سيادة لبنان أوّلا وأخيرا…بقلم محمد الرصافي المقداد

سيادة لبنان أوّلا وأخيرا…بقلم محمد الرصافي المقداد

ليس عجبا أن يصْدّع بالحق رجل من خارج الإسلام، وليس للإسلام واقعا سور يحجب بقيّة الخلق عن رؤية الحق وقوله والإنتصار له، ولا كانت الديانات الأخرى حاجزا عن ذلك، أو خالية من الصّادقين، فبولس سلامة، وجورج جرداق، وجورج قرداحي وغيرهم وإن قلّوا، سماء رجال أحرار، عاشوا بقلوب مجرّدة، من تعقيدات بروتوكول الدين والعرق والسياسة، فلم يحجزهم منها عن قول الحقّ، ولا أخافهم من الإصداع به على الملأ  شيء.

وحتى لا نذهب إلى القول بأن الإعلامي الكبير، ووزير إعلام لبنان جورج قرداحي، كان المستهدف فيما صرّح به، بخصوص الوضع المأسوي الذي يعيشه اليمن، فنحيد بذلك عن الواقع الذي يقول: إنّ المستهدف أوّلا هو لبنان، وعقدتُه التي ركَّبَها حزبه المقاوم في عقول ساسة أمريكا والصهيونية والغرب وعملاؤهم، لا تزال تخلط أوراق مخططهم المرسوم لأجل شرق أوسط جديد، يكون فيه العدوّ الصّهيوني سيّده وحاكمه ومهيمنه الفعلي، والبقية مجرّد صور يحرّكها كيفما يشاء، مخطط تصدّت له إيران بمشروعها الجريء المقاوم، وهي ترعاه بكل حزم وقوّة.

لقد أخفقت جميع المؤامرات التي حاكتها أمريكا تحديدا بهدف نزع سلاح المقاومة، وآخرها حادثة الطيونة، التي ذهب ضحيتها عدد من شهداء لبنان المدنيين، المتظاهرين ضدّ تمييع ملف تفجير ميناء بيروت، وبالتّالي نفاذ المتسببين في الكارثة بلا إدانة، لما ارتكبوه بحق البلاد والعباد، وزاد الطّين بلّة هذه الأيام، كلمات حق نطق بها قرداحي بشأن اليمن، أتارت مشاعر المتورّطين حقيقة في تأزيم أوضاع لبنان، وتعميق الخلاف المركّب سياسيا بين فرقائه، لصالح أمريكا وعملائها، واستفزّت حفيظة المتورطين في العدوان على اليمن شعبا وأرضا وتراثا، وخيارا سياسيا نابعا من ثورة شعبية حقيقية، لم يرضى عنها أعداء الشعوب.

لقد كان وزير الخارجية اللبناني ضيفا على برنامج “برلمان الشباب”، عندما طُرِحت عليه جملة من الأسئلة، وكان عليه من موقع المسؤولية الأخلاقية والسياسية أن يجيب عليها دون تحفظ، وهو الرجل المعروف بشخصيته المتميزة بالجرأة، وقول الحقّ ومناصرة أهله، وقد كسب في ذلك صيتا كبيرا أوصله إلى أن يتبوأ مقعد وزير خارجية لبنان باستحقاق، فكان خير خلف لجبران باسيل.

وكان مما أجاب به (إنّ الحوثيين في اليمن يدافعون عن أنفسهم أمام عدوان خارجي.)(1) وهذا مما جعل أصواتا معروفة بالذّل والعمالة، ترتفع عقيرتها بالاستنكار على تصريحه، كأنّه قال شططا، وهو قولٌ حقّ ولسان صدق، أراد من خلاله أن يبرهِن لهذا العالم العربي والإسلامي، الموهوم بالدّعايات المضللة، بأن ما يجري في اليمن منذ انطلق التحالف العربي الغربي الصهيوني عليه هو عدوان خسيس فاقد لأبسط قيم الأخلاق ومخالف للصيغ والقوانين الدّولية التي تمنع التدخّل في الشؤون الدّاخلية للبلدان.

تصريح قرداحي فيما بدا من ردود أفعال رسمية وغير رسمية، أثار أزمة جديدة في لبنان تبدو مفتعلة واقعا ذلك أن ذلك التصريح كان أدلى به قبل ان يُعَيَّنَ وزيرا للخارجية، وهذا ما هو موثّق إعلاميا، وعلّق عليه الرئيس اللبناني ميشال عون يوم الخميس بالقول: (إن تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي بشأن الأزمة اليمنية كانت قبل تعيينه وزيرا، ولا تعكس وجهة نظر الدولة اللبنانية (2)

