
” كونوا للظالم خصما  وللمظلوم عونا ”
فالعدل قيمة ممتدة من السلوك الفردي البسيط الى النظام السياسي  والاقتصادي  والاجتماعي المعقد،
ولا يمكن أن تتوقف حركة الأمة الإسلامية في خط إقامة العدل لأنها كلما بلغت مرتبة فإنها ستجد نفسها أمام مراتب تفوق ما أنجزته، وهكذا تبقى الحركة مفتوحة، ولذلك فإن حزب الله لن يتوقف في حركته عند ظلم معين دون آخر  وانما ستمتد مساحات اهتمامه دون نهاية محددة،
لكن من حقه  ومن مظاهر العقلانية  والتخطيط أن يختار بأي ظلم يبدأ، وهو المسؤول عن ضبط الأولوية.
#القيادة_صدق_رؤية_تضحية
جاء في القرآن الكريم ” قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة..”
وقد عملت المقاومة في أشد الظر وف تعقيدا، وواجهت في مسيرتها مؤامرات لا تحصى، ووجدت نفسها أمام أعداء من الخارج  وخصوم من الداخل  وعملاء  ونظام ينخره الفساد  والمحاصصة الطائفية  والحزبية  والمناطقية  والقبلية،  ولم يتوقف العدو الصهيوني  والأمريكي  وأدواته في المنطقة، عن التخطيط  والتآمر على المقاومة لحظة  وأنفقوا مليارات الدولارات في سبيل القضاء على هذا النموذج الجديد من المقاومة الوطنية  والعربية  والإسلامية،
ولذلك لم يكن سهلا السير  وسط هذه الغابة الكثيفة من الأعداء  والخصوم، وفي بلد صغير مساحته عشرة آلاف كلم2،
وكان الاختيار منطقيا أن تكون البداية بالاحتلال الصهيوني،
وأن يرافق ذلك التزام كبير ببناء مسلكية جديدة  ونموذج جديد في الوسط السياسي اللبناني  والعربي، كما جاء في  وصية الإمام علي : “اجعل نفسك ميزانا بينك  وبين غيرك فلا تظلم كما لا تحب أن تظلم”، استطاع حزب الله ان يكون النموذج في العطاء  والفداء  والإخلاص للوطن، يكفي أن نذكر استشهاد السيد هادي نصر الله، الابن الأكبر للامين العام للحزب،  واستشهاد عدد كبير من قادة الحزب، مما جعل العالم كله ينجذب الى هؤلاء الرجال الذين أثبتوا تميزهم  واختلافهم عن جميع التجارب السابقة،
وأبقى الحزب على نفس المسلكية المعنوية الجديدة بعد انتصاراته الكبرى ضد العدو الصهيوني في عام 2000  وعام 2006،  وجوهرها الآية الكريمة : إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء  ولا شكورا” فهو يقوم بواجبه في إذلال العدو والدفاع عن حرمة لبنان  وكرامته  وسيادته، ويريد المشاركة في تحرير القدس  وفلسطين  ولا يريد أي ثمن سياسي في مقابل ذلك، ولا يريد استثمار تلك الانتصارات مطلقا على مستوى السلطة  والنفوذ في ساحة الصراع السلطوي اللبناني،
وقد اكد حزب الله مرات عديدة ان دخوله الى الحكومة اللبنانية إنما بهدف حفظ المقاومة  وحماية ظهرها من أي خيانة.
#المقاومة_قوة_اقليمية
كانت الهندسة الأمريكية الصهيونية تقضي بضرورة الاجهاز على المقاومة عبر البوابة الشرقية، سوريا،  وجاء اللباس مخيطا  وعلى مقاس الواقع المحلي  والإقليمي، ثورات عربية شعبية ترفع شعار الحرية  والكرامة  وتشحن الناس في كل مكان ضد الاستبداد  والفساد  وتحمل بعض مكوناتها مخزونا طائفيا،  وظن كثير ون أننا أمام تسونامي لن توقفه أي قوة، والشعارات الكبرى لا تقبل الاستثناء  ولا تقبل التجزئة  ولا تقبل النقاش العقلي الهادئ.
