حوار عن الثقافة والجوائز الأدبية…

حوار عن الثقافة والجوائز الأدبية…

منذ يومين كنت قد شاركتُ في نقاش مثمر مع عدد من الأصدقاء حول موضوع أو قضية الجوائز الأدبية، وعلى الفور تذكَّرتُ حوارا حول نفس الموضوع كانت الصحفية في جريدة الشعب ، آمال مرابطي قد أجرته معي قبل وفاتها – رحمها الله- في حادث مرور في شهر أوت سنة2016 حول مدى وجود أو حضور الثقافة، وعن أهمية ودور الجوائز الأدبية، ومايتعلق بهذا الموضوع من تساؤلات وأفكار، وقد ارتأيت أن أرسله إلى يومية ” المحور العربي ” كما هو، إن رأت مسوغا لنشره، لأن مضمون هذا الحوار لايزال يخص الراهن الثقافي جزائريا وعربيا، وخاصة لجهة الجوائز الأدبية ودورها التحفيزي، وإليكم الحوار.

هل الثقافة مفقودة اليوم ؟ أم أن هناك اهتمام بالمثقف ؟

لا يمكن أبدا أن نتحدث عن فقدان الثقافة في أي فترة زمنية معينة ولا في أي  مجتمع إنساني كان، حتى في تلك المجتمعات الأكثر بدائية، والمعروف أن العديد من علماء الأنثروبولوجيا والاجتماع قد أعادوا النظر بصورة جذرية في الكثير من المفاهيم المتعلقة بالمجتمعات المسماة بـ ” بالبدائية ” لأن الأبحاث بينت أن مقولة البدائية مقولة نسبية ولا تستطيع أن تعكس بقوة حقيقة تلك المجتمعات، وكل ما يمكن تأكيده بهذا الشأن أن هناك ثقافات قوية ومشعة وتؤثر في الأخرين، وهناك ثقافات ضعيفة منطوية على نفسها وقليلة التفاعل مع محيطها القريب أو البعيد، بمعنى أنه كلما تعلق الأمر بوجود تجمع إنساني ما فهناك بالضرورة وجود للثقافة بغض النظر عن مكوناتها ومدى انتشارها وتأثرها بالآخرين أو تأثيرها فيهم، ويمكن الحديث عن فقدان الثقافة في حالة واحدة فقط، وهي انعدام الوجود الإنساني ذاته، فهناك تلازم عضوي بين الإنسان والثقافة وهو الأمر الذي يُميِّز الإنسان عن سائر المخلوقات.

