على خطى المطبّعين…المغرب رابع المتسابقين

على خطى المطبّعين…المغرب رابع المتسابقين

لم تكن نكسة حرب الايام الستة، في شهر جوان/ حزيران 1967م على المسلمين، أشدّ وقعا من احراق الصهاينة للمسجد الاقصى، في 21 أغسطس 1969م (1)، فقدر العرب والمسلمين في ذلك الزّمن نكبات متتابعة، في ظل حكومات أثبتت جدارتها فقط، في العمالة والتبعية لأمريكا والغرب، وهي تعلم بأن هؤلاء يعملون لصالح دولهم – وما قدّموه من فتات إنما هو جزء بسيط لا يقارن بما نهبوه من تلك البلدان- وإنما من أجل تثبيت الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، نائبا عنهم ورعايا لمصالحهم.

 

لقمة العيش السياسية الوضيعة، طلبتها هذه الدّول، استجداء للمعونات التي تقدمها عادة أمريكا والغرب، لمن يطأطئ الرأس لها، ويستجيب لأوامرها دون تردد، وتقديم تلك الاعانات يكون بحجم الطاعة في خدمة أهداف الغرب العامة، بإبقاء العرب في غربة بقدر المستطاع عن دينهم، أما المصالح فتداس بأرجل حكام، يأتيهم الأمر من البيت الأبيض تحديدا، حيث انحصرت طلباته بما يهين ولا يشرّف، أما بقية دول الغرب، فعلى أساس موروثها الاستعماري الذي لا يزال معمولا به، باستحقاق تنفّذ عملائها في تلك البلدان الضعيفة، وحصرا بموافقة أمريكية.

 

ويبدو اليوم بعد هذه العاصفة الكاذبة من التطبيع، أن انفراط عقد الدول العربية، وذهاب بعضها الى اعطاء الدّون لهذا الكيان الغاصب، أنّ جمع من انفرط أصبح مستحيلا، في ظل التهافت والاستدراج، وأنّ البقية واقعون تحت طائلة الرضوخ للتطبيع بأي طريقة ممكنة لأمريكا والكيان الصهيوني، فقد حان زمن كشف الاقنعة من الجميع، وجائحة كورونا تعصف باقتصاديات العالم وخصوصا الدّول العربية، والفرصة متاحة لمزيد من انبطاحها، من أجل انقاذ أنظمتها من غضبة شعوبها، في ظل تردّي أوضاعها المعيشية.

 

فبعد الامارات والبحرين والسودان، حلّ ركب ملك المغرب، ليعلن عن اقامة علاقات علنية مع الكيان الصهيوني، وهي علاقات معروفة ووطيدة منذ زمن، وإن لم يعلن الطرفان عنها، وما تسرّب منها الى العلن، يعتبر محرارا لقياس مدى ردّة فعل الشعب المغربي، وهكذا كان دأب من سبق العَدْوَ على حلبة التطبيع في اختبار شعوبهم، ومدى تعلّقها والتزامها بالقضية الفلسطينية، ووفائها لشقيقها الشعب الفلسطيني، وبنظرة سريعة يمكننا تتبّع مناسباتها الخيانية، في الوقت الذي كان الشعب الفلسطيني يعتبر المملكة المغربية دولة مناصرة له، تماما كشعبها الخانع الراضي بما يفعله الملك أبا وابنا من تجاوزات، لا تشرّف أحرار المغرب.

 

لقاءات ترتقي الى ما فوق الاعتراف بكثير

 

فقد التقى مسؤولو البَلدان مرات عدّة، لعلّ أهمها اللقاء الذي تم في سنة 1986، وجمع شمعون بيريز، بالملك المغربي الراحل الحسن الثاني، لدى استقباله له في مطار إفران، واجتمع فيه بعد ذلك بالعاصمة الرباط، وقد قوبل اجتماعه بردّ فعل عنيف واحتجاجات من أحرار المغرب، وفي عام 1999 عبر بيريز عن تعازيه بوفاة الحسن الثاني، وشارك في مراسم تشييع الجنازة نحو 200 شخصية رسمية إسرائيلية، وهذا دليل ثابت على وجود علاقات رفيعة بينهما، وتواصلت اللقاءات على مستويات متفاوتة في الأهمّية، دون أن يعير الملك الأب ولا ابنه أي اعتبار لمشاعر شعبهما، وما قيمة الشعوب المغلوبة على امرها – اذا فقدت زمام المبادرة- أمام جبروت حكام لا يحلو لهم في سلطانهم، سوى اتباع هواهم ومعاكسة شعوبهم.

