عبد الباري عطوان: “لماذا نعتبر الاتّفاق السعودي الإيراني نُقطة تحوّل تاريخيّة في المِنطقة؟ وكيف أصبحت الصين لاعبًا استراتيجيًّا في الخليج على أنقاضِ الضّعف الأمريكيّ وعبر البوّابة السعوديّة؟ وأين كانت الاستِخبارات الإسرائيليّة “العِملاقة”؟ وهل تَرقُد اتّفاقات أبراهام في العناية المُركّزة الآن؟”

عبد الباري عطوان: “لماذا نعتبر الاتّفاق السعودي الإيراني نُقطة تحوّل تاريخيّة في المِنطقة؟ وكيف أصبحت الصين لاعبًا استراتيجيًّا في الخليج على أنقاضِ الضّعف الأمريكيّ وعبر البوّابة السعوديّة؟ وأين كانت الاستِخبارات الإسرائيليّة “العِملاقة”؟ وهل تَرقُد اتّفاقات أبراهام في العناية المُركّزة الآن؟”

الاتّفاق السعودي الإيراني الذي رعَته الصين، وجرى الإعلان عنه أمس، يُشَكّل “تسونامي” استراتيجي يُنبئ بقُرب نهاية 80 عامًا من الهيمنة الأمريكيّة البريطانيّة على مِنطقة الخليج والشّرق الأوسط، وصُعود دور الصين كلاعبٍ استراتيجيٍّ مُهم في المِنطقتين، وعبر البوّابة السعوديّة الأهم سياسيًّا واقتصاديًّا.

– المملكة السعوديّة، ومن خِلال طبْخ هذا الاتّفاق على نارٍ هادئة، وسط تكتّمٍ شديد، باللّجوء إلى الحِوار، أوقفت نزيفًا ماليًّا عسكريًّا في حُروبٍ مُباشرةٍ أو غير مُباشرة مع إيران، وتوفير مِئات المِليارات من الدّولارات، سيتم توظيفها في تعزيز قُوّتها، وتمويل مشاريعها المُستقبليّة التي تُريد أن تتحوّل من خلالها إلى قُوّةٍ ماليّة واقتصاديّة، وربّما عسكريّة ضخمة لاحقًا تستند إلى التّصنيع والاكتِفاء الذّاتي وتعدّد مصادر الدّخل وتقليص الاعتِماد على البترول وحده.

– هذا الاتّفاق يعكس أكبر علامات الضّعف للثّنائي الأمريكي الإسرائيلي في المِنطقة والعالم بأسْره، وبداية انهِيار مشاريع هذا التّحالف الضّخمة وأبرزها تأسيس محور للاعتِدال بقيادته من الممالك والدّول الخليجيّة الغنيّة، ونسْف كُل خططه باستِخدام “بُعبُع” إيران، وخطرها المزعوم، كورقة ابتِزاز عسكريّة وأمنيّة، وبما يُؤدّي إلى استِمرار الهيمنة وتعميقها.
“إسرائيل” وطِوال السّنوات العِشرين الماضية، كانت، ولا تزال، تعيش “هَوَسًا” اسمه إيران، وتحشد كُل قُدراتها وعلاقاتها ولوبيّاتها اليهوديّة من أجل مُحاربتها، وإضعافها، وتشكيل حائط صدٍّ لها في الدّول العربيّة للأسف، ووضع الخطط لشن عُدوان عليها لتدمير برامجها النوويّة، ولكنّ النّتائج جاءت عكسيّةً تمامًا، فها هي إيران تُعيد علاقاتها مع السعوديّة، خصمها المُفتَرض، وتُوقّع اتّفاقًا تاريخيًّا يُعيد تفعيل التّعاون الأمني بين البلدين ما يفتح المجال أمامها للمُضِيّ قُدُمًا في تخصيب اليورانيوم بنسب تزيد عن 90 بالمِئة وبِما يُؤهّلها لإنتاجِ قنابلٍ نوويّة.

– لا نستبعد مُطلقًا أن تكون المملكة العربيّة السعوديّة، وبعد هذا الاتّفاق، المُستفيد الأكبر من الخُبرات النوويّة الإيرانيّة، والعسكريّة التقليديّة، فلا تُوجد هُناك أيّ موانع، إذا صدقت النّوايا، ونعتقد أنها صادقة، لتعاونٍ إيرانيّ سعوديّ في مجالات البرامج النوويّة، والتّصنيع العسكري، خاصّةً أن إيران مُتقدّمة جدًّا في إنتاج الصّواريخ الدّقيقة، والأسرع من الصّوت، والمُسيّرات والغوّاصات، فإيران، وعلى عكس الباكستان تملك قرارًا مُستقلًّا، ولا تخضع للهيمنة الأمريكيّة وإملاءاتها وقُيودها.

– القِيادة السعوديّة “خدعت” دولة الاحتِلال الإسرائيلي، مثلما خدعت أمريكا، وكُل حُلفاء الأخيرة في مِنطقة الشّرق الأوسط، ونحنُ نتحدّث هُنا عن مِصر والأردن، والمغرب وإسرائيل والسودان، عندما أخفت عن هذه الدّول خططها بالاتّجاه شرقًا إلى الصين، وشِمالًا إلى روسيا بسبب نظرتها الاستراتيجيّة بعيدة النّظر، والقائمة على أساس دراسات مُتعمّقة، عمودها الفقري التوصّل إلى قناعةٍ بانتهاء العصر الأمريكي، وزعامته للعالم، وضرورة الانتماء وبسُرعةٍ إلى النظام العالمي الجديد البديل بزعامة بكين وموسكو.

– اتّفاقات سلام أبراهام التي راهنت عليه دولة الاحتِلال كمسارٍ لتعزيز هيمنتها على المِنطقة وثرواتها، كانت تنتظر الجائزة الكُبرى، أيّ انضمام السعوديّة إليها، باتت في غرفة العناية المُركّزة بعد الاتّفاق الإيراني السعودي، فعندما تتحالف القِيادة السعوديّة مع الصين وروسيا، وبالتّالي دول منظومة “البريكس” (جنوب إفريقيا والبرازيل والهند)، فإنّها لم تَعُد بحاجةٍ إلى “إسرائيل” أو الولايات المتحدة، أو القبب الحديديّة الأُكذوبة، أو صواريخ الباتريوت الفضيحة، فالبديل صواريخ “إس 500″، وطائرات “سوخوي 35” الأكثر تطوّرًا من نظيرتها الشّبح الأمريكيّة مُتعدّدة العُيوب، ويعلم الله بِما يُوجد في التّرسانة الصينيّة من مُفاجآت.

أين المُخابرات الإسرائيليّة التي تزعم أنها ترصد حركة النّمل بدقّةٍ في المِنطقة، وتجني المِليارات من وراء بيع خُبراتها للمُغفّلين في هذا الإطار، لماذا لم تكتشف هذه المُفاوضات السعوديّة الإيرانيّة وتُقدّمها ابتداءً من جولاتها الأولى في العِراق والثانية في سلطنة عُمان، والثالثة المُتوجّه للاتّفاق في بكين؟ أين أجهزة تجسّسها المُتطوّرة وشبكة عُملائها؟

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023