عصمت سيف الدولة: تأليفة العروبة والإسلام والأخلاق…بقلم د.عادل بن خليفة بالكحلة

عصمت سيف الدولة: تأليفة العروبة والإسلام والأخلاق…بقلم د.عادل بن خليفة بالكحلة

1. المفكّر عصمت سيف الدولة ومركزية الإسلام:

إنه المفكر والموجّه المركزيّ للتفكير والممارسة لدى مناضلي التيّار القومي الناصري بتونس. وتعود الصرامة الأخلاقية والالتزام التدينيّ، اللذان تميّز بهما الطلبة العرب التقدميون الوحدويون، إلى حدّ كبير إلى أطروحة هذا المنظّر في الأخلاق والدين.

يرى المفكّر عصمت سيف الدولة أن مناهضة الإسلام بالعروبة «ظلم»، وأن مناهضة العروبة بالإسلام «نفاق». والمناهَضَتان تنمَّان في رأيه عن «جهل» بالعروبة والإسلام معًا، وهُما تحريض على معارك تُبْعِد عن «معركة تحرير الأمّة»[1]. وهو يقصد بالمناهضة الأولى: الإخوان المسلمين، ويقصد بالمناهضة الثانية: القوميين.

فالانتماء إلى العروبة، بما هو «انتماءٌ إلى أحياء من البشر، يكفي أدنى قوانينِ الحركةِ»[2]، وتحديدَ أسماءِ الأعداء من أجل «التحرر والوحدة والتقدم ثم الرخاء»[3].

أمَّا الانتماء إلى الإسلام، فهو يعني التلقي «من الله أمرًا صريحًا بالقتال ضد المعتدين (…)، وبأنه من سكت على الظلم فقد ظلم نفسه، وأنذره بجهنم مع الظالمين أنفسهم»[4].

ويرى المفكر أن القرآن الكريم «قد أشار إلى التمايز بين القبائل والشعوب والأمم، ولكنه لم يجعل لهذا التمايز أثرا نافيا لوحدة العقيدة»[5]؛ وقد يتعدد الانتماء الديني (العقائدي) في الأمة الواحدة دون أن يمس وحدة الأمة (..) فلنتأمل أن الإسلام لا يدعو أهل الكتاب في المجتمع الواحد إلى التخلي عن دينهم والانتماء إليه، بل يدعوهم معه، ليعيشوا معًا على كلمة ﴿سـواء﴾»[6].

إن الأُمة العربية، في بحث المفكّر سيف الدولة، «هي الأُمة التي أوجدها الإسلام، ولم تكن موجودة مِنْ قَبْلِه. وإنها تتميز بهذا عن بقية الأمم، ولو كانت أممًا مسلمة»[7]. ولقد كانت الصحيفة، دستور دولة النبي التي أقامت الدولة والأمة العربيتيْن، جامعةً المسلم واليهودي والنصراني والمشرك معًا.

ولم يكن الإسلام، في نظر المفكّر، مجرّد «دين»، بل «كان ثورة اجتماعية ذات مضامين حضارية، أنشأت بينه وبين الأمة العربية علاقة عضوية- تاريخية، خاصة»[8]؛ و«حيث نبحث عن حضارة إسلامية خالصة من الآثار الشعوبية لا نجدها إلا في الحضارة العربية؛  وحيث نبحث عن حضارة عربية خالصة من الآثار القَبَلِيّة لا نجدها إلا في الحضارة الإسلامية. كذلك أصرّ الأكثر علما بالتاريخ على التوحيد بين كلمة “مسلم” وكلمة “عربي” في الدلالة على الحركة الحضارية»[9]. وهو يثمّن أطروحة الإسلام في العلاقة بالطبيعة، وفي مضمون المساواة بين الناس، وفي الثروة وإنتاجها وتوزيعها[10].

وهو يؤكد أن الحسّ القومي العربي بعيد عن العصبية، لأنه مؤطَّرٌ بالإسلام، مؤسِّسِ ذلك الحسّ، حرَّم «حتى الاتفاق سرًّا على العدوان»، وأباح «دفع العدوان بشرط عدم البدء به، وعدم المبالغة في دفعه»[11].