واذا نحن تناولنا الواقع الثقافي في الجزائر اليوم فمن المستحيل أن نتحدث عن فقدان الثقافة، لأنه توجد  فعلا حركة ثقافية وفنية يمكن أن ننتقد بعض جوانبها لكن لا يمكن إنكار وجودها، ويكفي أن نشير إذا تحدثنا عن هيئة وطنية إلى الجهود التي يقوم بها المجلس الأعلى للغة العربية من إصدارات متميزة وملتقيات وندوات، أو ما تقوم به المحافظة السامية للأمازيغية من مبادرات ومنتديات ، أما إذا تحدثنا  عن هيئة جهوية فيكفي أن نشير إلى جهود المتحف الجهوي للولاية السادسة التاريخية بولاية بسكرة ،وهناك أدباء  يبذلون جهودا صادقة في خدمة الأدب الجزائري مثل الدكتور أحسن تليلاني أستاذ اللغة والأدب العربي بجامعة سكيكدة والذي يعد بحق فيلسوف الأدباء، ويملك قدرة رائعة في إحداث التفاعلات الخلاقة بين التاريخ والفلسفة والأدب كما أن نزعته الثورية النوفمبرية تُضيف أبعادا وجودية ملهمة لإنتاجه الأدبي خاصة في مجال المسرح، وهذه مجرد أمثلة، لكن يبقى أنَّه من الضروري أن نتساءل عن مفهوم الثقافة الذي نعنيه ونتبناه، وهنا أحب أن أؤكد على أهمية التعريف الذي قدمه الأستاذ علي آذر شب أستاذ الأدب العربي بجامعة طهران ويقول فيه:” الثقافة هي مشروع تحريك الجماعة البشرية نحو الإبداع الحضاري في مختلف المجالات ” فالثقافة مشروع وليست مجرد مبادرات متفرقة أو مؤقتة، لذلك لا يكفي وجود حركية ثقافية بل يجب أن تستلهم هذه الحركية الثقافية بكل أبعادها وتستوحي فلسفة المشروع الثقافي الوطني حتى لا يتحول الفعل الثقافي إلى حركة معزولة أو مصطنعة، وحتى لا يفقد المثقفون والأدباء والمبدعون وجهتهم أو قواهم الدافعة، أما سؤالكِ عن مدى وجود الاهتمام بالمثقف من عدمه، فهو سؤال إشكالي ويحتاج إلى مستويات عدة من التحليل، من هو المثقف ؟ وما نوعية الاهتمام المطلوب إحاطته به ؟ و من هي الجهات التي يقع على كاهلها عبء هذا الاهتمام؟ أهي جهات رسمية فقط أم يتوجب على فعاليات المجتمع المدني أن تنهض بواجبها في هذا الصدد ؟ وبالمقابل ما هو واجب المثقف تجاه قضايا مجتمعه ؟ وهل يهتم كبار المثقفين والأدباء في الجزائر بالمثقفين والمبدعين الصاعدين، كما كان يفعل مثلا عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، أم أن الاحتكار و تمجيد الذات هو سيد الموقف؟ وعلى العموم فإن على كل مثقف أو مبدع  في الجزائر كما في أي بلد آخر أن يتعامل مع جملة من التحديات التي تقتضيها طبيعة الأشياء، وحياة كبار المفكرين والادباء  في أكثر الدول تحضرا وقوة شاهدة على هذه الحقيقة في الماضي أو في الحاضر،فلا وجود لإنجازات كبيرة دون تحديات وصعوبات ومعاناة، ومن يعتقد أن النجاح الأدبي والإبداعي يمكن أن يكون هدية سهلة فهو واهم إلى حد بعيد، ويبقى سؤال الثقافة والمثقف سؤال كل العصور، وهَمْ كل المجتمعات.

المسابقات الأدبية برأيك، كيف ساهمت في تشجيع المثقف على المواصلة ؟ أم أنها لا تتعدى التكريمات السطحية التي لا تخدم المبدعين ؟

المسابقات الأدبية والثقافية بصورة عامة موجودة في كل دول العالم فهي ظاهرة عالمية بحق، فهناك مسابقات أدبية خاصة بالثقافة الفرونكوفونية، وأخرى خاصة بالثقافة الانجلوساكسونية، ومسابقات تخص العالم الناطق باللغة العربية واللغة الاسبانية…أي أن كل الدول وكل الثقافات أدركت أهمية المسابقات الأدبية وخصصت لها جوائز مالية وامتيازات مادية ومعنوية كثيرة تُشكل في مجموعها حوافز حقيقية للمبدعين، كما أن الكثير من هذه المسابقات يحظى بالتغطية الإعلامية الواسعة مما يزيد من أهميتها والترويج للأسماء الفائزة بها، لذلك فمساهمة المسابقات الأدبية في تشجيع المثقفين والمبدعين حقيقة راسخة ومؤكدة، ويمكن الإشارة مثلا فيما يخص العالم العربي إلى الجائزة العالمية للرواية العربية ” البوكر” الخاصة بالإبداع الروائي العالمي في اللغة العربية، وجائزه الشارقة للأدب المكتبي التي ترتبط باليوم العالمي للكتاب، وجائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري والتي تهدف إلى الارتقاء بالشعر العربي واسترداد مجده ومكانته وحقه في الحياة، وهناك جوائز أدبية وفكرية كثيرة تمنحها مثلا مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، كما يقوم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت أيضا بتخصيص العديد من جوائزه الكثيرة للأدباء الناشئين أو الناضجين وهي تجربة ناجحة جدا يمكن لنا أن نستفيد منها في الجزائر التي هي بحاجة ماسة إلى تأسيس العديد من المسابقات الادبية التي تتوج بجوائز هامة لأن المجتمع الجزائري مجتمع شاب ويمتلئ بالحيوية والرغبة في النجاح وإثبات الذات، وقد تجلى ذلك مثلا في الإقبال على المشاركة الواسعة في جائزة رئيس الجمهورية ” علي معاشي ” للمبدعين الشباب، فهذه المسابقة  أصبحت موعدا سنويا لا يُفَوَتْ بالنسبة للشباب المبدع، كما أن بعض الولايات قامت بتأسيس مسابقات أدبية تخليدا لبعض الشخصيات الادبية كما هو الحال مع المسابقة الادبية الخاصة بتخليد سيرة وأعمال الاديب “محمد بن أبي شنب” على مستوى ولاية المدية.

