عندما تعرَّض الدكتور محي الدين عميمور لصدمة بولاية قالمة !

 عندما تعرَّض الدكتور محي الدين عميمور لصدمة بولاية قالمة !

بقلم: فوزي حساينية –  كاتب جزائري |                    قبل مدة وخلال استضافته في حصة المرصد الثقافي على أمواج الإذاعة الثقافية الوطنية الجزائرية تحدث الأستاذ محي الدين عميمور عن عدد من المسائل والقضايا الهامة،والحصة بطبيعة الحال يمكن إعادة الاستماع إليها لمن يريد، ومما ورد في كلام الأستاذ :

” إن الأمَّة التي لاتُقدِّر كبارها، تتعرض للإهانة من صغارها “، ومفردتا الكبار والصغار هنا لاعلاقة لهما بالسِّن بل بالعظمة ونقيضها، وذلك تعليقا على سؤال مقدم الصحة عن سِّر اهتمام الكثير من الشباب بمعرفة شخصية وتاريخ الرئيس الراحل هواري بومدين..رغم أنهم لم يحضروا عهدهُ، وقال أيضاً: ” بأن هؤلاء الشباب باهتمامهم الصادق هذا لم يسمحوا بأن يموت بومدين مرتين ” واستنتج السيد عميمور هذا الاهتمام الكبير بالراحل هواري بومدين من خلال الطلب الكبير على كتابه ” أيام مع الرئيس هواري بومدين، وذكريات أخرى ” الذي وصل إلى طبعته الثامنة، وأنا واحد من الذين اطلعوا على هذا الكتاب الجدير فعلا بأن يصل إلى أبعد من الطبعة الثامنة.

 -قال أيضا بأن الجزائر كانت تمتلك إمكانيات رائعة فيما يخص الصناعة السينمائية، وخاصة لجهة إنتاج الأفلام الثورية، لكن كل شئ تمَّ تدميره بعد رحيل بومدين- الذي كان يُولي أهمية كبيرة للسينما – وأوحى الأستاذ عميمور بحقٍ أن هذا التدمير كان منهجيا بغرض الحيلولة دون تمكُّن القطاع السينمائي الجزائري وقتها من مراكمة رصيدٍ مهم من الأفلام الثورية التي من شأنها أن تنهض بدور جوهري في توجيه الرأي العام الجزائري وخاصة أجياله الصاعدة، مُذكرا أن البعض وقتها راح يردد المقولة المشبوهة : ” لقد أتخمتمونا بالأفلام الثورية ” ! ومع عدم وعي من جاؤوا بعد بومدين بأهمية قطاع السينما بدأ تحطيم القطاع الثقافي عامة  والسينمائي بصورة أخص وصولا إلى ما يشبه إعدامه..

 – وأضاف السيد عميمور أنه أثناء زيارته لولاية قالمة قبل مدة كان قد تعرض لصدمة حقيقية وذلك عندما سأل السيدة الوالية عن قطاع السينما في قالمة وأخبرته أنه لا توجد سينما في ولاية قالمة..! وما وقف عليه السيد عميمور عن وضع السينما في ولاية قالمة واقع حقيقي ومعروف للجميع منذ سنوات طويلة ، ولكن دون أن يثير قلق أو اهتمام أية جهة لأنه ببساطة هكذا يُراد للأمور أن تكون، رغم الإمكانيات الكبيرة التي طالما وفرتها الدولة- كدولة- لو كان ثمة من يهتم فعلا بتطوير هذا القطاع، وينشغل بالعمل الميداني بديلا عن التصريحات التي تتبخر فور إطلاقها.

  –  لكن من الإنصاف أن نَذْكُرَ هنا أيضا أن السيد محي الدين عميمور عندما كان وزيرا للثقافة كان له دوره هو الآخر في إحداث بعض الصدمات لقطاع الثقافة بالولاية التي أنجبت الزعيم الراحل هواري بومدين، وذلك عبر إقصائه وتهميشه لإطارات القطاع الثقافي بالولاية لمصلحة من لاعلاقة لهم بالثقافة،وهي صدمات لفرط قوتها لا تزال آثارها الضارة ماثلة إلى الآن، مثل الإشعاعات التي تتخلف عن التفجيرات النووية، وحتى لا نظلم الأستاذ محي الدين عميمور الذي لم يمكث على رأس وزارة الثقافة إلا مدة وجيزة، يجب أن لايفوتنا القول بأن أغلب وزراء الثقافة الذين جاء بهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد ساروا على هذا النهج الذي يتعارض مع ثقافة الدولة، لكن هذا موضوع آخر، يُخفي جبالاً من الكوارث والأحزان.

