دور الإعلام المرئي في إثارة المواطنين…بقلم محمد الرّصافي المقداد

دور الإعلام المرئي في إثارة المواطنين…بقلم محمد الرّصافي المقداد

عندما يحصل اختبار لعامة الشعب في مسائل دينية وحقوقية، نجد أنها أبعد ما تكون عن فهمها، حتى يمكّنها من الخوض فيها بعلم ودراية صحيحة، فيكون ذلك سبب زيادة أوضاع البلاد سوء، والبنية الاجتماعية تفككا، بسبب الإعتداء على الحرية الشخصية لافراد من بينها، وقد تفاجأت يوم أمس بمئات التعاليق، التي عبّرت في كتاباتها عن عقلية متعصبة، منساقة لاستعمال تعابير طائفية مقيتة، غلب عليها الجهل. واكتستها نعرة تعصّب، ما كان لها أن تبقى، لو حكّم هؤلاء عقولهم، على عاطفة يعتقد أنها ذهبت، بذهاب أجيال القرون الغابرة، وتسببت حينها في اذكاء فتن طائفية رهيبة، خسر المسلمون من جرائها، طاقات وامكانات هامة، ما كان لها أن تضيع بتلك الطريقة، لو وظفت في مواجهة اعدائهم الحقيقيين، قدم لنا التاريخ من خلالها واقعا مُرّا، حرّض على استدامته سلاطين سوء، مارسوا الظلم بحق الأقليات المعارضة بأبشع صوره، وعملوا بمبدأ فرق تسد.

 

واليوم ليس كالامس البعيد، وبيننا وبينه بونا شاسعا في تميُّزنا عنه، بانفتاح أبواب المعارف ووسائل التثقيف الحضارية، باستثناء بعض القنوات المرئية، التي درجت على تسويق الإثارة للمشاهدين، والتنافس في الظهور بمظهر خالف تُعرف، ليس حبا في الدين وغيرة عليه، فهؤلاء متهمون فيه وأبعد ما يكونون عنه.

 

وفيما يبدو فإن فئات من شعبنا على اختلاف طبقاتهم، بعيدون عن مجال الثقافة الاسلامية، وفهم أبجدياتها- فواقع التغريب الثقافي أخذ منهم كل مأخذ- ومع ذلك تراهم يخوضون فيما يفتقدونه من معارف، كانهم أصحاب القول الفصل فيها، فلا يترددون في مهاجمة كل من خالفهم الرأي، فيحكمون عليه بالخروج على الدين، مع أنه طرف أساس في التعبد به، وان اختلفت المناهج إليه.

 

وإنني لم أكتب هذا المقال، إلا من أجل إنارة الرأي العام، بخطورة ما حدث ويحدث كل مرّة، من تهافت مقصود على خبر تشيع شخص – كائنا من كان ذلك الشخص – فهو ليس مهما بقدر ما يجب أن يفهم المستنكرون والمهاجمون، أنهم أخطأوا بحق الرجل، وبحق أنفسهم، وبحق القانون، أما بحق الرجل فهو حر في معتقده، ولا يمكن بأي حال من الأحوال، سلبه ما أعطاه الله له، من حرية في اختيار ما يراه صالحا ومقنعا له، وأمّا الذين هاجموا الرجل، فأصحاب أفق ضيق عقيم، لا يرون إلا ما تراه لهم عقولهم وان قصر مداها، وفي أفضل الحالات شيوخهم الوهابية، الحاقدون على منهج أهل بيت النبي (ص)، واما من حيث القانون، فقد شرّع حرية التفكير، وعدم التعرض لصاحب الفكرة، باعتبارها شأنا خاصا به، لا يحقّ لمن خالفه الاعتداء عليه بلفظ أو عمل.

 

وبين التدين الوراثي، والتدين العلمي الناتج عن بحث، تبدو مفارقة بحاجة إلى التوضيح، إذ أنّ الفرق بين الحالتين واضح، فالوارث لعقيدة لا يعرف عنها سوى بعض الحقائق التي قلّد فيها أقاربه، لا فضل له أمام الباحث الذي قضى زمنا، وهو ينقب في بطون أمّهات الكتب التراثية، إلى أن استقر قراره على ترجيح منهج معيّن، رأى فيه ملكة قوة الحجة ورجاحة البرهان، فالتزم بطرحه وآمن بأحقيته في أن يكون إمتداد الاسلام المحمدي الاصيل، وما العيب في ذلك وهو المنهج الاسلامي الوحيد المتّصل بالنبي من طريق الإمام علي بن ابي طالب، بينما غيره منقطع عن زمانه؟ بل إنّ العيب في من آنس بالموروث، دون ان يبذل جهده في استجلاء حقيقته، من اين جاء ومن وراءه؟

 

والذين قالوا نحن أهل السنة، عليهم أن يثبتوا فعلا أنهم أتباع سنة النبي (ص)، وليس سنة الحكام واتباع فقهاء السلاطين، وجناياتهم بحق الإسلام والمسلمين، والسؤال الموجه للذين قالوا نحن ذوي أصول فقهية مالكية: هل كان اختبار أسلافهم للفقه المالكي طوعيا؟ أم أنه تبع هوى السلطان؟ بأي فقه كانوا يتعبدون قبل ظهور مالك كفقيه؟ وباي فقه كان يتعبد مالك نفسه قبل ان يصبح فقيها؟ ولولا الامام جعفر الصادق لما بلغ تلك المرتبة من الفقه، ولولا المنصور العباسي، لما عُرِفَ مالك وفقهه من الأساس ولاندرس مع من اندرس من المذاهب، وحريّ بهؤلاء الغوغاء أن يرجعوا عن غيهم، ويكفوا عن اللغو.

 

لم نطلب منكم يوما أن تعودوا الى الحق باتباع ائمة أهل البيت الذين اوصى بهم النبي تركت فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا كتاب الله وعترتي اهل بيتي.(1) وهي نصوص في أمّهات كتبكم تتجاهلونها علماء وعامة، كل ما نرجوه منكم أن تبتعدوا عن اثارة عباد الله بسيء القول، واتركوا الخلق للخالق، فهو أدرى بحالهم، وصاحبهم في الدنيا والآخرة (ثم الي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون) (2)

 

ومن هذا المنبر أدعو جميع المواطنين، إلى الحذر مما تسوقه هذه القنوات من سموم أقلّها ضررا، تجهيلهم وحجب الحقائق عنهم، وفاقد الشيء لا يعطيه.

 

المراجع

 

1 – مسند أحمد مسند أبي سعيد الخدري ج17ص169ح11104/سنن الترمذي ابواب المناقب ج6ص124ح3786 وغيرهم

 

2 – سورة آل عمران الآية 55

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023