رياح الأمبريالية تهبّ على فنزويلا

بقلم: محمد الرصافي المقداد |

علاقات الأحرار ببعضهم سجلها التاريخ، رافعا من شأنها منوها بها من قبل، فلم يخفى منها، إلا ما أراده الأحرار أنفسهم أن يبقى خافيا على أعداء حرية الشعوب، ضمانا لاستمرار أدائه السليم،  وعدم تدخل الدول المعادية، وإفشال مساعيهم التحررية.

والحر من طبعه التوق لمثله، صدق من قال (لا تكن عبدا لغيرك وقد خلقك الله حرا) ومبدأ الحرية تضيق بأصحابه الدول وحدودها، والشعوب أجناسها، والعقائد وأفكارها، لتذوب جميعها في إطار القيم الإنسانية الرفيعة، التي تجمعهم تحت مظلتها الواسعة، حيث تنصهر جميعها في إطار واحد، لتشكل غاية يسعى إليها الأحرار، لبناء قاعدة من ضمان المبادئ الإنسانية، التي خلقوا من أجل التعامل بها، لكنها للأسف الشديد تتعرض للانتهاك، من طرف أعداء الإنسانية من قوى الاستكبار العالمي.

ظاهرة الاستعداء على حرية الشعوب، ومحاولة امنعها من خياراتها وتوجهاتها السياسية، أخذت بعدا كبيرا في قاموس العلاقات بين الغرب بمنظومته الاستكبارية، والدول المنعتقة من نير التبعية له، فعندما تتكلم الإدارة الأمريكية عن انتهاك حكومة بلد لحرية شعبها، فحديثها لا يعبر عن حقيقة ما، متعلقة بعلاقة تلك الحكومة بشعبها، وإنما هدفها من وراء ذلك إحراج تلك الدول، وإظهارها مظهرا مخالفا تماما لدورها الوطني، تأليبا للمجتمع الدولي عليها، ومحاولة سخيفة مفضوحة للتأثير على شعوبها.

فنزويلا من البلدان التي شكلت ثورتها البوليفارية منعطفا هاما في مسيرة شعبها ونظامها، وحولتها من بلد تابع خاضع للإدارة الأمريكية، إلى بلد آخر رافض لها، ومعبرا عن تطلعات الشعب الفنزويلي، لذلك فإنه من الطبيعي ان تنتهج حكومة (مادورو) – ذات التوجّه اليساري – سياسة معارضة للقوى الامبريالية في العالم، وعلى رأسها أمريكا، كما فعل ذلك من قبله سلفه (تشافيز)، بل و ذهبا معا إلى مناصرة القضية الفلسطينية، حيث لا يزال البيان الحكومي الذي أعقب عقب العدوان الصهيوني على غزة، وتضمن قطع علاقات (كاراكاس) مع إسرائيل سنة 2009 وطرد سفيرها من هناك، لا يزال معمولا به، وكان من بين ما جاء فيه: (إن إسرائيل ترتكب انتهاكات فاضحة للقانون الدولي، وتستخدم إرهاب الدولة عن سابق تصميم ضد الشعب الفلسطيني).

هذا الخيار السياسي الفنزويلي لم يكن لترضى عنه أمريكا، خصوصا وان علاقاتها مع إيران ومحور المقاومة قد تمتنت بشكل أزعجها كثيرا، وهي التي تحشد حولها الأنصار والعملاء، من أجل إنجاح مشروعها الشرق أوسطي المعنون بصفقة القرن.

وبلا شك فإن مساعي أمريكا المبذولة من أجل تغيير نظام الحكم في فنزويلا، تأتي ضمن الخطط الموضوعة من طرف أخصائيي مخابراتها المركزية السيئة الذكر، شانها في ذلك شان بقية دول أمريكا اللاتينية، التي اختارت التوجه اليساري الاشتراكي ك(بوليفيا) و(نيكاراغوا)، وقد نجحت إلى حد ما في إعادة البرازيل) إلى مستنقع العمالة للامبريالية والصهيونية، لكنها في المقابل باءت بالفشل في كوبا) وفنزويلا).

