عندما نجح الموحدون في تجسيد وحدة المنطقة المغاربية

عندما نجح الموحدون في تجسيد وحدة المنطقة المغاربية

“حركة الموحدين في المغرب في القرنين الثاني عشر والثالث عشر ” هذا الكتابُ يعودُ في أصله إلى ثلاث محاضرات ألقاها الأستاذ الفرنسي ” روجر لي تورنو”   في جامعة ” برنستون ” بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1958، ثم صدرت ككتاب سنة 1968.في هذا الكتاب يطرح الباحث وهو أستاذ الحضارة الإسلامية في جامعة إكس- إن – بروفانس بفرنسا، أسئلة بالغة الأهمية ، كيفَ نجح الموحدون في توحيد المنطقة المغاربية فضلا عن الأندلس ؟ وما هي أسباب انهيار هذه الدولة الوحدوية الكبيرة والمثيرة للإعجاب ؟ ويكفي أن تقرأ بعضاً مما جاء في مقدمة الكتاب، لتقف على أهمية ما يقوله الباحث : “..إن هدفنا الرئيسي هو محاولة فهم الكيفية التي نجح بها الموحدون في توحيد كل بلاد المغرب والأندلس تحت سيطرتهم. ثم محاولة معرفة الأسباب التي أدت إلى إخفاقهم في الاحتفاظ بهذه الوحدة، وفضلا عن ذلك فإن أهمية هذه الدراسة ليست أكاديمية بحتة، إذ أن وحدة بلاد المغرب هي قضية معاصرة اليوم ، ولا نقصد بذلك أن ما حدث في الماضي سوف يحدث بالضرورة على نفس الأسس في المستقبل، أو أن وحدة بلاد المغرب لا يمكن أن تكون سوى قضية مؤقتة وهشة، فالعوامل والظروف الرئيسية للفترة الحديثة تختلف اختلافا بيِّنا عن تلك السائدة في الفترة الموحدية. إننا نعتقد أن بعض العوامل الأساسية القائمة اليوم كانت قائمة في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي ) وبالتالي على من يسعون إلى تحقيق وحدة بلاد المغرب آخر الأمر، أن يُفكروا مليّاً في التجربة الموحدية، وأن يتجنبوا إن أمكن بعض النواحي التي قصَّرَ فيها الحُكام الموحدون..”  و قد قام بترجمة هذا الكتاب من الإنجليزية إلى العربية الباحث والمؤرخ المعروف الأستاذ أمين توفيق الطيبي سنة 1978.

الكتاب يعد ُ نموذجا عن الطريقة التي يفكر بها العقل الغربي، ضمن سياق حداثة لا تكتفي بالرواية والسَّرد وإنما تحاول الوصول إلى أبعد ما يُمكن في فهم الأحداث وتحليلها واكتشاف الأنساق الناظمة لها، من أجل مقاربة أفضل للماضي والمستقبل معا، وسواء كان المرء يؤمن بإمكانية إعادة توحيد المنطقة المغاربية أو لا يؤمن بإمكانية ذلك ، فإن قراءة هذا الكتاب سيجعله يقف على الكيفية التي يهتم بها الباحثون الغربيون بالتاريخ المغاربي، وخاصة تلك الفترات التي تمكن فيها من بناء وحدته السياسية الشاملة، والملاحظ أن الكاتب لايفوته أن يُسجِّل أن قضية الوحدة المغاربية قضية معاصرة وراهنة ، أي أنها لا تتعلق بالماضي فحسب بل تهم مستقبل المنطقة أيضا، كما أنه يُلفت النظر إلى أهمية تجربة الموحدين في أيَّة محاولة معاصرة لبناء الدولة المغاربية المُوَحَدَةِ الواحدة وخاصة لجهة تفادي الأخطاء التي ارتكبها أجدادنا الموحدون وكان لها أثر سلبي على هذه الحركة الوحدوية العظيمة، وهو يعطي كمثال على تلك الأخطاء الموقع غير المناسب لعاصمة الدولة الموحدية بمدينة مراكش والذي كان متطرفا من الناحية الجغرافية وبعيدا عن القلب الجغرافي للدولة.

ويؤكد الأستاذ الفرنسي أن ملف الدولة الموحدية لا يزال مفتوحا على البحث والدراسة و يمكن الوقوف على ذلك من خلال هذه الفقرة التي ختم بها الكتاب ” وبالرغم من الدراسات التي كُرست للموضوع فما تزال أكثر من قضية قائمة، نذكر منها على سبيل المثال تواريخ سيرة ابن تومرت ووفاته، ونظام الطبقات الذي ابتكره وأدخل عليه عبد المؤمن بن علي تعديلات، والتنظيم الإداري لإمبراطورية الموحدين، وأسباب انهيارها بهذه السرعة، فكل ذلك لم يُدرس دراسة كافية .” ثم يختمُ موضحا : ” ومجمل القول،إن هذه الحقبة ( الموحدية ) تستهوي المرء من وُجهات نظر كثيرة ما تزال جديرة بالمزيد من الدراسة ” نعم المزيد من الدراسة أو على الأقل المزيد من القراءة والإطلاع ، خاصة وإن هذا الكتاب الهام متوفر على الشبكة ويمكن تحميله بسهولة ليس فقط للاستمتاع بقراءته ولكن أيضا للتفكير مليُّا في القضايا والمسائل والحقائق التي تطرق إليها وناقشها وحللها.

وإنني إذ أدعو بحرارة إلى قراءة هذا الكتاب – والكتب التي في مثل أهميته – وتأمله فإنما أفعل ذلك انطلاقا من قناعة راسخة وإيمان لايتزعزع بأننا كمغاربيين من برقة إلى طنجة لا نملك ولا يمكن أن نملك بديلا عن الوحدة المغاربية، هذه الوحدة المغاربية التي نحن في الواقع مطالبون بإعادة بنائها وليس بخلقها من العدم كما يتصور البعض، ذلك أن أجدادنا قد سبق لهم وأن نجحوا في بناء هذه الوحدة ليس فقط في العهد الفاطمي( ق 3هــ)  والعهد الموحدي( القرن 5هـ)وإنما في فترات وعهود أخرى قبل وبعد العهدين الفاطمي والموحدي ولكنها عهودا مُغيبة عن الوعي الجماعي لعامة المغاربيين الذين بالكاد يُدرك أغلبهم عظمة وأهمية النجاحات الوحدوية الفاطمية والموحدية والتي ستبقى مصدرا رئيسا من مصادر الإلهام كلما تعلق الأمر بالتفكير والتطلع إلى تحقيق مشروع الأجيال ، أعني إعادة توحيد مغرب أجدادنا.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023