عبد اللطيف الحناشي: بعد تفكك الجبهة الشعبية.. اي ّ مصير لليسار الكلاسيكي في تونس.؟

عبد اللطيف الحناشي: بعد تفكك الجبهة الشعبية.. اي ّ مصير لليسار الكلاسيكي في تونس.؟

لم تحمل الانتخابات البرلمانية أخباراً جيدة لليسار الكلاسيكي في تونس، حيث أدى تفكك ائتلاف الجبهة الشعبية إلى خسارته جميع مقاعده السابقة في البرلمان، باسثناء مقعد يتيم لحزب الوطد (الوطنيين الديمقراطيين الموحد)، فيما تمكّن التيار القومي ممثلاً بحركة الشعب (اليسار الاجتماعي) من تحسين موقعه البرلماني بالحصول على 15 مقعداً، ليحل بذلك محل الجبهة الشعبية التي يبدو أنها لم تحسن قراءة الواقع بشكل جيد، وهو ما جعلها خارج المنافسة السياسية في البلاد، فيما توقع مراقبون تواصل نشاط الأطراف اليسارية داخل منظمات المجتمع المدني والنقابات.
ويردّ المؤرخ والمحلل السياسي، د عبد اللطيف الحنّاشي، خسارة اليسار التقليدي في الانتخابات البرلمانية لسببين: «الأول هو ارتكابه خطيئة كبرى تتمثل في تفكك الجبهة الشعبية التي كانت مكسباً كبيراً جداً لليسار التونسي من جهة وللحياة السياسية والحزبية في تونس من جهة أخرى، ويبدو أن أنصار الجبهة الشعبية ملّوا الانقسام المتواصل داخل مكوناتها، وكانت لديهم «نقمة» على سلوك زعماء هذه الأحزاب، وهذا ما تمت ترجمته في الانتخابات البرلمانية، حيث لم تحصل أحزاب الجبهة سوى على مقعد واحد فقط».
وأضاف لـ«القدس العربي»: «السبب الثاني هو أن «التصويت المفيد» لعب دوراً كبيراً في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فكان في لاوعي الناس الذين يصوتون لليسار أنه في هذه المرحلة يمكن أن يدعموا شخصيات من خارج اليسار لمواجهة النهضة، والتي تمثل عُقدة للعائلة الوسطية الديمقراطية عموماً».
لكن الحناشي يشير إلى عوامل أخرى «أكثر عمقاً» أدت إلى خسارة اليسار التقليدي لموقعه في الحياة السياسية التونسية، وتتعلق بـ»عدم قدرته على تجديد خطابه وآلية عمله، رغم الفرصة التي أتيحت له في ظل مناخ الحرية الذي تعيشه البلاد بعد الثورة، حيث كان يمكن أن يتقدم ويكون أكثر فاعلية، ولكن يبدو أنه عجز عن ذلك، كما أن قياداته واصلت خطابها الحاد والاستئصالي، بخلاف القوميين وخاصة حركة الشعب، فرغم مخالفة الأخيرة للنهضة والإسلام السياسي، ولكن لم يكن لديها خطاب استئصالي».
ويوضّح أكثر بقوله: «حركة الشعب التي تمثل اليسار الاجتماعي المعتدل كانت أكثر مرونة من أحزاب اليسار التقليدي، فهي أقرب للتيار الديمقراطي (ديمقراطي اجتماعي) مثلاً من حزب العمال (ماركسي لينيني). كما أنها لا تمتلك الخطاب العدمي الذي يتبناه اليسار التقليدي، والذي يتميز دوماً بالرفض، فهي ليست ضد المشاركة في الحكم، حيث سبق أن شاركت في حكومة علي العريض (2013)، ويوسف الشاهد (2016)، ولذلك هي على استعداد للاندماج في السلطة وتحمل المسؤولية، عكس الجبهة الشعبية التي أتيحت لها فرص عديدة لم يتمكن من استغلالها، وهذا أدى إلى احتجاج واسع من قبل أنصارها ومؤيديها، إضافة إلى المنتمين إليه، وهو ما دفعهم إلى معاقبتها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
