عندما يستنفر الشيطان أولياءه

بقلم: محمد الرصافي المقداد |

بينما تختلط السبل بأمريكا، فلا تهتدي الى طريق يخلّصها من هواجسها المتعاظمة على إيران، يبدو تعبير الدبلوماسية الفرنسية قريبا من التطابق مع المواقف الأمريكية، بخصوص الصواريخ البالستية الإيرانية، كأنها تلتمس عذرا ما يخرجها هي الأخرى من الاتفاق النووي، وتجنب الوقوف في وجه التهديدات الاقتصادية الأمريكية، وقد بدا العجز من الجانب الأوروبي ظاهرا، بتأخّره في ايجاد سبيل للتعاملات التجارية والاقتصادية بينه وبين إيران.

والإتفاق المبرم بحدّ ذاته سواء وقع تنفيذه أم لم يقع، يعتبر انتصارا للدبلوماسية الإيرانية، بتحييد الملف عن الدعاوى والإتهامات الصادرة من أعدائها، خصوصا الكيان الصهيوني، بأن للبرنامج أبعاد عسكرية، تريد إيران من ورائها صنع قنبلة نووية، الأمر الذي يضع الدّعوى بحدّ ذاتها، وكل من إدّعاها في قفص الإدانة بالكذب، ومغالطة الرأي العام العالمي.

ومحاولة أمريكا إعادة الملف إلى مربعه الأول – بدعوى نقصان محاوره- وقد يسارع الغرب على آثارها الإصطفاف الى جانبها على أمل الضغط اكثر على إيران لكي تستجيب لجميع المطالب التي يراد تحصيلها، ضمانا لأمن الكيان الصهيوني المستهدف أوّلا، بالنظر إلى مشروع إيران في تحرير فلسطين، كلّ فلسطين، وهي الدولة الوحيدة – تقريبا – التي بقيت تحمل هذا الأمل، الذي يرجوه كل حرّ شريف، سواء كان فلسطينيا داخل الأراضي المحتلة أم في الشتات، وكل مؤمن بعدالة القضية ومظلومية أهلها، في البلاد العربية والإسلامية وفي أنحاء العالم.

لقد ذاقت ايران من المصاعب والعراقيل في تحصيل أسلحة لقواتها، كي تدافع بها عن العدوان الصدّامي على ارضها، فلا الاتحاد السوفييتي ولا دول اوروبا، وافقت على بيعها ما تحتاجه، لوقف العدوان عليها، وكانت سنوات الحرب المفروضة الثمانية ذلك الدافع القوي، الذي شحذ همم كوادر الشعب الايراني، ودفعت مهندسيه وعلماءه الى خوض مرحلة جادة من التجارب، لصناعة الاسلحة وتطوير قدراتها، وما تنعم به ايران اليوم، من قدرات هائلة في الصناعات العسكرية، جعلها تقف عند حاجز الاكتفاء الذاتي، بل والتعبير عن استعدادها لبيع منتجاتها العسكرية، الى الدول الشقيقة والصديقة، التي ترغب في التزوّد منها، وهي أسلحة ذات قدرة عالية في الرماية والمناورة والتشويش الإلكتروني.

ميدان صناعة الاسلحة وتطويرها، جعله الغرب حكرا لدوله، وأراده أن يكون من خاصياته، التي يمسك بها خناق دول العالم الثالث، ويرغمها على اتّباعه اقتصاديا وسياسيا، فلا يعطيها من أسلحته سوى تلك التي اقترب أجل تخلّصه منها، أو في بعض الحالات، ما كان معدودا لديه اسلحة تجاوزها التطوّر، مثل طائرات اف4 و 5 التي وهبتها الى تونس سنة……..    

