سلطة فلسطينية ميؤوس منها…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

سلطة فلسطينية ميؤوس منها…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

كان تخوفنا من إقدام السلطة في رام الله ان تسعى الى تهدئة الهبة الجماهيرية في القدس ها هو قد حصل فعلا. فقد قام محمود عباس بإرسال حسين الشيخ المسؤول عن الملف الامني والتنسيق الامني مع قوات الاحتلال وأجهزة مخابراته للاجتماع مع قيادات ووجهاء القدس في محاولة للضغط عليهم “لتهدئة” الاوضاع في مدينة القدس وكأن وجهاء القدس هم من حركوا الشارع الفلسطيني وخاصة قوى الشباب والشابات منه للتصدي للمستوطنين القدامى والجدد وقوات الاحتلال الاسرائيلي التي انتشرت في المدينة المقدسة وخاصة في البلد القديمة مدججين بالسلاح والقيام بالاعتداء على المصلين بالضرب المبرح والهمجي لتفريغ هذا الحقد الدفين والفاشية المتأصلة في هذا الكيان المسخ ومنع الكثيرين من الوصول الى المسجد الاقصى لاداء الصلاة. الشباب المقدسي لم ينتظروا القيادات التقليدية المهترئة لكي يدافعوا عن المقدسات والتصدي لفاشي العصر. وقد سبق وأن لعبت السلطة الفلسطينية هذا الدور المعيب والمشين عندما قام مستوطنون صهاينة بخطف احد الشبان الفلسطينيين عام 2014 محمد ابو خضير (17 سنة) وقاموا بضربه وإجباره على شرب كاز ولإضرام النار به بعد ذلك ولم يتم التعرف على جثته الا بعد ان جرى تحليل الحمض النووي للعائلة.

وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي تصريح لاحد أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح بأن “الرئيس محمود عباس منزعج مما حصل في القدس ولن يدعم اي فلتان أمني وفوضى في المدينة ولقد أبلغ الجانب الاسرائيلي برفضه كافة أشكال العنف” ،رفض وندين كل أشكال العنف المتبادل في القدس ونرفض الاعتداء على الاسرائليين”. لا ندري مدى صحة هذا الخبر لكن إذا ما وضعنا محتوى التصريح في سياق تصريحات سابقة وسلوك السلطة الفلسطينية ربما لن يستبعد بعضنا أن مثل هذا التصريح قد يكون قد ورد فعلا.

من إعتدى على من؟ هل أصبح مقاومة المحتل جريمة وفلتان أمني؟ الا تخجلوا من أنفسكم ؟ على العموم هذا التصرف ليس غريبا عنكم هذا ما علمتنا الاحداث على الاقل منذ توقيع إتفاقية الذل والخيانة للوطن إتفاقية أوسلو. حاولتم المشي بالضد من كل ما هو متعارف عليه في تاريخ الشعوب وحركات التحرر العالمية. كنتم تحلمون ربما أنه بالمفاوضات مع المحتل وإسقاط البندقية وقمع شعبكم وتسليم كل منفذ عملية ضد للعدو في الضفة الغربية بشكل غير مباشر أو مباشر, وحماية أمن المحتل أن المحتل سيعطيكم على طبق من فضة دولتكم المزعومة, السراب الذي لهثتم وراءه لاكثر من ربع قرن دون أن تعطوا السيطرة والسلطة الفعلية على حتى شبر واحد أو قرية واحدة بعد ان احتل ما تبقى من فلسطين التاريخية عام 67 . “لن يدعم اي فلتان أمني” كان يجب ان توجه هذه الكلمات الى فاشي العصر المجبولين بالعنصرية اللذين كانوا يهتفون عند باب العمود “الموت للعرب” أقتلوا العرب”. وتتحدث ياسيادة الرئيس وكأن لك سلطة على القدس وأنت أول الناس الذين يعلم ان أي تحرك لمسؤول فلسطيني من “رئيس” أو “وزير” للدولة الهلامية لا يستطيع التحرك من مدينة الى اخرى أو قرية الى أخرى أو عبور الجسر الى الاردن الا بموافقة إسرائيلية. كفاكم كذبا على أنفسكم ولا نقول شعبكم لان شعبكم يعلم ويعرف حق المعرفة اننا ما زلنا محتلين مهما حاولتم وضع المساحيق على وجه الاحتلال القبيح.

نقول كل هذا لكي تدرك الفصائل بمجموعها أن هذه السلطة ساقطة سياسيا ومحاولة القفز على الواقع بالقول أن هذه السلطة محكومة بسقف لا تستطيع تجاوزه لتبرير تصرفات السلطة لا يمكن قبوله. على هذه السلطة أن ترحل وتترك الساحة لمن يريد ان يقاوم لطرد الاحتلال وليس التعايش والتأقلم معه لمصالح حزبية وذاتية وربما عائلية أيضا. لقد أكدنا في العديد من الكلمات والمقالات أن السلطة وزبانيتها تأقلمت على العيش في كنف المحتل وهي تقوم بقمع شعبها لصالح المحتل وحفاظا على أمنه.

