شعوب غير عربية تلتقي مع إيران بشأن فلسطين…بقلم محمد الرصافي المقداد

شعوب غير عربية تلتقي مع إيران بشأن فلسطين…بقلم محمد الرصافي المقداد

ينتابك الحزن على العرب شعوبا وحكومات – واستثني منهم القلّة القليلة – من غياب همّ القضية الفلسطينية من حياتهم اليومية، فلا يتذكّرها منهم إلا عرضا، أو عندما يصدمه حدث جدّ بها، ويجتاح فؤادك شعور من الغبطة والإعتزاز، عندما ترى بأمّ عينيك شعوبا أخرى، حاملة همّ فلسطين كأنها قضيته، هذه الشعوب خرج منها رجال أمميّون، من امثال كاسترو وغيفارا وشافيز ناضلوا وكافحوا من أجل حرّية الإنسان وكرامته، وخلاصه من أخطبوط الاستكبار، (الامبريالية العالمية) الذي أنهك مسيرته نحو الصلاح والعدل.

أمريكا اللاتينية ضمت شعوبا ودولا عريقة، في مجال مكافحة القوى المهيمنة على العالم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وهي إلى اليوم في صراع ايديولوجي معها، وتعتبرها السبب الرئيسي في شقاء الشعوب المستضعفة، وعائقا كبيرا في طريق استقلالها الحقيقي ونموّها السريع، دول وشعوب التقت مع إيران الاسلامية في هذا المجال الإستحقاقي الإنساني الكبير، ومدّت أيدي الصداقة والتعاون معها، بعيدا عن أيّ حساسية اختلاف فكري، فما يجمعهم هنا أقوى من أن تفسده المعتقدات.

ومن اعتقد أن اليسار والإسلام لا يلتقيان، فهو مخطئ تماما، وما نراه اليوم من روابط تعاون وثيقة، على الصعيدين السياسي والإقتصادي بين إيران وفنزويلا وكوبا مثلا، هو دليل على أنهم يلتقون من أجل خدمة الإنسان قبل أيّ شيء آخر، وسبيل خلاصه من الظلم والحيف الذي يلاقيه من أجل عيش كريم، ورؤية النظام الاسلامي في هذا المجال معتمدة على قيم القرآن الكريم وسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمة الأطهار من أهل بيته عليهم السلام، فالإنسان كما كتب الامام علي عليه السلام في عهده لصاحبه مالك الاشتر عندما أرسله واليا على مصر: (فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).(1)

من منّا لا يعرف تشيلي ودكتاتورها الدّموي (أوغستو بينوشيه Augusto Pinochet) (1973/1990) جنرال الولايات المتحدة وخادمها الوفيّ في أمريكا اللاتينية، والذي قام بانقلاب عسكري بأوامر أمريكية، لإزاحة (سلفادور ألّليندي Salvador Allende) الرئيس اليساري الذي قام بمناصرة شعبه ضد التغول الرأسمالي، فرفض الإنصياع للإنقلاب ورضي أن يُقتل من أن ينسحب من الحكم.(2)

لم يكن هذا التاريخ المليئ بجرائم سحق المعارضة التشيلية، ليزيل عن الشعب قناعاته ومبادئه في الحرية والاستقلال ومناصرة الشعوب المستضعفة وفي مقدّمتها الشعب الفلسطيني، وهذه المشاعر الفياضة صمدت وبقيت ثابتة تُميّز شعوب أمريكا اللاتينية عن غيرها، حتى لو كانت عربية اسلامية، فمَنْ مِنْ هؤلاء أنشأ فريق كرة قدم وسماه فلسطين؟ (باليستينو باللغة اللاتينية

Club Deportivo Palestino) (3) قيل أن الذي أسسه مجموعة من الفلسطينيين المهاجرين، لكن احتضانه من طرف شعب تشيلي، جاء تعبيرا عن عشقه لفلسطين وقضيتها العادلة، بكل معاني العشق، الذي دعاه إلى مناصرته معنويّا بهذا الشّكل، وبأشكال أخرى من تظاهرات المساندة.