وباعتبار ما عانته من قبل فإنه من الطبيعي أن تستمر ايران في التقدّم بصناعاتها العسكرية وبخطى حثيثة تجعلها تلبّي حاجيات قواتها، من مختلف أنواع الأسلحة بحيث تكون في مستوى التحدّي الذي تواجهه إيران من أعداء عبّروا مرارا وتكرارا بأنهم يريدون اسقاط نظامها ولم يتسنى لهم ذلك بالمؤامرات وتحريض المنافقين، ولا استطاعوا النجاح في تحريك الجماهير الايرانية بمفعول العقوبات الاقتصادية القاسية، ولم يبقى لديهم سوى حلّ واحد وهو مواجهتها عسكريا وهذا ليس مضمون العواقب، سوى بوقف تطوير اسلحتها، وليست الصواريخ البالستية وحدها هي التي تشغل بال اعداء ايران، كما جاء في تعابير ساسة امريكا والغرب، وانما قدرتها العسكرية  بأكملها، فخداع السياسة الغربية ليس له حدّ.

وعندما غرّد الرئيس الامريكي (ترامب) في 5/8/2018 على صفحته ب(تويتر) أنّه مستعد للحوار مع ايران دون شروط، مؤمّلا الاستجابة كما فعل رئيس كوريا الشمالية، وكان الرّد الايراني الغير مباشر، من خلال تعليق قائد الثورة الاسلامية، بان أمريكا مخادعة وغير جديرة بالثقة، ورئيسها أحمق فما جدوى التفاوض مع الحمقى والغير جديرين بالثقة؟

النظام الاسلامي في ايران، يعرف جيدا أنه مستهدف وأنّ دولا بزعامة أمريكا  تريد أن توقع به وتتخلص منه ومن مشاريعه التي تعيق تلك الدول من استكمال هيمنتها على الدول الفقيرة والضعيفة والتي تعاني من الاحتلال وبقاء نسق تطوّر ايران في مجالات عديدة كانت من قبل حكرا على دول الغرب ومخصوصا في مجال الصناعات العسكرية، سيقلّص من دائرة هيمنتها على تلك الدول، بل وقد يرفع عناءها الايرانيون عنهم، ما يعتبر خسارة للغرب، وتهديدا لمشاريعه الاجرامية بحق الشعوب المستضعفة.

ومع استمرار ايران في بناء قدراتها العسكرية الدفاعية، والتي ستتحوّل الى هجومية إن لزم الامر، يعود الرئيس الامريكي ليعبر من جديد، عن معارضته للبرنامج البالستي الإيراني،  بعد اطلاقها صاروخا يحمل قمرا صناعيا، بينما أدان وزير خارجيته (بامبيو) اطلاق الصاروخ المتوسط المدى، معتبرا ذلك مخالفا للاتفاق النووي المبرم 5+1 سنة 2015 ، وهو محض افتراء على إيران، لأن الاتفاق المذكور لم يتعلّق بغير برنامجها  النووي.

وحتى تستوي الكذبة وتصدّقها العقول، اضافوا الى الصاروخ قدرة حمل رؤوس نووية، في محاولة أمريكية لربطه بالبرنامج النووي، وتبريرها الجديد للخروج منه، كأنّما إيران تسعى الى صناعة قنابل نووية، قابلة لوضعها في رؤوس صواريخ، وفيما أصدر (ترامب) أوامره لزيادة ترسانة بلاده النووية، من 4000 الى 32000 راس نووي.    

ولا اعتقد أن ايران سوف تصغي الى هذه الافتراءات، أو أنها ستؤثر عليها، بل سوف تدفعها الى مزيد من تطوير اسلحتها، على اختلاف انواعها، من أجل الوصول بها الى مستوى يردع اعداءها، يلزمهم احترامها وتقديرها، ويبقى المجال الدفاعي للجمهورية الاسلامية الايرانية خطا أحمر من غير الممكن الدخول فيه تفاوضا أو نحو ذلك من التسريبات الخبيثة، التي تهدف أساسا اخضاع ايران مجددا، وجعل قدرات قواتها في متناول الاعداء، ليجبروها على النزول عند رغباتهم، وهو ما لن يتحقق لأعدائها أبدا.

عادة الشيطان أن يستنفر ويستفز أولياءه بالتمويه والكذب، من أجل جمعهم على باطل واحد، لكن متى كان كيده قويّا؟   

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023