عندما تكتب الحكومات العربية نعي قِيَمِهَا…بقلم محمد الرصافي المقداد

عندما تكتب الحكومات العربية نعي قِيَمِهَا…بقلم محمد الرصافي المقداد

 

ترى هل أسقطت الحكومات العربية من اعتباراتها ما كانت تأمله شعوبها، من قول الحق وارساء العدل بين أهلها، فتحولت القيم الدينية مجرد شعارات، تكتب فقط بعنوانها الإسلامي العام على رأس دساتيرها، ويقرأ قرآنها فقط، عند افتتاح واختتام بث قنوات فضائية رسمية، لا يفقهون ما تعنيها آياته المقدسات كغرباء عن الدين، وإن فقهوا فلا يهتدون إليها سبيلا.

وما فائدة الإنتماء للإسلام دون التزام بقيمه جميعها؟ أليس ذلك الإنتماء الشكلي، الذي ظهرت فيه مخالفات عديدة، إرتكبها هؤلاء بإصرار يدعو للقول، بأنه أسلوب نفاق منتشرٍ، ينبئ بسخط من الله وعقاب شديد في الدنيا والآخرة، ومن عمِيَ عن تمييز ما هو حقّ وما هو باطل، فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا.

اليمن المستضعف استُهدِف في عقر دياره ومدنه، استبيحت سماءه فحامت في أجوائها طائرات العدوان السعودي الإماراتي الصهيوني الأمريكي، تقصف مدنه دون تمييز منذ ثماني سنوات، بذريعة إعادة الشرعية التي لا شرعية لها واقعا – وقيادتها العميلة مقيمة خارج اليمن لا تجرؤ على الدّخول إليه لا جنوبا ولا شمالا – ولا أحد استنكر العدوان وهو في أوجه، يصبّ حِمم قنابله وصواريخه، على كل متحرك وساكن في اليمن، كأن اليمن مائدةَ كرامٍ اجتمع على نهشها كلاب لئام، وغدَا العدوان نزهة حزم، تبين بعد ذلك أنها فاقدة عنوانها، وهي تندرج ضمن مخطط خبيث، هدفُه إخضاع اليمن أرضا وشعبا، لإرادة وكلاء الاستكبار والصهيونية، وهذه غاية العدوان على اليمن، لا يمكنها أن تخفى على كل ذي بصيرة مهما كانت ضعيفة، في تمييزها بين الحق والباطل.

تُرى أين كانت تعيش هذه الحكومات، طوال سنوات القصف بالطائرات الحديثة، المعتدية على مدن اليمن دون تمييز، فلم تسلم مدارس، ولا مساجد، ولا قاعات أعراس، ولا أسواق، ولا خزانات مياه، ولا مشافي من القصف العشوائي، الذي لا يزال مستمرا إلى اليوم، لا أعتقد أن الدول العربية أخذت إجازة ففاتتها الأخبار المتوترة عن محنة الشعب اليمني، وانتقلت إلى كوكب آخر، فكل ما يجري على أرض اليمن وعلى شعبه من عدوان سافر وظلم قاهر، لم يعد خافيا على أحد، إلا أن يكون بحقّ عدوّا لليمن وأهله.

وأين هي هذه الدول العربية عندما أحكم حصار اليمن بحرا وبرا وجوا، فلم يعد بإمكان القائمين على حظوظ الشعب اليمني مجال، لإدخال شيء من الغذاء والدواء، لشعب أشرف على المجاعة وتناوشته الأوبئة من كل جانب؟ أيُعقل أن يُقْتَلَ شعب بأسره بأياد عربية – أشُكُّ أنها عربية – ولو كانت كذلك لاستحى من استحى من عدوانه عليها، وخجل من خجل من خِذْلانه لها.

وأتساءل عن هذا الإنفاق السخيّ، واستهلاك الذخائر العسكرية به على رؤوس المستضعفين اليمنيين، أليست عشرات آلاف القنابل والصواريخ التي ألقتها الطائرات هناك، ولم يردّ اليمنيون الفعل إلا بعد مرور سنوات على ذلك العدوان، فقصفوا من أجل ردع الدول المعتدية، وكانت أبواق الدعاية السيئة الذكر والتنديدات حينها، صادرة من الدول العربية نفسها، أن الحوثيون يستهدفون مكة والبقاع المقدسة بصواريخهم، تهييجا للشعوب الإسلامية عليهم بأن الحوثيين ليسوا مسلمين، تغطية على أدوات الإجرام بحق اليمن.