ويقسّم الباحث والمحلل السياسي د. رياض الشعيبي، اليسار التونسي إلى نوعين «فهناك اليسار التقليدي المتأتي من الخلفية الماركسية اللينينية، وهناك اليسار الاجتماعي الذي يدافع عن قضايا العدالة الاجتماعية، ولكنه يتقاطع مع بعض الأطروحات للماركسية اللينينية».
ويضيف لـ»القدس العربي»: «منذ التسعينيات، لم تعد التمثيلية الحزبية هي التمثيلية الأفضل لليسار التقليدي، يعني أصبح هذا اليسار يجد فرصة للتحرك أكثر داخل منظمات المجتمع المدني، من خلال النقابات ومنظمات حقوق الإنسان وحماية البيئة والدفاع عن المستهلك والحريات الخاصة والعامة، وهذا ينطبق على تونس وأغلب دول العالم، وهناك دراسة ممتازة جداً لأنطوني غيدنز (عالم اجتماع سياسي إنكليزي) حول تحولات اليسار في العالم، تؤكد هذا الأمر».
ويصف الشعيبي تكتل الجبهة الشعبية بـ«ربيع اليسار التونسي»، مشيراً إلى أنه كان «استثناء ظرفياً لم يستمر طويلاً، قبل أن يعود اليسار التقليدي بسرعة إلى مكانه الطبيعي داخل منظمات المجتمع المدني والنقابات».
لكنه يشير إلى أن اليسار التقليدي لن يختفي كلياً من المشهد السياسي التونسي، حيث ستبقى مجموعات سياسية صغيرة على غرار حزب العمال والوطد وبعض الأحزاب الماركسية الأخرى، ولكن لن يكون لها تأثير قوي في المجتمع، لأنها ستبقى مجموعات مغلقة ومحدودة التأثير، ولن تستطيع أن تتمدد، ولن يكون لها حضور انتخابي قوي. ولذلك أؤكد أن التأثير القوي الذي سيمارسه اليسار التقليدي في المجتمع التونسي سيكون عبر اتحاد الشغل باعتباره منظمة نقابية، فضلاً عن رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان وهيئة المحامين ونقابة الصحافيين وغيرها من المنظمات والجمعيات المهنية وجمعيات المجتمع المدني».
ويتابع: «أما بالنسبة لليسار الاجتماعي الذي يدافع عن العدالة الاجتماعية، فانتماؤه للمجتمع السياسي ليس لانتمائه إلى اليسار، بل لأنه يعتمد على إيديولوجيا أخرى، فالقوميون يعتمدون على إيديولوجيا الوحدة العربية والقضايا القومية، ولكن استعارتهم لقضية العدالة الاجتماعية فرضها عليهم التحدي الموجود الآن في الواقع، باعتبار أن العدالة الاجتماعية اليوم هي من أهم القضايا التي تؤثر في الناس وتمسّ حياتهم وظروف عيشهم، ولذلك هم يتبنون هذه القضية كأداة من أدوات التواصل مع المجتمع لا أكثر ولا أقل، ولذلك هم لا علاقة لهم باليسار التقليدي، كما أسلفت».
وكان مراقبون دعوا، في وقت سابق، تكتل الجبهة الشعبية إلى إعادة قراءة الواقع السياسي في تونس ومحاولة التكيف معه وتقديم أطروحات سياسية جديدة، محذرين من تفكك «الجبهة» وعدم صمودها في ظل التحولات السياسية التي تعيشها البلاد. وهو ما حدث فعلاً قبل أشهر، حيث أدت الخلافات العميقة بين حزبي العمال والوطد (أكبر حزبين في الجبهة) إلى تفكك هذا التكتل اليساري، والذي تعرض لاحقاً إلى هزيمة ثقيلة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة .

(القدس العربي)

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023