حقوق الإنسان في السياسة الأمريكية…بقلم: محمد الرصافي المقداد

حقوق الإنسان في السياسة الأمريكية…بقلم: محمد الرصافي المقداد

في مشهد مقرف رهيب هز مشاعر أحرار العالم، بينما كان الشرطي الأمريكي الأبيض العنصري واضعا ركبته على رقبة المواطن الأمريكي الملوّن جورج فلويد، والضحية يصيح به متوسّلا طالبا إنقاذه، على مرأى ومسمع ممن كان حاضرا، ولا يقدرون على فعل شيء، جسّد عقلية عنصرية مريضة، لا زالت بادية بآثامها، في المشهد العام السياسي والإجتماعي الأمريكي، عيّنة تذكرنا بعقلية الإجرام، التي تأسس عليها نظام الحكم في أمريكا، وهي مع ذلك ورغم قساوتها، لم تؤثر بشيء في علاقات أمريكا مع المنتظم الأممي ودوله، فشكل بخضوعه وخنوعه عامل استقواء وتحكّم، زادا من غطرسة حكام واشنطن واستكبارهم على العالم.

لقد صم آذاننا صياح ساسة الغرب منذ عقود، وفي مضمونه ادّعاء، استهوى المتغربين من ساستنا ومثقفينا، لم نجد له أثرا ولا دليلا، نسترشد به على صدق صيحاتهم، يؤيد دفاعهم عن سياسة الغرب، بشأن حقوق الإنسان في أنحاء العالم، ويتركز خصوصا في الدول التي تعتبرونها خارجة عن طوعهم، ومتمردة على إراداتهم، ومعارضة لسياساتهم، قد تحررت من عمالتهم، ولم يعد هناك مجال لإعادتها إلى سالف حالها الذي كانت عليه.

ادّعاءات أمريكية غربية برعاية حقوق الانسان، وصلت إلى حد المراوغة والكذب واستعمال هذا الشعار، من أجل تحقيق مكاسب سياسية، على حساب الدول المتهمة بانتهاك تلك الحقوق، من وجهة نظر هؤلاء،  فعندما تنتقد أمريكا حقوق الانسان في إيران، فعلى أساس عدائي متأصل في سياستها تجاهها، وهي عندما تعبّر عن دعمها ومساندتها للأعمال الإرهابية التي ينفذها عملاؤها داخل إيران، وتخطط لزيادتها راصدة مبالغ مالية ضخمة لأجلها، تكشف كل مرة على زيف شعاراتها، بشأن القانون الدولي وحقوق الانسان، فتنتهكه بكل وقاحة.

وعندما تشن حملة اعلامية ودبلوماسية بتعلة انتهاك حقوق الانسان في ايران، فالهدف الذي تريد امريكا والدوائر الصهيونية الغربية الوصول اليه، هو الاساءة إلى النظام الإسلامي هناك، وتقديمه الى شعوب العالم بأنه نظام معاد لحقوق الانسان التي يدعو إليها الغرب، وعندما ينتقد وزير الخارجية الأمريكي، أوضاع حقوق الإنسان في الصين، ندرك جيدا أنه آخر من يهتم بها، وانما يجب تسجيل موقف حكومته، في إطار ذلك الإصرار المتنامي بين قوتين كبيرتين في العالم، بين قوة بدأت تشكل ثقلا مهمّا، باستطاعته أن يزيح أمريكا من موقعها المتقدم على بقية دول العالم، وهو السبب الوحيد الذي دفع بالخارجية الامريكية على الرفع من مستوى تصريحاتها، من أجل الاساءة لإيران والصين وفنزويلا، وكل دولة لا تستجيب لإرادة السياسة الأمريكية .

حقوق الانسان كما يراها الساسة الامريكان، تتلخص في الحق الأمريكي الأول، للهيمنة على دول وشعوب العالم، حتى حلفاءه الذين كبّلوا أيديهم بقيوده، وطوّعهم الى ارادته، على حذر من تغيّر أمزجتهم ذات الطابع الصهيوني المتقلب، ولو كان حكام واشنطن صادقين في سياساتهم الداخلية ، لساووا بين مواطنيهم البيض والسود، ولو كانوا صادقين في سياساتهم الخارجية، لما صنّفوا حركات التحرر، وكل مظهر لمقاومة الاحتلال واسترداد الحقوق ارهابا، كحركات التحرر في أمريكا الجنوبية، وحركات مقاومة العدو الصهيوني في فلسطين، ولبنان واليمن.

إنّ من أراد أن يرى أمريكا عارية، من مزاعمها في الانسانية وحقوقها، فلينظر إلى أفعالها في هذا العالم، حيث سيجد أنه لم ينجو من شرورها شعب، ولا أمن من أحابيل عدوانها بلد، حتى الفئات المسحوقة من شعبها، ولعل أكبر متضرر منها لحدّ الآن إيران الإسلامية، على مدى 41 عاما من الحصار والعقوبات، امتدادا لقائمة الدول من كوبا والى كوريا الشمالية إلى فنزويلا، وما زال سجل عدوانها مفتوحا، في وجه كل من يجرؤ على معارضتها، ويقف في وجه تسلطها واستغلالها.

لقد أجادت مقررة الأمم المتحدة، أنييس كالامار Agnès Callamard، المتخصصة بالقتل خارج نطاق القضاء، في تقريرها الذي قدمته أمام مجلس حقوق الانسان، التابع للأمم المتحدة، بتاريخ 10/7/2020، الى اعتبار أنّ عملية اغتيال الشهيد سليماني، التي نفذتها أمريكا بحق قائد عسكري كبير، حل بمطار بغداد الدولي، استجابة لدعوة رسمية من الحكومة العراقية، انتهاكا للقانون الدولي (1)، وأن أمريكا تذرّعت بالدفاع عن نفسها لاغتيال مسؤول رسمي، وهذا تطوّر خطير. (2)

عملية اجرامية جبانة، واجهت للأسف صمت أغلب الدّول ومحافلها، كشفت لنا مدى خضوع العالم وانقياده للنزوات الامريكية، وتعامله إزاءها جرائم ونتائج، بصمت مريب في احسن الحالات، خوفا من فقدان ما ترمي به اليهم الخزانة الامريكية من فتات مساعدات، هي في حقيقتها حقوق شعوب من فوائض أموال محجوزة لديها، يذهب أغلبها الى الكيان الصهيوني، لتثبيت بقائه محتلا للأراضي الفلسطينية، سياسة عالم ثالث مشوبة بذلّ وعار لا يمحيه تعذّر لمعتذر.

زمن التحرر من الهيمنة الامريكية أصبح من أوكد نضالات الشعوب الحرّة، ولا يمكن ان يتمّ ذلك بالقدر المطلوب، سوى بتقوية جبهة معارضة سياستها الإستكبارية، وبذلك يتم خنق نزعتها العدوانية، فلا تجرؤ على ارتكاب جرائمها، بدعوى محاربة الارهاب، بينما هي تمهّد لسيطرة كيان عنصري آخر، هو الكيان الصهيوني، وتعمل على بسط نفوذه النهائي في منطقة الشرق الأوسط.

1 – كالامار تصف اغتيال سليماني بأنه انتهاك للقانون الدولي

https://m.arabi21.com/Story/1284048

– 2 كالامار: أمريكا شوهت مبدأ السيادة في اغتيالها للفريق سليماني

https://www.alalamtv.net/news/5041951

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023