 

وافق الملك الحسن الثاني على فتح مكتب اتصال للتنسيق بينه وبين الكيان الصهيوني في 1 سبتمبر 1994 (2)، أي قبل عامين من فتح تونس في عهد بن علي، مكتبا للاتصال والتنسيق مع الكيان الصهيوني(3) والذي روّج لنا الاعلام الفاسد، بأنهما أغلقا ذرّا للرماد على العيون، وحجبا لحقيقة بقيت قائمة، ببقاء تلك العلاقات مفعّلة، لكنها عادت الى الخفاء والسّرّية من جديد، بسبب الاعتداءات الصهيونية المتكررة على قطاع غزة، وتنصل حكومة الكيان من التزامها بحلّ الدولتين، الذي تسعى اليه اغلب الدول العربية وجامعتهم الفاشلة.

 

الخيانة في أقبح ملامحها

 

ووفقًا لـ(شلومو جازيت) الضابط في الموساد (كان قائدًا لسلاح المدرعات، ولاحقًا رئيسًا للموساد)، أعلم الحسن الثاني عملاء من الموساد والشاباك (عُرفوا بوحدة العصافير)، حول الفندق في الدار البيضاء، حيث ستعقد فيه قمة جامعة الدول العربية، في سبتمبر 1965، وذاك من أجل تسجيل محادثات القادة العرب، في الجلسة السرية، حيث تناولوا مسألة استعدادهم للحرب مع إسرائيل، قام بمنحهم طابق كامل في الفندق، وطلب مغادرتهم، قبل يوم من بدء القمة العربية.(4) وبمعنى آخر أن فريق المخابرات الصهيوني، قام بتركيز أجهزة تنصّت دقيقة، لمتابعة الاجتماعات عن بعد، وهذا لعمري عمل جبان وخيانة، لا يمكن وصف قبحها.

 

وطبيعي إذا تعددت خيانات الأنظمة العربية، والشخصيات النافذة في الحكم فيها، فإنه لن يكون بإمكانها أن تقف في وجه الكيان الصهيوني الغاصب، المدجج بمختلف أنواع الاسلحة، تماما كما حصل في حرب الأيام الستة، التي ركّبت علينا خيانات أصحابها أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وقد أسقطتها المقاومة الاسلامية، ممثلة في حزب الله في 2000 و2006 بالحاق هزائم به، لم يكن يعرفها من قبل، ونما بها محور المقاومة الاسلامية في قطاع غزة، المدعوم من طرف الجمهورية الاسلامية الايرانية، ومرشدها الاعلى الامام السيد علي الخامنئي، ولقنت فصائله بدورها القوات الصهيونية هزائم، بكسر هجومها على القطاع في ثلاث مناسبات هي: الحرب الأولى سنة 2008: في 27 ديسمبر/كانون الأول، لعام 2008، شنت إسرائيل حرباً على قطاع غزة، أسمتها (الرصاص المصبوب)، فيما أطلقت عليها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اسم (حرب الفرقان ) واستمرت 21يوما.

 

الحرب الثانية سنة 2012: في الـ14 من نوفمبر/تشرين الثاني 2012، شنت إسرائيل حرباً ثانية على قطاع غزة، أسمتها (عامود السحاب)، فيما أسمتها حركة حماس (حجارة السجيل)، واستمرت لمدة 8 أيام.

 

الحرب الثالثة سنة 2014: في السابع من يوليو/تموز 2014، شنت إسرائيل حربها الثالثة على قطاع غزة، أسمتها (الجرف الصامد)، فيما أطلقت عليها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اسم (العصف المأكول). واستمرت 51 يوما.(4)

 

وبالنتيجة يمكن القول بأن أمريكا والكيان الصهيوني يستبقان الزّمن في سحب شرعية إيران ومحور مقاومتها في محاربة الكيان الصهيوني الغير شرعي، وطالما أن اغلب أو جميع الدول العربية – باستثناء اليمن- ستنزل الى حضيض الخضوع والاعتراف والتطبيع فإن اجتماع هؤلاء المطبعين قد ينشئ حلفا عربيا صهيونيا لمحاربة ايران، وهذا وارد جدّا.

 

فهل سيفهم عموم الفلسطينيين بعد هذا الانقلاب الفاضح، أنه لم يعد لهم أمل بعد الله سوى إيران الاسلامية؟

 

 

المراجع

 

1 – حريق المسجد الاقصى – ويكيبيديا

2 – العلاقات الاسرائيلية المغربية – ويكيبيديا

3 – العلاقات الاسرائيلية التونسية – ويكيبيديا

4 – ثلاث حروب اسرائيلية على غزة (انفوجرافيك) aa.com.tr/ar/

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023