إذا من بقي من حكام العرب مع إيران، في مشروعها للدفاع عن القضية الفلسطينية؟ لقد بقي أقلّ القليل سوريا الجزائر العراق لبنان اليمن، أما البقية فماضية في إطار التطبيع بلا رجعة، والآخرون ينتظرون دورهم فيه طوعا أم قسرا، طالما ربطوا سياساتهم بأمريكا والغرب، ولولا الإمام الخميني وثورته، ونظامه الاسلامي الذي دعا اليه شعبه، فلبى نداءه بكل حزم ووفاء، وانخرط في مشروعه الواعد بتحرير كامل فلسطين، لذهبت القضية برمّتها أثرا بعد عين.

لقد دخل العرب حكومات وشعوبا بوابة تجاهل محنة الشعب الفلسطيني، فلم يعد يحرّكه حتى الاعتداءات المتكررة التي تقترفها القوات الصهيونية بحق أهلنا هناك، فلا تدنيس الحرم الابراهيمي والمسجد الاقصى حرّك فيهم حميّة الدين، ولا الدماء المسفوكة ظلما للمدنيين من نساء وأطفال ورجال، قتلوا بدم بارد من طرف الصهاينة، كأنّ الأمر لم يعد يعنيهم في شيء، وانحسرت قضيتهم فقد في بطونهم وفروجهم عبيد للدنيا، حتى الدّين لم يعد لعقا على ألسنتهم بل أقلّ من ذلك حتى لا يكاد يذكر منه شيء، كنصرة المظلوم ومقاومة الظلم والظالمين، وليس هناك مظلمة في هذا العصر تفوق مظلمة الشعب الفلسطيني.

ما يرفع عنا الأسى والحسرة اليوم هو صحوة الشعب الفلسطيني وتطوّر أساليبه في مواجهة صلف الآلة العسكرية الصهيوني، وهذا التقدّم الحاصل تولّد بعد أن يئس الفلسطينيون قيادات وقواعد، من النظام الرّسمي العربي، في تبنّي ومعالجة قضيتهم العادلة، بما يوصلها إلى طريق التحرير الكامل والخلاص من الكيان الغاصب، وقد بدأ هذا التطوّر بعد انتصار الثورة الإسلامية وتعهّد النظام الاسلامي بأخذ القضية على عاتقه بحزم وتدبير كبيرين، أوصلها إلى هذا المستوى من التّقدّم تنظيميا وعسكريا، تسليحا وتمويلا وتخطيطا، وقد شكل هذا النموّ النّوعي ازعاجا لأمريكا وحلفها الغربي الأعرابي، وهاجسا خطيرا شغل قيادات العدو الصهيوني ونغّص عيشهم، فلم يجدوا سبيلا لمعالجته أو إتّقائه.

فيما إيران الاسلامية ماضية في مشروعها الكبير لتحرير فلسطين، يساق حكام العرب نحو الجانب الآخر المعاكس من التطبيع مع الكيان الصهيوني، كأنما القضية الفلسطينية لم تعد تعنيهم في شيء، وكأنّما وعودهم وعهودهم كانت حبرا على ورق، وخطبهم الرّنّانة مسكّنات يلقونها على شعوبهم لتسكين حماستها، قد تجد إيران نفسها وحدها في هذه المواجهة، لكنها بيقين الإيمان والتوكل على الله وعزيمة شعب عريق في حضارته ودينه، ولسوف تنتصر بمحورها المقاوم، الذي أصبح يؤمن بصدق مشروعها ويعتمد عليها.

وبهذا المحصّل بإمكاننا القول بتأكيد لا يتخلله شك، أن عمر الكيان الصهيوني بات قريبا من الانتهاء والزوال، طالما أنّ على الميدان رجال مبدئيون، وضعوا نصب أعينهم مشروع تحرير فلسطين أولويّة في حياتهم فلا شيء يسبقها، وهذا مما سيعطيها حرارة في قلوبهم وقلوب كل أحرار العالم بقطع النظر عن أفكارهم معتقداتهم.

المراجع

1 – نهج البلاغة الامام علي بن ابي طالب قسم الرسائل رقم53

2 – أوغستو بينوشيه https://ar.wikipedia.org/wiki/

3 – نادي بالستينو: https://ar.wikipedia.org/wiki/

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023