وعليه نستطيع التأكيد على أن المسابقات الأدبية وما يرتبط بها من جوائز ومحفزات ساهمت وتساهم بطرق متعددة وفعالة في تشجيع المبدعين وإقناعهم بجدوى المواصلة على درب الابداع، وكثيرا ما كانت بعض المسابقات فرصة ونقطة انطلاق لمفكر أو أديب  كبير وقصة الكاتب الرومانتيكي الفرنسي جان جاك روسو 1712-1778 مثال مؤثر، فقد ظل يكتب سنوات طويلة دون أن يسمع به أحد ولم يصبح معروفا باعتباره كاتبا إلا في سنة 1749 وهو العام الذي نظم فيه المجمع العلمي في ديجون مسابقة حول مسألة ما إذا كانت الأخلاق قد استفادت من نهضة العلوم والصناعات ؟ فنال روسو الجائزة ببحث أجاب فيه عن السؤال بالنفي ولكن بحجج بارعة، وأسلوب أدبي مثير، ومنحته اللجنة الجائزة رغم عدم موافقتها على طرحه، وذلك تقديرا لشجاعته في الدفاع عن رأيه، ومن يومها بدأ كتابة مؤلفاته التي خلدت اسمه.

ومن السهل أن نلاحظ أن دول الخليج العربي سواء تعلق الامر بالمؤسسات الرسمية أو المؤسسات الخاصة تتفوق بشكل واضح على دول المغرب العربي فيما يخص نوعية وعدد المسابقات الادبية والثقافية بوجه عام، ولا يمكن تعليل هذا التفوق بوفرة المال في الخليج العربي، فهناك مئات من رجال الأعمال الكبار في المغرب العربي ،ولكن كم واحدا منهم بادر بتأسيس مسابقات أدبية على غرار رجال الأعمال الخليجيين؟ واستكمالا للإجابة على سؤالك في شقه الثاني، أقول: أن المسابقات التي تعد تكريمات سطحية لا تخدم المبدعين هي تلك المسابقات التي تفتقر إلى الجدية ويعوزها  الصدق والدوافع النبيلة، أو تمليها نوازع الانانية والرغبة في استغلال أسماء الناس  كتلك المسابقات التي تعلن عن رصد جوائز هامة للفائزين دون تحديد نوعية ولا قيمة هذه الجوائز وهو ما يعد  استخفافا بالقانون، وعبثا بالضمائر.