أليس من الحكمة ومن باب أولى، أنّه لو أنفقت هذه الأموال الطائلة التي يصعب احصاؤها، والتي صرفها السعوديون والإماراتيون على عدوانهم، من إنقاذ دول عربية على حافة الإفلاس، لكان أولى وأجدى وأقرب للمودة الواجبة بين هذه الدول؟ فليس من العيْبِ الإعتراف بالخطأ في شنّ العدوان على اليمن – والعودة غلى الحقّ فضيلة – إنّما العيْبُ في استمرار قوى العدوان في مواصلة انتهاك اليمن واستهداف أمنه ومُقدّراته.

عندما تتعامى الدول العربية عما يحدث في اليمن، من خرق صارخ للقوانين الدولية، والدين الإسلامي، والأعراف الإنسانية، فتتّحِد رؤى الخارجية التونسية والجزائرية والأردنية و المصرية والمغربية والعراقية ومن بقي بالجامعة العربية مع تنديد إسرائيل بالقصف الذي نفذه رجال اليمن على أهداف منتخبة في الإمارات، فأعلموا أنها دول لا مصداقية لها، ولا استقلال يُعْرَفُ لها، يحكمها الهوى وتُحرّكُها المصالح، وتكاد تنعدم فيها القيم الإنسانية، وهي أقرب لتنفيذ المخططات الأمريكية الهدامة في المنطقة من أي شيء آخر.

توافق هذه الدّول بشأن اليمن، لم يكن من أجل تحصيل أو مناصرة حقّ، بل إنّ مصالحهم دعتْهم إلى إتخاذ مواقف مُرْتَجَلة، وهي غالبا ما تكون في خانة مناصرة الباطل، وهضم حقوق الضعفاء، سواء أكانت متعلّقة بشعوبهم، أم بشعوب شقيقة، هي مستمرّة بشكل متواصل، غير معنيين بما ستؤول إليه مواقفهم، وهما كانت النتائج فهم ذاهبون ولن يتركوا وجوههم للخجل مما اقترفته أيديهم من ظلم.

وكأنّي بدول الشجب والاستنكار لدفاع اليمنيين عن أنفسهم، من استمرار العدوان على بلادهم، يريدون بذلك اخضاعهم لسلسة القصف العشوائي اللامتناهي عليهم، دون أن يصدر منهم ردّ فعل ولو بمقدار بسيط، ومن هانت عليه فلسطين، فذهبوا بآمال شعوبهم في تحريرها بعيدا عن ذلك، مطبّعين ومهلّلين لانتكاستهم، فخانوا الشعب الفلسطيني وقضيّته العادلة، طبيعي أن تهون عليه اليمن وشعبها الساعي إلى نيل حريّته بقوة، فيخونوه بدورهم في استحقاقاته.

ويبدو أنّ دول العدوان ليست أهلا للإعتبار، والرجوع عن غيّ عدوانها، طالما أنها مؤتمرة بأوامر أسيادها الأمريكان، فمن أمروهم بشن العدوان، هم الذين ستكون لهم الكلمة على إيقافه، أو اذا كان الضرر الذي سيلحقهم كرد فعل من اليمن المعتدى عليه فوق تحمّلهم، عندها سيُنكّسُون رؤوسهم ذُلّا، ويخضعون لشروط اليمن الحُرّ الأبيّ، الذي ستكون له كلمة الفصل في إنهاء العدوان عليه، عندها يكون الحساب، وتكون الفاتورة التي سيدفعها المعتدون باهظة جدا، تذكّروا هذا جيّدا يا أنصار العدوان على اليمن المظلوم، بالتّستّر على المعتدين مقابل مبالغ مالية، لا تساوي شيئا أمام جريمة نُصْرة الظالم على المظلوم.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023