إن دولةً تَجْمع كل المسلمين من المحيط إلى المحيط، لم تَكُنْ بالماضي، وليست بالأمر الهيّن راهنًا[12]، فجنوب شرق آسيا المسلم أو إفريقيا الغربية المسلمة لم تكن يومًا جزءًا من الدولة العثمانية؛ و«دولة الخلافة لم تكن دولة إسلامية، كما أنها لم تكن غير إسلامية»[13]. ففكرة «الخلافة»، كما نشأت مع الصحابي أبي بكر بن أبي قحافة لم تكن أمرًا قرآنيا ولا محمديّا[14] بل كانت «فلتة» بتعبير الخليفة ابن الخطَّاب، واجتهادًا مِنْه، ولم تكن دولة الخلافة «إلا واحدة من نموذج الدولة السائد في عصرها- وما قبله- وهو ما يعْرَف باسم “الإمبراطورية“. وكل ما يميّزها هو المضمون الحضاري لنشاط الدولة، وهو مضمون إسلامي»[15].

فالدعوة إلى وحدة عربية هي دعوة «واقعية»، من أجل تحرير الشعب والوطن العربيين حتى «يكتمل تهيؤ الأُمة العربية معنويا ونفسيا وثقافيا وتاريخيا لتلِّقِي الدعوة إلى أن يكون نظام دولة الوحْدة إسلاميًّا، وقبولها. ولسنا نشك لحظة في أنه ستَقْبَله، لأن الأُمة العربية هي أُمة الإسلام، وإنجاز ثورته، وحاضنة حضارته، وحاملة رسالته، إلى كل شعب يَقبلها دون إكراه في أية دولة من دول الأرض»[16].

ولقد كان الدكتور عصمت سيف الدولة مراهنًا على المقاومة التَّشيعية الناشئة في جنوب لبنان منذ عام 1982. ولذلك نجده يجتهد في مناقشة «منظِّر» تلك المقاومة، ومرجعها، محمد حسين فضل الله، بمناسبة حوار المَرجع مع جريدة من شبه الجزيرة العربية، فيدعوه إلى تجاوز حالة الشعور العروبي «الطفولي» بأن يُفرّق بين «العروبة» و«القومية»، من أجْل رؤية وحْدوية نشيطة[17]. إنه لا يُنكر  أنّ شباب حزب الله«شباب يبذلون دماءهم الزكية دِفاعًا عن أمتهم في جنوب لبنان، ويضيئون من أرواحهم الطاهرة مصابيح أمل في ظلمة اليأس المُدْلَهِمَّة»، لنا«نحن الذين ندعوهم إلى القتال ولا نقاتل». إنه يعتبر فضل الله «مِنْ قادة الحركة العربية القومية»، وحزب الله «فصِيلاً من القُوَى العربية القومية»«لأن العبرة بحقيقة المَواقف»[18].

 

  1. المنظّر عصمت سيف الدولة ومركزية الأخلاقيّ:

يرى المفكّر عصمت سيف الدولة أولويةَ الأخلاق في نضال القوميِّ «الحقيقيّ»[19].

يرى عصمت سيف الدولة أن «الاستقامة الخُلُقية ليست ضرورة» في أعضاء الطليعة التي ستتحمل أعباء الثورة العربية، بل هي «غاية في الحركة أيضا»[20]. ولذلك جعل الاستقامة الخُلُقية شرطًا في مناضليها، علاوة على فكرها الواضح وتنظيمها ذي «الانضباط الديمقراطي».