ما يعمل على ترويجه الإعلام الغربي هذه الأيام – وفي ظني أن فكرته صهيونية- ويتردد عبر وسائل إعلامية، امتهنت الكذب أسلوبا للدعاية لفائدة المشروع الإستكباري العالمي، في إخماد أنفاس الشعوب المحررة من تبعاته السيئة، مدعية أن حزب الله يستثمر مناجم للذهب في فنزويلا ، وهو ادعاء سخيف لا يعكس علاقتهما ببعض، وهي قيمية فقط،  باحترام المبادئ التي تعود بالنفع على الإنسانية عانة، وهي أهم من المسائل المادية التي تنتهي باستهلاكها.

 وحزب الله فيما يعلمه الخاص والعام، كما ورد على لسان قادته، يستثمر جهوده في بناء الإنسان المقاوم للاستكبار والصهيونية، وصنيعتهما السيئة الإرهاب التكفيري، الذي أطلقاه على البلاد العربية والإسلامية، عاصفا بأرضها وسكانها ومقدراتها.

وزير الخارجية الأمريكي (بامبيو) تحدث عن نشاط مزعوم، لخلايا حزب الله في فنزويلا، وبقية دول أمريكا اللاتينية، وعد ذلك تهديدا للأمن القومي الأمريكي، ولا يخفى أن إقحام اسم حزب الله في الشأن الفنزويلي، يأتي في إطار التحضير لتدخل عسكري مباشر، في حال فشل مساعي العميل الأمريكي (قوايدو) في التأثير على الجيش والأمن الفنزويلي، وقد رد الرئيس (مادورو) على افتراءات (بامبيو) في  مؤتمر صحفي، الجمعة٨ فبراير بقوله:  لا علاقة تربطنا بحزب الله، لكن فنزويلا تستضيف كثيرًا من اللبنانيين الذين يقيمون هنا.. مُضيفًا: أن فنزويلا قادرة على حماية نفسها بنفسها، ولا تحتاج إلى أي مجموعات مسلحة  للدفاع عنها)

 وعلاقة حكومة فنزويلا بحزب الله اللبناني، كعلاقاتها مع حركات المقاومة الفلسطينية، والأحزاب القومية العربية، لا تتعدى كونها مناصرة نظام حر لحركات وأحزاب تحرر ومقاومة، تريد أن تحولها أمريكا إلى علاقة تآمر عليها، لتستغلها دعائيا كمقدّمة مبررات لعدوان قد تشنه على فنزويلا، من أجل تغيير نظام حكمها، وتحويله من اليساري الشعبي، إلى اليمين العميل لأمريكا والممتثل لإملاءاتها.

هذا وقد لوّح قوايدو المنصّب أمريكيا قسرا على الشعب الفنزويلي في كشف مفضوح لوهم الديمقراطية الأمريكية والغربية، بأنه سيعيد علاقات فنزويلا بالكيان الصهيوني حالما يستتب له الأمر، لكن ما كلما يتمناه قوايدو يدركه.

ولئن نجحت أمريكا في تغيير عدد من نظم دول أمريكا اللاتينية بأساليب الغش والخداع، إلا أنها بشأن دول أخرى أصيبت بانتكاسات وفشل فيما سعت إليه، بسبب وعي تلك الشعوب بحقيقة الامبريالية الأمريكية، وخطرها الكبير على الشعوب الحرة

فتيل الحرب أصبح معدا أمريكا للاشتعال في فنزويلا، وإذا ما اشتعل فإن ناره ستلهب أطراف من تسبب في اشتعالها، ويبدو الأمر هينا وفي متناول غطرسة أمريكا، لكن الحمق إذا ما لبس عقول قادة كما هي حال الإدارة الأمريكية في عهد (ترامب) سيذهب بأصحابه إلى حيث لا يتوقعون نتائجه، ما يمكن قوله اليوم أن حكومة (مادورو) وشعبها الحر ليسا وحدهما في مواجهة الصّلف الأمريكي، ومن هذه المحصّلة نستطيع الحكم على مساعي أمريكا ومن اصطف إلى جانبها بشأن فنزويلا بالفشل والخسران.

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023