وردا على سؤال بخصوص المشروع الثقافي ، قال : ” الجزائر لاتملك مشروعا ثقافيا” موضحا أنَّه من المؤمنين بأن المشروع الثقافي الناجح لا يمكن بناؤه بأكثر من لغة واحدة مستشهدا على ذلك بالتجربة الفرنسية،ومفندا أن يكون النموذج البلجيكي ناجحا أو قابلا للاستنساخ ومؤكدا على أن مراعاة الحقائق المُرتبطة بالتنوع الثقافي واللغوي، لايجب أن يحجب عنا حاجة الجزائريين إلى لغة تكون قادرة على الجمع بينهم وتوحيدهم مع بعضهم البعض ومع محيطهم الجغرافي الواسع ، بغض النظر عن مجمل الحقائق التي يجب الاعتراف بها والاضطلاع بتثمينها..كما تعرض الأستاذ أيضا إلى معنى وأهمية الإيديولوجيا في رسم الطريق للمجتمعات والشعوب وإعطائها وضوح وقوة الرؤية للذات وللآخرين، وتزويد هذه المجتمعات والشعوب بقوة الأمل وتفاؤل التاريخ، انطلاقا مما قاله الروائي البرازيلي ذائع الصيت باولو كويلو في روايته ” الخميائي “: ” إن الساعة الأكثر حلكة هي تلك الساعة التي تسبق طلوع الشمس “. 

ومن البديهي أن هناك من يتفق أو يختلف مع السيد محي الدين عميمور في تحليله للأمور، فإشارته مثلا لمعاناة قطاع السينما صحيحة، ويمكن الوقوف على ذلك من خلال التأمل في وضعية المركز الوطني لتطوير السينما الذي يبدو أنه يفتقر للكفاءات المسيرة، والتوجيه اللازم، وكذا الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي التي لم تعثر بعدُ على هُويتها أو الدور المنوط بها،إذ رغم كونها وكالة للإشعاع الثقافي فهي غير قادرة على أن تُشِّع ، وكذا الديوان الوطني للثقافة والإعلام، الذي لم يفهم الجزائريون بعد هل هو ديوان وطني للثقافة والإعلام أم ديوان وطني لتنظيم الحفلات والإعلان عنها ؟ والغريب أن كلا من الهيئات الثلاثة السابقة يسمح لها القانون بأن تعمل في الميدان السينمائي ! فضلا عن وكالات وهيآت أخرى مما يشي بحجم التداخل وضرورة إعادة التنظيم والتوجيه..ولكن كان بإمكان الأستاذ عميمور أن يشير إلى بعض النقاط المضيئة مثل : ” مهرجان وهران للفيلم العربي “ و” مهرجان عنابة المتوسطي ” وكذا ” مهرجان السينما بولاية بجاية ” مثلا، وهي جوانب مهما كانت نقائصها من المهم أن نثمنها ، لأن البدايات تكون دائما بحاجة إلى التجريب وما يرافقه من أخطاء وتعلم، غير أنه مما لا يرقى إليه الشك فإن القطاع الثقافي، والواقع الثقافي ككل، في حاجة إلى الكثير من النقد أعني النقد الذي ينطلق من مبادئ ومواقف فكرية واضحة،ويحمل طابع الوعي الديناميكي بمختلف الجوانب و التطورات، ويمتلك قوة التحليل والاقتراح، ويرفض أن ينحصر في زوايا محددة.

 وهذا الملخص لايُغني أبدا عن الاستماع إلى الحصة كاملة ، فالأستاذ عميمور شخصية واسعة الثقافة، وذو تجربة متميزة في الفكر والثقافة والسياسة، ومؤلفاته تشهد على ذلك،ومن هنا أهمية قراءة ما يكتبهُ أو الاستماع لما يقوله…

                                          

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023