كان ظاهر الهندسة أن مسيرة بناء الديمقراطية العربية لن تتوقف  وأن ربيعا عربيا عظيما انطلق  وسيمتد الى كل المنطقة سيشمل أصدقاء أمريكا  وأعدائها.
وقفت المقاومة في أشد اللحظات حرجا، فهي متهمة بدعم “نظام فاسد  ومستبد”  ومتهمة بتعطيل “ثورة شعبية عربية”،
ولكن بعد مرور سنة على اندلاع الأزمة السورية انجلى الغبار الكثيف الذي أراد العدو ان يتغطى به، وظهرت الهندسة الحقيقية  وراء ذلك، ان الاصطفاف الرجعي  والأمريكي ضد الحكومة السورية  ودخول الإرهاب التكفيري السريع على خط المعركة، بدأ يكشف للعالم سيناريو سايكس بيكو الجديد.
وتدرج حزب الله من الدعم السياسي للدولة السورية إلى الانخراط الميداني الكبير في المعركة حيث صارت الجبهة السورية مركز اهتمام أساسي  وقدم فيها حزب الله عددا لا يقل عن شهدائه في حرب التحرير الأولى ضد الصهاينة، ويكفي أن نتذكر أن له أكثر من عشرة قادة استشهدوا في سوريا  وفي مقدمتهم القائد العام الشهيد مصطفى بدر الدين، خلف الشهيد عماد مغنية،
بعد ثمانية سنوات من القتال، حقق محور المقاومة انتصارا كبيرا على المشروع الصهيوني  والأمريكي،  واكتسب الحزب شرعية جديدة عند فئات  واسعة من الشعب اللبناني  والعربي، ظهر ذلك بوضوح في الانتخابات النيابية 2018،  وحقق الحزب نصرا سياسيا كبيرا عندما تم انتخاب العماد ميشال عون ( الحليف المسيحي القوي للحزب) رئيسا للجمهورية اللبنانية.
تعاظمت قوة حزب الله  وأصبح رقما إقليميا صعبا،  وانتقل الحديث في لبنان إلى أن حزب الله اكبر من الدولة  وليس دولة في  وسطها،
والصادقون ينتظرون دوما، متى يعلن حزب الله الحرب على الفساد؟ لقد أنهى معارك كثيرة  وصارت له غالبية سلطات الدولة
رئاسة الجمهورية  ورئاسة البرلمان  وحضور قوي في مجلس الوزراء؟
#استكمال_معركة_أم_استباقها؟
تساءل السيد حسن نصر الله في إحدى خطاباته، هل دخلنا سوريا في الوقت المناسب أم تأخرنا قليلا أم سبقنا؟
تخضع التقديرات السياسية الوطنية  والشرعية الى موازين كثيرة  وليس من رأى كمن سمع، ليس من يحمل الجمر كمن يصفه، ليس من علم ظاهر الأمور كمن خبرها  وفحص باطنها،
” أي بني إني  وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم  وفكرت في أخبارهم  وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم بل كأنني بما انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم الى آخرهم فعرفت صفو ذلك من كدره  ونفعه من ضرره” هكذا كان علي بن ابي طالب يشدد على ابنه الحسن حتى يتجاوز ظاهر الهندسة السياسية  ويذهب إلى الأعماق ليدرك ببصيرة شاملة اللحظة التاريخية التي يمر بها فيسمح له ذلك باتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية المسيرة  وصناعة المصير، ويمكنه من الملكة التي عبّر عنها قائد المقاومة ” سنكون حيث يجب أن نكون”
لهذه الحرب الجديدة عناوين كثيرة  وحيثيات مختلفة  وزمنا طويلا  ومشقة شديدة،
إن العنوان العميق للمعركة الجديدة أن حزب الله يواجه الجيل الرابع من الحروب الذي تسميه الدوائر الاستكبارية: الدولة الفاشلة،
وهو السياسة التي تم تنفيذها في العراق  وليبيا  وارادوا تنفيذها في سوريا،
وقد تحدث عنها السيد حسن في خطاب 8مارس 2019 عندما قال: “إن الدولة اللبنانية على حافة الانهيار”.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023