والمضمون الأخلاقي للحركة التي ينظِّر لها عصمت سيف الدولة، يجب أن لا يكون «اصطناع نمادج خلُقية لا جذور لها في المجتمعات التي تعيش فيها. فتلك مثالية عقيمة»[21]، «ففي كل مجتمع حصيلة غنية من القيم التي كانت وليدة تاريخه الخاص (…) [و] تلك القيم حقائق كافية تظهر ضد أي استفزاز سلوكي، فتُدِينُهُ الجماهير طبقا لمقاييسها السائدة (…) لهذا يكون عبثا أن تحاول أية حركة سياسية الإسهام في تحقيق مصير أمة متجاهلة خصائصها الخُلُقية»[22].

لا يشك المفكّر عصمت سيف الدولة في أن «التاريخ الطويل الذي قضتْهُ الأمة العربية في ظل الدين الذي تكوّنت به أمةً، ثم صنعت الحياةً على هَدْي القيم التي أرساها، قد وفّر لها حصيلة بالغة الخصوبة والسمّو معًا يمكن أن تسمّى أخلاقا إسلامية. ولا يزال العربي يتميّز بالعزة والصدق والشجاعة والمروءة والكرم، وغيرها، مميزاتٍ لم تأتِهِ من البَدَاوة الضاربة، ولكنْ مِنْ حياة الأخوّة في ظل الثقافة الإسلامية»[23].

إنه يَنْتقد المفكّرين العرب الذين يحاولون تفسير انحطاط العرب المسلمين بالأخلاق الإسلامية بتعلة أنهم «كانوا حينئذ مسلمين»[24]. ورفضه لهذا التفسير، كان من خلال بنائه «القيّم الخُلقية على أساس علمي»[25]. فإذا كان منهج «جدل الإنسان» الذي يقترحه المفكّر عصمت سيف الدولة، سليمًا، «فلا بُدَّ أن يتفق مع الحق مما يُنسبُ إلى الدين. فجدل الإنسان لا ينْقُضُ الأديانَ، [وإنما] يفسِّر بالمنهج العلمي في زمان معيّن ما يخصّ زمانه، قدْرًا ممَّا جاءت به الأديان لكل زمان»[26].

يؤكد المفكّر عصمت سيف الدولة أن الطليعة التي يُنظِّر لوجودها لا تَعْرف «الفصل بين القيّم الخلقية وبين أهدافها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولا يمكن أن تُقلل من دلالة الانحراف الخُلقي على الانحراف العقائدي والنضالي معا وشعارها في هذا أن الإنسان المفرغ من القيّم الخُلقية لا يمكن أن يكون واعيا أو مناضلا أو تقدميًّا»[27].

إنه في بحثه عن «الفضيلة» و«الرذيلة» و«الخير» و«الشرّ»، لا يقدّم إجابة تجريدية، أو«مُشرْعِنة» لمواقف سابقة. فجَدَل الإنسان، الذي يقترحه، يؤكد أن «كل ما يُسهم في التطوّر ويساعده: فضيلةٌ، وكل ما يقف في سبيل التطوّر ويعرقله: رذيلة»[28]. وبذلك يكون للفضيلة والرذيلة معيارٌ علميّ مائز، فلا تختلطان، «فهما قيمتان مرتبطتان بحركة المجتمع نفسه»[29]؛ «ومِن هنا، لا يصحّ ما يُقالُ له الخير المطلق أو الشرّ المطلق. فأسمى الفضائل في عصر من العصور، قد تكون أحطَّ الرذائل في عصر غيرَهُ»[30]. وإذا بدتْ بعض الفضائل مطلقة أو خالدة، فذلك لأنه «على مدى الإدراك في زمان معين، تبدو تلك الفضائل متفقة مع ضرورات الحياة التي يحيط بها الإدراك»[31].

