خربشة في الثقافة البائسة…بقلم هشام البوعبيدي

خربشة في الثقافة البائسة…بقلم هشام البوعبيدي

أمام تعثّر تأسيس تجربة قيمية كونية والعجز المتواتر عن إرساء حدود دنيا للتعقّل بعيدا عن التعمية والتسلّط والنمطية المترهّلة، بات لزاما أن تتسلّح أي نزعة ثورية تحديثية بمعاول الجرأة للقيام بحفريات في أعماق أعماق ذواتنا تقتلع منها ما ترسّب من زيف وجهل، وتهدم جدر العقوق والمروق والإفلاس الإبداعي، هذا الفقر المدقع تصوّرا وتصديقا طالما استنفر به الإقطاع الروحي المتفشي في ديجور الوجدان الجمعي كقواعد ثابتة استلهمها من محراب قداسة المألوف والعادة والرتابة، ليكرّس به مستقبل حياتنا الآتية على شاكلة ماضيها البائس ويخلّد ارتهانها في أفق حاضرها المتكلّس.

إن على الثقافة الموروثة التي تفتقر لقيم معيارية تصحّح به الخطأ والزيغ والاعوجاج، أن تتطهّر من مخزون الوهم المتكاثف والذي تحتسبه ثقلا في رصيدها، وتترفّع عن ادعاءاتها الكاذبة القائمة على منطلقات فكرية قبلية خاوية، حتى يسهل عليها مجاراة دورة الحياة المتغيّرة، ويكون لها إسهام وأثر بين ثقافات الأمم الأخرى بعيدا عن الاستنساخ والاسترجاع والاستبضاع، إلا أنه وكلما أثبتت الأحداث والتجارب تهافت بعض مسلّماتها وعدم مطابقتها لبسائط الأمور وبالتالي ضرورة نبذها والتخلي عنها، كلما ازدادت تشبّثا بها ومغالاة في غيّها وادعاء زورا تملّك “الحقيقة” الواحدة الشرعية المطلقة، حتى صارت لوثة مستبطنة فينا تحجبنا عن رؤية حقائق الأمور وتضيّق أفق التنوير وتحيف بنا عن سواء السبيل، فكنا إذا سطعت أنوار البداهة والوجاهة تحثّنا على المسير إليها والالتحاق بركبها، نفرنا وولينا على أعقابنا والتجأنا لأسوار الجهل نلوذ بها من شر البدع ومستحدثات الرأي المخترع وأمعنا في إغماض أعيننا أنسا بالوهم المريح أمام شغب الحقيقة المزعجة، حتى أضحت البربرية قاسم حياتنا الهجينة والبذيئة والبذرة الخبيثة التي أينعت خرفا وطرحت جهلا وتطرفا وفاشية.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023