لكن ذلك لم يكن ليرضي شركاء جريمة تحالف العدوان على اليمن، فبادرت السعودية  باستدعاء سفيرها لدى بيروت، وفي المقابل طلبت من السفير اللبناني مغادرة الرياض، وقررت وقف كل الواردات اللبنانية إليها(3)، بدعوى هي أسخف من مخترعها، علّلها بحماية أمن المملكة وشعبها حسب البيان الرسمي، ولم تتأخّر البحرين عن نسج نفس المنوال(4)، ونحن نعلم أن هذا الكيان الصغير في حجمه والكبير في تبعيّته، لا يكاد يرى بالعين المجرّدة على وجه الخراطة، هو تابع للنظام السعودي في جميع سياساته الداخلية والخارجية، بما فيها حركة التطبيع السريعة مع الكيان الصهيوني، كأنّ لسان حاكمها يقول ما قال الشاعر بحق الخليفة العباسي المستعين:

خـليفة في قـفص    بين وصيف وبغا

يقول ما قالا لـــه     كما يقول الببغا(5)

ومن خلال ما قيل وما سيقال والمواقف التي ستُتّخذ على أساسات دعاوى واهية ومبرّرات أوهن منها يبدو المشهد في الشرق الأوسط وفي الخليج تقلّبه أنظمة دخلت بوابة العمالة للغرب قديما وكانت دوله صاحبة فضل على سلطانها، قد زُرِعت على ترابها قواعد أمريكية وبريطانية وفرنسية، لحماية تلك الأنظمة من ثورة شعوبها على ظلمها واستبدادها، واستئثار أمرائها بمقدّرات النفط والغاز على حسابهم.

إنّ ما أثير لحدّ اليوم من توتيرٍ متعمّد، لعلاقات لبنان مع أشقائه من دول الخليج، يدفعُنا للقول بأنّه أتى إلتماسا لمبرّر قطع علاقاتها معه، وما قاله الوزير قرداحي قبل توزيره، كان ذريعة واهية لزيادة توتير الأوضاع الداخلية بلبنان، وحملها إلى الغاية التي رسمتها أمريكا، في تركيع لبنان إقتصاديا، وهو أمر يتوقّف عليه مواصلة التقدّم في مشروع الشرق الأوسط الإستسلامي في المنطقة، وبعد أن أفشلت إيران أزمة المحروقات المفتعلة بلبنان، مرّ المتآمرون عليه إلى مبرّر آخر يمكّنهم من القبض على رقبة البلد الشريف المقاوم، والوفيّ لقضايا أمّته.

لذلك يمكننا القول بأننا نقف أمام ظاهرة دبلوماسية لا تتكرّر، إلا من طرفِ أولئك الذين تعوّدوا على تغييب الحقائق، وطمس معالم جرائمهم المُرتكبة بأيّ أسلوب وشكلٍ، حتى لوكان اختلاق أزمات بأعذار واهية تماما، والموقف الصائب الرّاد على هذا المُبرّر السخيف، يجب أن يكون معبّرا عن شخصية لبنان المقاومة والصمود والرجولة، وما عدا ذلك فهو سقوط وخضوع لمنطق الإبتزاز والتحكّم في الدولة اللبنانية، وخياراتها الخاصة بها.

سيادة لبنان وكرامة أهله ورجال مقاومته الباسلة، ترفض قطعا هذه الأساليب، التي دأبت على صياغتها أمريكا، ودفْعِها بعملائها لفعل شيء يقرّبها من هدفها الخبيث، الذي أصبح معلوما بالضرورة، ولن تنجح مساعي أمريكا وعملائها، مهما حاولوا واخترعوا واستنبطوا من حِيَلٍ وأساليب، في تحويل لبنان من بلد مقاوم إلى آخر عميلها وللصهيونية، طالما أن راية المقاومة مرتفعة قوية خفّاقة في ميادين مقارعة الإرهاب التكفيري، وقريبا في مقارعة الاستكبار الامريكي الصهيوني، نحن نراه قريبا وهم يرونه بعيدا.

المصادر

1 – جورج قرداحي: ما قصة المقطع الذي أشعل مواقع التواصل وأثار أزمة دبلوماسية مع السعودية؟

https://www.bbc.com/arabic/trending-59066784

2 – عون: تصريحات قرداحي بشأن اليمن لا تعكس وجهة نظر لبنان (aa.com.tr)

3 –  السعودية تطرد السفير اللبناني وتحظر جميع الواردات من لبنان | أخبار DW عربية | أخبار عاجلة ووجهات نظر من جميع أنحاء العالم | DW | 29.10.2021

4 – بعد السعودية.. البحرين تطلب من سفير بيروت مغادرة أراضيها وميقاتي يطالب قرداحي بـ”تقدير” المصلحة الوطنية | أخبار سياسة | الجزيرة نت (aljazeera.net)

5 – الوافي بالوفايات للصفدي ج3ص385

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023