دلالات احداث الشيخ جراح في القدس…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

دلالات احداث الشيخ جراح في القدس…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

تعود أحداث الشيخ جراح مرة أخرى الى الواجهة والاهتمام الإعلامي بهذه القضية المفصلية والمحورية في نضال شعبنا في الأراضي المحتلة والذي يتصدى قطعان المستوطنين (وكل صهيوني على ارضنا في فلسطين التاريخية هو مستوطن ومستعمر) والشرطة والأجهزة الأمنية التي دعيت لحماية هؤلاء الرعاع ولن نستغرب أيضا ان ترسل وحدات حرس الحدود من جيش الكيان الصهيوني فلقد تم اتخاذ قرار بهذا الشأن في كنيست الكيان. كيف يجب ان نرى احداث الشيخ جراح وسلوان او بيتا وغيرها الدائرة في الأراضي المحتلة وعلى ماذا تدل؟

أولا: ان صراعنا مع الكيان الصهيوني برمته هو ليس فقط صراع على الأرض، بل هو أيضا صراع على الوجود لكونه حركة استعمارية إحلالية واقصائية قامت على نهب الأرض وتهجير قسري عنصري ممنهج لسكانها الأصليين. ويجب التذكير بالرواية التي سوقتها الصهيونية لعقود ” أرض بلا شعب لشعب بلا ارض” الذي استدعى اقتلاع شعبنا من ارضه ومحاولة طمس الوجود والهوية والثقافة وسرقة اللباس الفلسطيني والادعاء بأن الكثير من مأكولاتنا إنما هي مأكولات يهودية بمعنى سرقة تراث بأكمله. وزيادة على ذلك هنالك تداول لبعض الأفكار التي تروج من ان الشعب الفلسطيني العربي انما هم يهود أصلا واضطروا تحت الضغط الى تغيير ديانتهم وهذه الأفكار المسمومة تسعى لكي الوجدان الجمعي والتشكيك بهويتنا برمتها ولن نستغرب اذا ما انضم بعض المنبطحين من العربان وابواق إعلامهم المسمومة وكتبة السلطان من ترويج هذه الأفكار المسمومة.

ثانيا: وانطلاقا من النقطة الأولى يجب التخلص من كل الأوهام التي حاول البعض ترويجها وما زال يروجها جهابذة السلطة الفلسطينية وزمرتها منذ توقيع اتفاقيات اوسلوا وللآن بأن السلام مع هذا الكيان ممكن وهذا يشمل أيضا كل من هادن والتصق بالسلطة تحت هذا الوهم والسراب الذي حاولوا تسويقه على شعبنا.

ثالثا: هذه الاحداث أيضا تؤكد وبشكل لا لبس فيه ان سلطة اوسلوا لم تكن يوما ولن تكون مؤتمنة على المشروع الوطني الفلسطيني. فهذه السلطة تكتفي بإصدار بيان او تصريحات من هنا وهناك تدين بها إجراءات الكيان الصهيوني وكأن الاحداث تدور على كوكب آخر وبهذه التصريحات تعلن تضامنها مع هذا الشعب الذي يعيش على الكوكب الاخر.

رابعا: وكل مما زالت لديه الأوهام ان هذه السلطة “ربما” تقوم بفعل شيء وخاصة بعد القرارات التي اتخذها المجلس المركزي حول قضية تعليق الاعتراف بدولة “إسرائيل” والتنسيق الأمني “بكل اشكاله” والتي تم التأكيد عليها مرتين من قبل أحد جهابذة السلطة عند قراءته للبيان الختامي نود ان نذكر بان مثل هذه القرارات قد تم اخذها عام 2019 فهل تم تنفيذها؟ وأيضا ان هذه ليست قرارات بل هي توصيات ترفع للجنة التنفيذية لتنظر بها وتقرر المناسب بما يتماشى مع “مصلحة الشعب الفلسطيني”. والسؤال من الذي يقرر ويتخذ القرار بهذا الشأن؟ والاجابة هو الفرد المتحكم بكل القرارات المصيرية للشعب الفلسطيني والذي يرفض ان يتخلى عن سياسة الهيمنة والاستئثار والتفرد في القرار وهو الى جانب كل هذا ما زال يؤمن ان الطريق الوحيد هو طريق المفاوضات وان المقاومة هي “المقاومة الشعبية السلمية” والتي تكرر ثلاث مرات كلما ذكرت من قبله وكأنها اية من آيات القران الكريم. لا امل في هذا الطريق الوهمي ولا امل في القائمين عليه الان ولا في القادمين الذين باتوا يرتبون ويعدون أوراق الخلافة مع الصهيوني والامريكي والرجعيات العربية المنبطحة المستسلمة للكيان الصهيوني وكأنه القدر.

خامسا: ما لم تتشكل كتلة وازنة من جميع القوى الوطنية والفصائل الفلسطينية والشخصيات الوطنية وقوى المجتمع المدني والحراك الشعبي المناوئة للسياسات المدمرة التي اوصلتنا الى ما نحن عليه سنبقى نلعن الظلام وهذا لن يقدمنا اية خطوة الى الامام. ان أي عمل منفرد وبغض النظر عن مدى فعله الاني لن يكون كافيا لإيقاف سياسة هؤلاء اللذين تأقلموا مع العيش في كنف الاحتلال لما يحقق لهم من عيش الرفاهية والبذخ لم يحلموا به يوما من الأيام لهم ولزبانيتهم وعائلاتهم وامتيازات لا اول لها ولا آخر.

كاتب وباحث اكاديمي فلسطيني

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023