«صفقة القرن» بين مبعوث أمريكي جديد وهجرة معاكسة…بقلم تحسين الحلبي

«صفقة القرن» بين مبعوث أمريكي جديد وهجرة معاكسة…بقلم تحسين الحلبي

يبدو أن اهتمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بموضوع الصراع العربي – الصهيوني بدأ يقل ويبلغ مستوى متدنياً جداً جعله لا يكترث بكيفية التعامل معه بعد أن أعدّ له – صهره غاريد كوشنير، وجيسون غرينبلات مبعوثه لشؤون هذا الصراع – خطة «صفقة القرن»، فبعد استقالة غرينبلات الأسبوع الماضي عيّن ترامب آفي بيركوفيتش – مساعد كوشنير- مبعوثاً بدلاً منه، وهو لم يتجاوز الثلاثين عاماً من عمره ليصبح أصغر مبعوث أمريكي بل دولي في تاريخ الولايات المتحدة لشؤون أقدم صراع وقضية في تاريخ العالم والمجتمع الدولي وهي القضية الفلسطينية. وبهذا التعيين حل اليهودي الأمريكي بيركوفيتش محل اليهودي الأمريكي غرينبلات وبقيت القضية في يد اثنين من اليهود الأمريكيين المتشددين يفتقران إلى الخبرة السياسية بل وإدارة المفاوضات, وأصبح الدور الأمريكي يمثله ثلاثة سماسرة للعقارات: الرئيس ترامب.. وصهره كوشنير صاحب شركة كوشنير للعقارات.. وبيركوفيتش الذي عمل موظفاً عند كوشنير في شركته.. وثلاثتهم يتبنون المشروع الصهيوني التوسعي ويسعون إلى فرضه.
وتكشف سيرة بيركوفيتش الذاتية أنه كان محامياً ويقدم دروساً للطلاب عن «الطريق الى البيت الأبيض» وعمل في حملة ترامب الانتخابية للرئاسة عام 2016، أي حين كان في السابعة والعشرين من العمر، وحين فاز ترامب وعين صهره مستشاراً خاصاً له أصبح بيركوفيتش شريكاً مع الثلاثي اليهودي الصهيوني: غرينبلات – كوشنير – فريدمان (السفير الأمريكي في الكيان الصهيوني) في متابعة الجهود لتصفية القضية الفلسطينية بوساطة «صفقة القرن».. وزار مع الثنائي كوشنير وغرينبلات دولاً خليجيةً إضافة إلى تركيا والأردن لمناقشة هذه «الصفقة» وفرضها على هذه الدول.
وتسخر صحيفة «الغارديان» البريطانية من هذا التعيين، وتصف بيركوفيتش بالصبي الذي كان يعد القهوة لكوشنير قبل أن يصبح مساعده ثم مبعوثاً للولايات المتحدة في موضوع الصراع العربي – الصهيوني، وبمكانة المبعوث الأمريكي نفسها دينيس روس سابقاً أو جورج ميتشيل من قبله؟!
لكن السؤال الذي فرض نفسه منذ عام 2017 وبداية ظهور «صفقة القرن» هو: هل يستطيع ترامب وأزلامه الثلاثة فرض «صفقة القرن» على الشعب الفلسطيني وهو الهدف والغاية؟
الإجابة واضحة وهي أنه لن يكون في مقدور الولايات فرض ما يريده الكيان الصهيوني على شعب يحمل عبء تاريخ من النضال والتضحيات ومئات الآلاف من الشهداء ومليون ممن زُجوا في سجون الاحتلال خلال أكثر من خمسين عاماً، فهذا السجل التاريخي تتمسك به أجيال من هذا الشعب وأجيال من حلفائه الذين اصطفوا إلى جانبه وقدموا له الدعم والتضحيات من أجل تحرير وطنه والعودة إليه، من سورية المقاومة إلى لبنان ومصر والعراق والأردن وسيظل يشكل ذاكرة وطنية وقومية يستحيل محوها وتغييرها مهما جمع هذا الكيان من قوة وتحالفات.
وإذا كان البعض لا يحسب لهذه العوامل حساباتها، فإن «قيادة» الكيان الصهيوني نفسها تضع هذا السجل في أولويات حساباتها بغض النظر عن تسليم بعض القيادات الفلسطينية بنتائج اتفاقية «أوسلو» المدمرة, فمراكز الأبحاث الصهيونية التي تعد التحليلات والتوصيات لهذه «القيادة» بدأت تتحدث عن استحالة التخلص من وجود سبعة ملايين فلسطيني داخل أراضي فلسطين المحتلة منذ عام 1948 وعام 1967 مقابل ستة ملايين من «الإسرائيليين».. ولا التخلص من تمسك الفلسطينيين في الداخل والخارج بحقهم بالعودة إلى وطنهم وممتلكاتهم فيه، وفي المقابل تعترف مراكز الأبحاث في الكيان الصهيوني بأن الفلسطينيين زاد عددهم داخل الأراضي المحتلة بمقدار مليونين خلال ثلاثين عاماً، بينما غادر مليونان من «الإسرائيليين» في الفترة نفسها إلى البلدان التي جاؤوا منها، وذلك في هجرة معاكسة وفي ظل توقف الهجرة إلى الكيان الصهيوني خلال العقدين الماضيين.
وتشير مراكز الأبحاث في الكيان إلى تزايد مخاوفها أمام ما يجري تداوله بين «الإسرائيليين» من رسائل في وسائط التواصل الاجتماعي تتحدث نسبة منهم عن التطلع إلى فرص الحياة الآمنة في دول أوروبا وكندا ومداخيلها السنوية بالمقارنة مع الوضع غير الآمن في الكيان الصهيوني واستمرار تزايد احتمالات الحرب وسقوط الصواريخ داخل الجبهة الداخلية. كما تشير بعض هذه المدونات إلى أن المنطقة تزداد فيها الحروب والصواريخ بينما تتجه أوروبا نحو الاستقرار بلا حروب وأخطار.
وهكذا أصبح الزمن يعمل لمصلحة أصحاب الأرض وأبناء تاريخها الأصلاء الذين ما زالوا يتمسكون بحقوقهم وتراثهم الوطني والقومي في هذه المنطقة.. وفي النهاية ستتلاشى «صفقة القرن» مثلما تلاشت مخططات كثيرة هدفت إلى «تصفية» القضية الفلسطينية و«تفتيت» الدول المجاورة لفلسطين المحتلة.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023