عوامل ثبات ونجاح إيران…بقلم محمد الرصافي المقداد

عوامل ثبات ونجاح إيران…بقلم محمد الرصافي المقداد

لا يمكننا الحديث عن صمود الشعب الإيراني، تمسّكه بمبادئ ثورته وشرعية نظامه، دون أن نكون تعرّفنا بعض الشيء، عن تاريخ هذا الشعب الأبيّ العريق، فذلك عامل مهمّ جدّا، أسهم بدوره في صموده أمام العوائق التي واجهته، والوقوف بندّية أمام أعتى قوّة في عالمنا وهي أمريكا، وأدى بالتّالي إلى نجاحه في برامجه ومسيرته التنمويّة المستقبلية.

ما يهمّنا من تاريخ إيران القديم، أنه عريق عراقة حضارة هذا البلد الكبير، فهو ممتدّ لآلاف السنين، وفيه دلالة على أنه تاريخ مشرّف، نابع من شعب صلْبٍ شديدُ المِراس، وتوّاقٌ للتّسيّد وطلب المعالي، ما جعله يشكّل إمبراطوريات عظيمة كالإمبراطورية الإخمينية، والسلوقية الهيلينية، والبارثية، والساسانية، والدولة الطاهرية، والصفارية، والسامانية، والبويهية، وبعد الفتح الإسلامي، أصبحت بلاد فارس مركزا رئيسيا للحضارة الإسلامية والتعليم، وانتشرت منها الفلسفة، والأدب، والطب، والفلك، والرياضيات، والفن، والعمارة، إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي وما بعده، وقد عُدّ أغلبُ علماء الإسلام من بلاد فارس، فقهاء ومحدّثين وعلماء (1)، فضلا عن علم الرواية والتفسير، ناهيك أن سيبويه(2) عالم النحو العربي فارسي، وكان التحوّل الكبير الذي طرأ عليها، باعتماد الفقه الإمامي الإثني عشري، فقها رسميا للدولة الصّفوية سنة 1501 م. (3) كما كان شأن العباسيين من قبل، في فرض المذهب المالكي والحنفي على رعاياهم في البلاد الإسلامية، ومنها إيران عندما كانت تحت سلطانهم.

يعود صمود الشعب الإيراني إلى خاصية متجذّرة فيه، تتمثل في امتلاكه لعزائم قويّة في أفراده، وتحليهم بعقلية رفض الظلم ومحاربته أهله، فلم يقبل بالبقاء تحت سلطان ظالم، سوى نزر يسير من الزمن، كان قادته يعدّون العدّة لمواجهته، وقد رفضوا من قبل البقاء تحت كلكله، يكفي أن نتعرّف على  سلمان المحمّدي ومسيرته التي قطعها، كأوّل مُتعرّف على الإسلام، من أجل بلوغ حقائق المعارف الإلهية، وما تجشّمه من متاعب جمّة في ذلك، لندرك أن معادن هؤلاء القوم نادرة، لذلك تحققت فيهم بشارة الوحي، بأنهم من سينصرون الإسلام، ويكونون ذخيرة المُدّخر لإقامة أوْدِ الدين الخاتم.

وها قد تحققت تلك البشارة، وها أنّ إيران اليوم قد مضت على محجة بيضاء من الصدق في مقالاتها، وتحقيق الوعد الذي قطعه قادتها، ولم يكن كلامهم ولا خطاباتهم سوى حقيقة ملموسة يراها كل مشاهد، وليس مجرّد دعاوى تُطْلَقُ منهم، من قبيل ذرّ الرّماد على العيون، موعودة الوحي أثبتت على مدى 43 عاما، أنها التمهيد الصحيح لمشروع الإسلام المحمّدي، ولا أعتقد أنّ أحدا غيرها، بإمكانه أن يحقّق معشار ما حققته إيران، على الصعيدين العلمي والتقني، ولم تتخلّف بقية المجالات التنظيمية والمؤسّساتية عن مواكبة التطوّر الذي تشهده في مفتتح الألفية الثالثة.