ما هو رأيكم  فيما يخص تمويل هذه المسابقات، أم أن الأمر يتعلق بمسابقات ظرفية تنتهي بانتهاء الحدث ؟

توفير التمويل اللازم مسألة حاسمة ، إذ لامعنى إطلاقا لأي مسابقة أدبية لا تتوج  بجوائز مالية وامتيازات مادية أو معنوية، وانطلاقا من هذه الحقيقة نستطيع أن نفهم  شهرة وأهمية بعض المسابقات التي تتوفر على مصادر تمويل مضمونة بشكل دائم، لكن توفر المال وحده لا يكفي إذ أن إعلان هيئة أو أحد رجال الأعمال عن مسابقة ما يعني بالضرورة توفر رؤية فكرية أو موقفا فلسفيا معينا، وهو ما يفسر توفر بعض المؤسسات على ميزانيات ضخمة لكنها مع ذلك عجزت عن تأسيس مسابقة أدبية واحدة لأن الكادر المسير فقير ثقافيا ومفلس فكريا وأدبيا ،كما أن طرق اختيار الفائزين وتكريس معايير موضوعية في الانتقاء مسألة بالغة الأهمية في ضمان مصداقية واستمرارية المسابقات الادبية التي تعد مشروعا متكاملا لا يمكن ضمان نجاحة إلا بعد استكمال عناصره المادية والمعنوية .

هل هناك اهتمام ومتابعة للفائزين في مختلف المسابقات، وكيف تجري هذه المتابعة إن وجدت ؟

المهمة الأساسية للمسابقات الأدبية هي اكتشاف وتحفيز المبدعين ماديا ومعنويا على تعزيز الثقة في أنفسهم لمواصلة مسيرة التفكير والإبداع، ومتطلبات الحياة الثقافية تفرض العمل على تكريس ثقافة التنافس الادبي ابتداء من المرحلة الثانوية على الأقل، ففي بعض المقاطعات بفرنسا مثلا ينظمون سنويا مسابقة خاصة بالثانويين والمتربصين ، ونفس الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية، فالمرحلة الثانوية مناسبة جدا كنقطة انطلاق في اكتشاف المواهب الأدبية ورعايتها، والمفروض أن تتوزع رعاية ومتابعة الفائزين على كل الهيئات المعنية مثل قطاع التعليم وقطاع الثقافة، والنوادي الأدبية والفكرية وتجري المتابعة عبر آليات متعددة مثل الجوائز المالية وطبع الأعمال الفائزة وهوما تقوم به وزارة الثقافة سنويا مع الفائزين بجائزة رئيس الجمهورية “علي معاشي” للمبدعين الشباب ، ولكن من المهم أن نؤكد هنا على أننا نحتاج في الجزائر اليوم إلى الاهتمام أكثر بوضع أليات عملية متعددة ودائمة لاكتشاف ومرافقة المبدعين الذين يبرزون من خلال فوزهم بالمسابقات الأدبية، وخاصة على المستويات المحلية بمختلف مناطق الوطن التي تشهد زخما إبداعيا كبير ا لكن ينقصه الاهتمام والتوجيه.

هل تعتقد أن المسابقات سوف تصنع نجوما وتكرسهم في الإعلام ؟

الاعلام بمختلف وسائطه صار صانعا للأحداث وليس مجرد ناقل لها فقط، ويستطيع الاعلام أن يساهم في اكتشاف المبدعين والتعريف بهم كما تفعل إذاعة BBC في لندن بالتعاون مع مجلة العربي الكويتية، فالمجلات الأدبية تستطيع أن تنهض بدور رائد في مجال المسابقات الأدبية، وهو ما تقوم به مثلا مجلة دبي الثقافية باقتدار، لكن وسائل الإعلام لا تستطيع- وليس من مهامها- أن تصنع أو تكرس نجوما من لا شيء، فالأدب و الثقافة موهبة وإبداع وجهد وكفاح من أجل الحقيقة، والإعلام يتولى الباقي…..

ما الجدوى من وجود المسابقات الأدبية ؟

وهل ثمة جدوى من عدم وجودها ؟

 

الأسئلة لــ الصحفية آمال مرابطي رحمها الله…الأجوبة لـفوزي حساينية

 

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023