ومضمون التطوّر عند المفكّر، «يختلف من مجتمع إلى آخر»[32]. فالطَّلِيعيُّ العربي، ينبغي أن «لا يُدين سلوكا كان وليدَ ظروفِ مجتمعٍ غير المجتمع العربي، إلا أن يكون عدوانا على إنسانية الإنسان، لأنهُ وَ هُمْ، شركاء في المجتمع الإنساني. أما في غير هذا، ففضيلتُهُ الخاصة أن يحترم عادات الشعوب كافة وتقاليدَهَا وأخلاقها»[33]. فمهما بَدَت قواعد السلوك، تلك، شاذّة، في نظره، «فإنها مِن صنع ظروفهم، وأن تغييرهم رهْن بمعاتاتهم حيث يعيشون، ومن حيث ينطلقون. وبهذا يتميّز الطليعيّ العربي بهذه النظرة المتسامحة المفعمة بحبّ الناس كلهم، وقبولهم كما هُمْ»[34]، إذ هو يرفض نزعة «التفوق الطبيعي الذي تدّعيه بعض الأجناس»[35]، متحرّرًا في الآن نفسه من الشعور بالدونية أمام الأمم الأخرى[36].

3.المفكّر عصمت سيف الدولة في تونس غير الناصرية:

زَار عِصْمت سيف الدولة تونس عام 1984 ولكنْ لم يكن طبْعُ بعض كُتُب عصمت سيف الدولة لأول مرة بتونس مِنْ قِبل طَرفٍ قوميّ تونسي، بل كانت مِنْ قِبل طَرفٍ خَارجٍ منذ قرابة عَقْدٍ (عام 1990) مِن الحِمَى الثقافي الإخواني الأوسع، هو تيّار «الإسلام التقدمي» الذي أثَّر إلى حدّ كبير في الاتجاه الإسلامي بالجامعة، والذي كان منه التيار الليبرالي بتيار الإخوان المسلمين في حراك ما بعد 14/1/2011. فلقد اتصل المناضل صلاح الدين الجُوْرشِي، وهو منْ أهم ممثلي الإسلام التقدمي (أو اليسار الإسلامي بتونس) عام 1989 بالقاهرة بالمفكر عصمت سيف الدولة، وأجرى معه حوارًا نشره بجريدة الرأي التونسية، وسلّمه موافقة خطية تَسْمح له بنشر كل كتبه، وقد «استغرب في تلك المقابَلة وجود أتباعٍ له كثيرين بالجامعة التونسية وعلى كل حِمَى البلاد التونسية»[37].

ولقد غضب جلّ ممثلي تيار الإخوان المسلمين آنئذ لنشر دَار البُراق التابعة للإسلاميين التقدميين، لكتب المفكّر سيف الدولة، وتجسّد ذلك في كتاب مُحسن الميلي (أستاذ الفلسفة بالتعليم الثانوي): ظاهرة اليسار الإسلامي، متهمًّا إياهم ببناء فكرٍ«إسلامي»«مِنْ خارج المَصَادر الإسلامية»[38]. لم يَكُن منْ بين هؤلاء الممثلين المناضل الحبيب اللُّوز، الذي يُعْرَف بسلفيته، لأنه كان آنئذ بالمركّب الجامعي، طالبًا ناصريا، مشاركًا في النقاشات المنافحة عن الطرح القوميّ وعن «جماهيرية» العقيد معمّر القذافي. ولم يَكُن مِن بين هؤلاء المحَامي عبد الفتاح مورو، لأن الأمر لا يهمه إذ أن النزعة التونسية كانت متمركزة جدًّا فيه. بينما التزم الشيخ راشد الغنّوشِي الصمت، لأنه يريدُ نفسه دائما مستوعبًا للاختلافات داخل جماعته، بَيْد أنَّ خطابه تغير، بَعْد تاريخ إصدار الكتب الأرْبعة لعصمت سيف الدولة، ربما بتأثير قراءتها، إذ ظهر البُعْد العروبي فيه لأوَّل مرة». لكنَّ انزعاج أكثر القادة كان بسبب أن جلّ المتعاملين مع مكتبة الجديد، مكتبة الإسلاميين التقدميين«هم أساسًا من طلبة الاتجاه الإسلامي وشبابه عمومًا»[39].