لقد اوفى النظام الإسلامي في إيران بجميع وعوده، فلم يتخلّف وعد عن آخر، وذلك كلّه كما قال قائد ثورته الإمام الراحل الإمام الخميني رضوان الله عليه: (كل ما لدينا من محرّم وعاشوراء)(4) ومن سلك طريق الثورة متسلّحا بقيم الإسلام الرفيعة، واتّخذ من الإمام الحسين عليه السلام قدوة وأسوة، وسلك نهجه الأصيل في مقارعة الظالمين والمستكبرين، فحتما سيكون في موقف خادم الإسلام المحمّدي، والمضحي من أجل سطوع نور هداه من جديد، في عالم اكتنفته ظلمة الاستكبار والصهيونية العالميين.

وقد برهنت إيران عن قدرة فائقة في رفع التحدي، منذ أوّل مواجهة مع أعداء ثورتها، حتى أولئك الذين حسبوا أنفسهم ضمن المكوّن الإسلامي، ورضوا بأن يكونوا مع أعدائها، ووافقوهم في اجراءاتهم وأسهموا في تشويه نظامها بما قدروا عليه – وكان كيدهم ضعيفا – ومن جهة أخرى، عجزوا عن مجاراتها في مواقفها العادلة من القضايا المصيرية العالمية، كقضايا تحرر الشعوب المستضعفة، وفي مقدّمتها قضية فلسطين، التي جعلتها إيران أولوية مشاريعها التحرّرية، رغم إدراكها أنها لو تخلّت عنها، لكان لها شأن كبير عند أمريكا والغرب، ولسقطت جميع العقوبات المسلطة عليها، ومنتهى أمل القوى الصهيونية العالمية أن تنقلب إيران على التزاماتها المبدئية، لذلك تحاول دول الغرب بذل قصارى جهودها من أجل تحقيق ذلك.

إنّ شعبا اصيلا صاحب تقاليد حميدة في الحياة، والتزام عميق بقيم الدين والانسانية، قد علّمته تجاربه كيف يؤسّس منهجه الفكري والثوري، مستفيدا من خلاصتها، ليصل بها إلى غايته في القيام في وجه خصومه، زاده في ذلك إيمانه العميق بالله سبحانه، ويقينه بأنه لن يتخلى عنه وسيكون إلى جانبه، مهما بلغت قوة أعدائها ومدى اجتماعهم ضده، ومن حرّكته عقيدته، وكان إيمانه بها راسخا في عقله وقلبه ووجدانه، فليس بمقدور أي قوة في العالم ازعاجه أو الحاق هزيمة به، وما حقّقته إيران من إنجازات الى حد اليوم يُعتبّرُ أمرا لافتا، إن لم نقُل أنّه شبيه بالمعجزة التي جرت في عالمنا.

وفيما يمضي النظام الإيراني قدُما نحو إنجاح مشروعه الإسلامي، في استئصال العدوّ الصهيوني من فلسطين، ومحو وجوده من أساسه، بمحور مقاومة سهر على رعايته وتقويته، بمختلف الوسائل التقنية والمادية، وهو يتقدم به نحو هدفه النّهائي (ساعة الصفر)، تنقلب دول عربية واسلامية على أوضاعها، بعدما كانت فيما مضى متبجّحة بنصرة القضية الفلسطينية، فإذا هي اليوم من المطبّعين مع الكيان الصهيوني، دون خجل مما اقترفته من سوء ما أقدمت عليه، إيران تمضي في مشاريعها بكل اقتدار ونجاح، فيما يمضي شركاؤها في العرق والدين نحو أعدائهم، وعلى الشعوب الاسلامية أن تنظر إلى أين تتوجّه سِهامُ العدوّ، حتى تعرف حقيقة إيران، فلا تنخرط في صفّ أعدائها، (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا) (5)

المراجع

1 – قائمة علماء الفرس https://areq.net/m.html

https://www.marefa.org/

منهم فقهاء وسياسيون.. ماذا قدّم الفرس للمذهب السّني عبر التاريخ؟

https://raseef22.net/article/156596-

2 – سيبويه https://ar.wikipedia.org/wiki

3 – إيران https://ar.wikipedia.org/wiki/

4 –  كل ما لدينا من محرّم وعاشوراء http://ar.imam-khomeini.ir/ar/n6351/

5 – سورة الإسراء الآية 72

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023