زيارة الوفاء والعهد على مواصلة طريق المقاومة

زيارة الوفاء والعهد على مواصلة طريق المقاومة

بقلم: محمد الرصافي المقداد |

من عرف شخصية الرئيس الدكتور بشار الاسد، لا يمكنه أن يصف زيارته الى طهران بالمفاجئة- فالعلاقة بين النظامين السوري والايراني تلغي طابع المفاجئة منها- ولكنه في المقابل، بإمكانه أن ينعتها بالحدث الذي لفت أنظار العالم، والحركة السياسية التي جاءت في وقتها، لتزيد العلاقة القائمة بين النظام السوري والايراني متانة ووضوحا، أما بالنسبة لأولئك الذين اعتبروها عرضية، أو قائمة على أساس طائفي، فتسقط تصوراتهم وحساباتهم جميعها، أمام حقيقة فرضت نفسها منذ زمن الرئيس المرحوم حافظ الاسد، عندما وقف الى جانب النظام الاسلامي الفتي، منذ الأيام الأولى من ثورته الاسلامية، كاسرا بذلك الطوق العربي، الذي صنعه عملاء الغرب، من أجل التضييق عليه، وخنق آفاقه المستقبلية، وافشال مسيرته القرآنية في التحرير والوحدة، وهي التي قطعت دابر الاستكبار العالمي بزعامة أمريكا، وقصمت ضهره من أرض ايران.

تخطيط الرئيس الدكتور بشار الاسد لزيارته الى طهران، لم يكن ردّة فعل قام بها، من أجل استفزاز اعدائه، أعداء سوريا المتربصين بها السوء، بل كان امتدادا لسياسة خطّها والده رحمه الله، واستمر عليها بما يستوجب كل طارئ، لتتواصل على نفس الوتيرة، وبنفس الارادة السياسية، من أجل مزيد من تمتين العلاقة بين نظامين عريقين، يسعيان من أجل تحقيق أهداف شعوب المنطقة في الحرية والنّموّ.

الزيارة بحد ذاتها وجهة وتوقيتا، جاءت لتعبر عن نتيجة حاصلة ميدانيا، فمن جهة التوقيت توّجت هذه الزيارة انتصارات الجيش العربي السوري، على الجماعات الارهابية التكفيرية الغازية لبلاده، جنوبا ووسطا وشمالا، بالتعاون مع حلفائه وفي مقدمتهم ايران الاسلامية، ومن حيث وجهتها، كللت جهود الجمهورية الاسلامية الايرانية الصادقة بالشكر والثناء الجميل على ما قدمته من امكانيات وتضحيات، بمناسبة مرور 40 سنة على انتصار الثورة الاسلامية في ايران، وقيام نظامها الاسلامي العتيد.

ما أغاظ أمريكا وأذنابها من عملاء المنطقة، أن الزيارة تمّت بدعوة من الحرس الثوري الإيراني، فقد كشف نائب قائد (فيلق القدس) التابع للحرس (إسماعيل قاني)، أن فيلقه هو من دعا الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران في زيارته الأخيرة، وما تضمنته من تعبير لا يحتاج الى تأويل أو تخمين، بأن العلاقة المتينة فضلا عن كونها حاصلة في اعلى مستواها السياسي، هي عسكرية ببعدها الاستراتيجي الهام، الذي بلغته العلاقة السورية الايرانية من تفاهم وتعاون مشترك.

ايران الاسلامية التي وصفها الرئيس الدكتور بشار الاسد بأنها (نموذج يحتذي به على مدى العقود الاربعة الماضية، في بناء الدولة القويّة، القادرة على تحقيق مصالح شعبها، والمُحصّنة ضد التدخّلات الخارجيّة.)، هو نفس الانطباع الذي شكّل متانة العلاقة التي ربطت والده المرحوم حافظ الاسد بإيران، والتي تألّفت من تطابق في وجهات النظر بشأن عدد من القضايا، تتجاوز الخلاف الناشئ بين شقّي حزب البعث السوري والعراقي، الى مطالب حساسة تحتاجها المنطقة، في مواجهة عدوّ صهيوني مشترك يسعى الى الهيمنة، وامتهان دولها واستعباد شعوبها.

ايمان الرئيس الراحل حافظ الاسد بصدق نوايا النظام الاسلامي، جعله يقف الى جانب عدالة مطالبه بدأ من الحرب الظالمة المفروضة عليه 1980/1988 ويتسبب له ذلك فتور العلاقات مع الدول العربية وما خلّفته من تداعيات سلبية على اقتصاد البلاد، غير أن ذلك لم يثنه عن مواصلة موقفه، الى أن انتصرت ايران عسكريا، بدحر العدو الغازي من اراضيها وسياسيا، باعتراف الامم المتحدة بمظلومية ايران، وما تضمنه من تقدير تعويضات، يجب على العراق أن يدفعها لإيران، مقابل الاضرار الناجمة عن ثماني سنوات حرب مريرة، واستمر بعدها التعاون من أجل الشعب الفلسطيني، وقضيته العادلة في التحرر من الاحتلال الصهيوني، برعاية كلا البلدين لمحور المقاومة.

الرئيس الدكتور بشار الاسد مدرك تمام الادراك، بقيمة النظام الاسلامي في ايران، تماما كما كان والده الفذّ، متيقن من حقيقته ودوره، فقد أثر عن الرئيس الراحل قوله: (سيأتي يوم يكون الإيرانيون وحدهم من سيقفون معنا ويتخلى عنا الأشقاء.) وهذا ما حصل فعلا.

وفي كل الاحوال، فإن الجميل الذي قدمه النظام السوري للثورة الاسلامية ونظامها الفتي حينها، قد قابله النظام الاسلامي بأجمل منه، وسجل بوقوفه المبدئي الثابت الى جانب سوريا، في محنتها التي تعرضت لها، تعبيرا عن متانة العلاقة بين البلدين والنظامين والشعبين، علاقة تزداد قوة متانة يوما بعد يوم، جسدتها زيارة الرئيس الدكتور بشار الاسد الاخيرة الى طهران، وفي مضمونها اشارات وتلميحات يفهمها الاعداء جيّدا.

تفاصيل الزيارة ونتائجها لا تبدو متاحة للإعلام، الا على سبيل التخمين، تخفي في مضمونها اتفاقا تاما ونهائيا، على مواصلة العمل الثنائي المشترك، في مكافحة الارهاب بيد، وبيد أخرى سبيل تطوير محور المقاومة، الى مستوى مواجهة العدوّ الصهيوني، بما يضمن تحقيق الانتصار المؤزر عليه، ولا أعتقد أن الملفّ الاقتصادي سيكون بعيدا عن التفاهمات بين البلدين، خصوصا وهما يعرضان لأشرس هجمة حصار في هذا الزمن.

وعلى خطى والده يمضي الرئيس الدكتور بشار الاسد وفيّا ثابتا، مراعيا ادبيات السياسة الناجحة، حيث القواسم المشتركة التي وجدها مع ايران، من أجل سلامة البلدين ومستقبل أفضل للمنطقة، الاجهاز على الارهاب اصبح وشيكا، وبعده سياتي دور الغاصب الصهيوني، لينال نصيبه مما كسبت يداه الآثمة، وهو مدرك أكثر من غيره بما ينتظره.

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023