لقد اختار ممثِّلا اليسار الإسلامي، التونسيَّيْن الأبرزين، صلاح الدين الجُورْشي واحْمِيدَة النَّيْفر، ومعهم الناشر: لطفي غِرْبَال (شركاء مكتبة الجديد ودار البراق) الانفتاح على الفكر القومي والفكر اليساري والفكر الليبرالي «لتكسير القطيعة التي افتعلها المفكر سيد قطب، خاصة مع الفكر القومي، ولإثراء فكرنا الذي يجب أن يكون إنسانيًّا بالأساس»[40]. ولكنَّ البُعْد الليبرالي هو الذي غَلب عليه، ليُفرز الجناح الليبرالي لحزب حركة النهضة و وزراءَهُ بعد 14/1/2019. ولقد فرح الكثير من القوميين بنشر تلك الكتب، وكان هناك تقارب مع الإسلاميين التقدميين، خاصة مع ممثّليْه الأبرزَيْن. ولكنَّ ذلك لم يُتَرجَم إلى تقارب مع الاتجاه الإسلامي بالجامعة، الذي واصل في إقصائه متديّني الطلبة العرب التقدميين الوحدويين عن مسجد وزارة التعليم العالي، ولم يكن هناك اتفاق على أي محور من مَحاور الصراع الطلاّبي.

وقد كتب الشيخ راشد الغنوشي، تحت إسمه المستعار « رشدي عبد الصبور»، عام 1983 نصَّه: العروبة والإسلام[41]، مقرّا بتأثره بـ«التيارات الفكرية الإسلامية والقومية الواردة من  المشرق»، مناديا بتجاوز «الجفوة» بين التياريْن، رغم أن تيّاره يرفض «جعل العروبة عقيدةً ونظامًا للحياة»[42]، رغم عدم دقة مُدْعاهُ، ولكنه أكد ومعه للخطوات التوحيدية بين الدول العربية، ومن ذلك «تأييده لإعلان الوحدة بين تونس وليبيا»[43]. فهو نفسه لا ينكر أنه كان ذا هوى قومي.

 

 

 

 

خاتمة:

يلتزم الطليعيُّ العربيُّ، في نظر عصمت سيف الدولة، بأن لا يكون منفصلاً عن الناس، بل ينبغي أن يكون «في تأثّره وتأثيره، متحركا، جزءًا معَ الكلّ، حركةً دائمةً»[44].

وعلى أساس ذلك «تصبح التقدميّة خُلُقًا طليعيًّا، وتُصبح الرجعية عُقمًا أخلاقيًّا محضا»[45]. فلقد انتهى عصر التنظّم القبلي، «فَحَتْمٌ أن يكون الطليعي العربي مُطهَّرا من التعصب القَبَلي. وانقضتْ المجتمعات الدينية[46]، فَحَتْمٌ على الطليعي العربي أن يكون مطهَّرا من التعصب الديني»[47]. وهو «لا يتحيز للماضي، ولا يعطل المستقبل. ومن هنا يعرف لماذا لا يمكن أن يكون الإنفصالي، أو الإقليمي[48]، أو الرأسمالي على خُلُق»[49]؛ ويَعْرف أن «القومية والديمقراطية والاشتراكية قيّم خلقية، بالإضافة إلى كونها حلولاً اجتماعية وسياسية واقتصادية»[50]. وبذلك يكون نضاله ضد التعصب العنصري أو ضد الصهيونية نضالاً أخلاقيًّا أيضا.

وعَليْه، «لا ينافق» الطليعي العربي، و«لا يضَلّل، ولا يغش، ولا يخون (…) ويَبْرأ (..) من النزوع الدكتاتوري والتسلط»[51]، و«يتميز بالشعور الجماعي، والتعاون (..)، ويُدين (..) الفَرديَّة والاستغلال والانتهازية (..) ولا يعتدي على حرمات الناس أو أعراضهم أو مشاعرهم»[52].

إنه يريد الطليعة التي ينظّر لها، «أن تكون مَدْرسة للوعي: لا يُدَانُ فيها أحدٌ، ولا يُحقَّرُ، ولا تُسَخَّفُ آراؤه، ولا يُتَّهَمُ، بل يُؤخذ بيده في تسامح وحبّ، ورغبة صادقة في التعاون»[53]. فبذلك تكون تلك الطليعة «مدرسة للوعي، وتَرْبيةً للخُلُق، وقائدةً للنضال معًا»[54].

