طائر الفينيق…بقلم نهلة سوسو 

طائر الفينيق…بقلم نهلة سوسو 

طلع الصباح على سورية بعد ليل بارد طويل لم يغمض فيه جفن!على أخبار الراحلين الذين تناقلت صورَهم وسائل التواصل الاجتماعي بأسرع من هزات الزلزال غصَّ القلب بألف دمعة، وصدق ذلك الشاب المغترب الذي أوجز المشهد بقوله: أشعر أنها القيامة.. كأن سورية استوت تحت عرش الخالق العظيم! بلى يا ولدي! سورية كلها باتت بيتاً واحداً وهبّت لتغيث المصابين وكل واحد آثر على نفسه أخاً بالدفء ورغيف الخبز وكنزة الصوف والغطاء، ولم نعدم لهفة أشقاء الدم والروح من العراق ولبنان والأردن والجزائر وإيران وروسيا!

يومٌ صقيعي لم نعد نشعر بوطأته ونحن تحت سقوف بيوتنا بينما أهلنا وأحبتنا باتوا في العراء والساحات واختفت وجوه أقرب المقربين إليهم في هول الفراق المفاجئ ونحن في أقسى أيام الشتاء، نعدُّ مشروب الصباح والقلب يجِفُ كأننا ننتظر من يقرع بابنا منهم لنحضنه في هذا القلب الذي اتسع بحجم الكون، ومع وقع الأخبار تدقُّ خطا “أسامة بن المنقذ” الذي عاد يوماً إلى موطنه فوجد قلعة “شيزر” قد سُوّيت بالأرض إثر زلزال عنيف، وعلى أنقاضها تعبر الريح حاملةً أصوات من عاشوا فيها وملؤوا الدنيا بحكاياتهم، وقامت “شيزر” كما تقوم هذه الأرض التي حضنتها من كل موات وكل إعصارٍ وكل غزو وكل وباء حتى يكاد “طائر الفينيق” أن يكون حقيقة لا أسطورة، وسَمَ تاريخها وعاش في جيناتها!

يقول الصباح الحزين الذي طلع على دمشق بينما يغرّد شحرور في ظلمتها الخالية من المصابيح إنّ سورية ستقوم من هذا المصاب كما قامت عبر تاريخها، تلملم الجراح وتواصل المسير، ويهتف صوت دافئ: صباح الخير يا سورية الغالية بأهلك وأحزانك وأفراحك! صباح الخير للأشقاء العرب الذين لم يناموا، مثلنا، وقد عرفنا لهفتهم ومحبتهم في العالم الأزرق، وهي فضيلة تُحسَب له لسرعته ودقّته في إيصال الرسائل!

ينشقُّ الصباح البارد رويداً، رويداً على دفء لهفة الأصدقاء والحلفاء الذين يمَّموا وجوههم إلى حلب واللاذقية وجبلة وحماة، بل إلى سورية المكلومة التي كانت بحق قلب الكون والعالم منذ بدأ فجر هذا الكون والعالم!

البرد قارس والشتاء في جلسته المستريحة على رياح شباط الذي لم يترك تلابيب كانون بعد، لكن النهوض تحت الشمس هو قدَرُ وصنعةُ السوري الذي وحده، دون شعوب الأرض، كان موطناً وملاذاً لطائر الفينيق الناهض أبداً ودائماً من رماده!

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023