لقد كنا بأفضل مليون مرة قبل إتفاقية الخيانة وما تلاها من إتفاقيات قيدت الشعب الفلسطيني وهمشت منظمة التحرير الفلسطينية وحلت محلها سلطة الفلسطينية التي كانت تعتقد اننا قد انتقلنا من مرحلة التحرير الى مرحلة بناء “الدولة المستقلة” وبناء المؤسسات لهذه الدولة. هذا الفكر المأزوم والمهزوم جند له جهابذة من “المثقفين” وكتبة السلطان في محاولة بائسة ويائسة لاقناع شعبنا انه من الممكن التفاوض مع محتل ومستعمر كولونيالي وتوسعي وفي ظل وجود هوة كبيرة بين موازيين القوى بيننا وبينه والاعتماد على “كرمه” لمنحنا ما يقرب من 12% من فلسطين التاريخية لنقيم فيها بلدية تكون مسؤولة عن تقديم الخدمات ولم الزبالة لا اكثر من هذا.

الحقوق والحرية لا تمنح من قبل محتل وإنما تنتزع عن طريق مقاومة المحتل وبكل الطرق المتاحة والممكنة شعبية ومسلحة. الاحتلال تراجع عن فرض البوابات الاليكترونية سابقا وقام بإزالة الحواجز عن باب العمود بسبب المقاومة الشعبية التي شهدها وإصرار المقدسيين وعزيمتهم. وتراجع ايضا عن وضع الحواجز على باب العمود ولكن هذا لا يعني على الاطلاق انه تراجع عن مخططاته وسياساته العدوانية والتوسعية لإلتهام الارض واستكمال عملية تهويدها.

المطلوب حاليا هو الابقاء على هذه الهبة الجماهيرية وديمومتها وانتشارها في كل أرجاء الوطن المحتل خارج وداخل الخط الاخضر وفي مخيمات الشتات والابقاء على هذه الشعلة والحالة الشعبية المقاومة للاحتلال. ما يوحد شعبنا هي مقاومة المحتل وليس الانتخابات التي على افضل الاحوال ستعيد إنتاج السلطة التي ستسخدم الانتخابات لمصلحتها.

الكيان الصهيوني اعلن انه لن يسمح بإجراء الانتخابات في القدس وكان هذا متوقعا. والسؤال هنا ما الذي ستفعله “السلطة” وبقية الاحزاب والفصائل التي أيدت إجراء هذه الانتخابات؟ السلطة قد تقوم من طرفها بتأجيل الانتخابات الى اجل غير مسمى -الى حين موافقة اسرائيل على إجرائها!!!! – وربما البعض في السلطة والمقصود حركة فتح التي يرأسها أيضا رئيس السلطة فرحت بالرد الاسرائيلي وخاصة ضمن التشرذم في حركة فتح وإمكانية فوز حركة حماس بأغلبية المقاعد في المجلس التشريعي وهنالك البعض داخل حركة فتح لم تكن راضية أصلا على إجراء الانتخابات لانها في وضع مريح داخل السلطة التي تحقق لها كل مصالحها ولا تريد ان تتقاسم مكتسباتها مع أحد والبعض الاخر لا يريد خوضها الا بعد ترتيب البيت الفتحاوي الذي تصدع من الداخل. السلطة لا تؤمن بأن الحقوق تنتزع بالنضال والمقاومة وما زالت تؤمن بالبقرة المقدسة اي المفاوضات كالسبيل الوحيد أي الاستجداء والتوسل والتسول إقليميا ودوليا والابقاء على التواصل مع المحتل المستعمر لو بشكل غير مباشر والطرق السرية.

هذه سلطة ميؤوس منها كلية لانها ومنذ السقوط السياسي والاخلاقي والوطني في أوسلو لم تعد مهتمة بالتحرير بل ببناء أوهام وتخيلات ومحاولة بيعها للشعب الفلسطيني ولقد إرتكبت العديد من الفصائل الفلسطينية خطأ تاريخيا بمهادنة السلطة والتيار المهيمن على القرا رات المصيرية وإرتضت لنفسها الانخراط في إفرازات أوسلو بالرغم من التصريحات بأنها ضد إتفاقية أوسلو والبعض كان يعتقد بسذاجة الطفل السياسية أنه من الممكن محاورة المحتل والمستعمر وأنه من الممكن تحقيق بناء الدولة من خلال حوارات وفذلكات فكرية وإقناع المحتل بالتخلي عن الارض.

حالة الغليان في الضفة والقطاع التي انتجتها الهبة الشعبية في القدس هي فرصة أما القوى والفصائل الوطنية لاعادة تقييم مواقفها وجعل المحتل أن يدفع ثمن هذا الاحتلال فما تعلمناه من تاريخ الشعوب بأن المحتل لن يرحل الا إذا أصبح الاحتلال عبئا عليه على جميع الاصعدة المادية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية والبشرية. والسؤال المطروح على هذه القوى الوطنية هل هي على قدر من تحمل مسؤولية هذا العبىء والتضحية أم انها ستبقى ملتصقة بسلطة فاقدة الشرعية وميؤوس منها.

كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023