إنه يعتبر عَلْميَّة الحياة العربية عملا من أعمال «النفاق» (والمصطلح قرآني). ذلك«لأن للعلمانية نظامًا، وللإسلام نظامًا، وهما لا يتفقان في أكثر من وجه. ولما كان مصدرُ مشروعية أي نظام القبولَ العامَّ، وكان أكثر الشعب العربي مسلمين، فإن قبولهم نظام العلمانية لا يتحقق بدون إكراه إلا بالإبقاء على الإسلام دينًا «لله» واستبعاده نظامًا للحياة في الوطن الذي هو «للجميع»، لتخْلُو الحياة العربية لنظام لا يتفق في أكثر من وجهٍ مع الإسلام نظامًا. وهذا هو النفاق»[55]. وسيكون القومي العربي منافقًا، في رأيه، إن انخرط في سيرورة العَلْمَنة أو دَعا إليها.

 

 *****************************************************

[1]. سيف الدولة (عصمت)، عن العروبة والإسلام، دار البُراق، تونس، 1990، ص5.

[2] م. س، ص7.

[3]. م. س، ص 8.

[4]. م. س، ص8.

[5]. م. س، ص 11.

[6]. م. س، ص 11.

[7]. م. س، ص 33.

[8]. م. س، ص 46.

[9]. م. س، ص 46 أيضا.

[10]. م. س، ص 47 و49 و50.

[11]. م. س، ص 53 و54.

[12]. م. س، ص 66.

[13]. م. س، ص 69.

[14]. م. س، ص 69.

[15]. م. س، ص 74.

[16]. م. س، ص 74.

[17]. سيف الدولة (عصمت) «الإسلام بين العروبة والقومية»،عام 1987 (مَنشور على: http : harahawahide.wordpress, 28/9/2016) …….

[18]. سيف الدولة (عصمت) م. س.

[19].م. س، ص 103.

[20]. سيف الدولة (عصمت)، نظرية الثورة العربية: الأسس(2)، ص 141.

[21]. م. س، ص 142.

[22]. م. س، ص 142.

[23]. م. س، ص 143.

[24]. م. س، ص 143.

[25]. م. س، ص 143.

[26]. م. س، ص 143.

[27]. م. س، ص 143

[28]. م. س، ص 144.

[29]. م. س، ص 144.

[30]. م. س، ص 144 أيضا.

[31]. م. س، ص 144 أيضا.

[32]. م. س.

[33]. م. س، ص 146.

[34]. م. س، ص 146.

[35]. م. س، ص 146.

[36]. م. س، ص 148.

[37]. … من مقابلتي مع المناضل صلاح الدين الجورْشي في 2/12/2019 [أعتقد أن استغرَاب المفكّر كان تقيّةً].

[38]. م. س.

[39]. م. س.

[40]. م.س؛ ومن مقابلتي مع المناضل الناشر لطفي غربال، 29/1/2019.

[41]. عبد الصبور (رشدي)، العروبة والإسلام، مطبعة تونس قرطاج، 1983، ص 13.

[42]. م. س، ص 21.

[43]. م. س، ص 21.

[44]. م. س، ص 148 أيضا.

[45]. م. س، ص 148 أيضا.

[46]. «المجتمعات الدينية»في اصطلاح عصمت سيف الدولة هي التي سلطتها مدّعاة على مَصْدر ألوهيّ.

[47]. م. س، ص 147.

[48]. «الإقليمي»هنا معنى الانحصار القطري.

[49]. م. س، ص 147.

[50]. م. س، ص 148.

[51]. م. س، ص 148 أيضا.

[52]. م. س، ىص 149.

[53]. م. س، ص 150.

[54]. م. س، ص 151.

[55]. م. س، ص 150.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023