عودة العلاقات الإيرانية السعودية: هل ستبقى دار لقمان على حالها؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

عودة العلاقات الإيرانية السعودية: هل ستبقى دار لقمان على حالها؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

فيما تسعى أمريكا عبر سياساتها العدوانية توتير الأجواء بين الدول، ليتسنى لها ضمان بقائها مهيمنة على الساحة العالمية بكل تفاصيلها، عابثة بمصالح تلك الدول، خصوصا منطقة الشرق الأوسط والخليج الفارسي، التي تعتبرها دولا راجعة بالنظر إليها، خصوصا الواقعة جنوبه مع فلسطين المحتلة، وهي دول تعنونت سياساتها بتبعيّة كاملة، تسعى إيران في المقابل بجهودها الدبلوماسية الحكيمة، إلى نزع فتيل التوتّر في العلاقات بين بلدان المنطقة، ذلك أنّ ما يجمعهم أكثر مما يفرّقهم.

العالم بأسره يدرك مدى تأثر دول جنوب الخليج، وعلى رأسها العربية السعودية، بخطها السياسي التبعيّ لأمريكا، بصفة غير قابلة للتغيير، فجميع المؤشرات دالة على استمرار هذه السياسة، ولم تتغير يوما منذ أن تأسست المملكة، لهذا يمكن القول بأن أسلوب المملكة في التعامل مع ملفات المنطقة الحساسة كاليمن وفلسطين، وموقفها قضايا السيادة والتحرر من تبعية أمريكا وحلفائها، ستبقى قائمة دون أدنى تغيير، بل لقد تزايدت عدوانيتها نحو إيران بعدما وضعت نفسها كرأس حربة في مواجهة سياستها في المنطقة، منخرطة في مخططات ومؤامرات أمريكا المستهدفة نظامها الإسلامي.

بعد التهديدات التي أطلقها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بنقل المواجهة إلى الدّاخل الإيراني، (في مقابلة بثتها القناة السعودية الأولى، “لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سنعمل لتكون المعركة عندهم في إيران(“.(1) في إتّهام له متجدد لإيران بالتدخل في شؤون دول الجوار وخصوصا اليمن، التي أصبحت حكومتها الشرعية في صنعاء تعكس هجماتها على أمرامكو السعودية الأمريكية(2)، ردّا على العدوان الهمجي على شعبها وقمعا لخياراته الثورية.

ومع ما علق من العلاقات بين البلدين من توتّرات كبيرة، وتاريخها يشهد شبه استحالة عودة علاقات عادية بينهما، حتى كادت قناعة استحالة عودة هذه العلاقات مجددا بين البلدين، هي الإعتقاد السائد في العالم، جاء الإعلان المفاجئ مؤخرا من طهران والرياض، على بدء مرحلة جديدة من العلاقات الدبلوماسية (3)، وقد جاء هذا الإعلان من العاصمة الصينية، أين التقى ممثلا البلدين برعاية صينية واضحة، يمكن أن يضاف إليها حرص إيران الجاد على تذليل العقبات الدبلوماسية، ي بناء جسور تواصل وتأسيس علاقات متينة بين دول حوض الخليج الفارسي، ولا يجب أن ننسى الجهود البناءة والصادقة التي بذلتها كل من العراق وعُمان في هذا المجال.

وقد اثمرت هذه الجهود جميعها، إلى فتح الملفّ السياسي المعقّد بين البلدين، وهو تعقيد يراه كل واحد منهما من زاوية فهمه وقناعاته، بغض الطّرف عن تفاسيرهما ذات البعد المبدئي، فمجال السياسة مجال مناورة وتغيير مواقع، وإعطاء المصالح أولوية على غيرها، يتجلى ذلك من خلال قراءة بنود الاتفاق على “استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران “. وجاء في البيان أن الاتفاق تضمن “تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”.(4)

مستشار الأمن الوطني السعودي مساعد بن محمد العيبان يأتي ترحيب قيادة المملكة بمبادرة فخامة الرئيس شي جين بينغ انطلاقا من نهج المملكة الثابت والمستمر منذ تأسيسها في التمسك بمبادئ حسن الجوار والأخذ بكل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وانتهاج مبدأ الحوار والدبلوماسية لحل الخلافات “. إننا إذ نثمن ما توصلنا إليه، ليحدونا الأمل أن نستمر في مواصلة الحوار البناء، وفقا للمرتكزات والأسس التي تضمنها الاتفاق، معربين عن تثميننا وتقديرنا لمواصلة جمهورية الصين الشعبية دورها الإيجابي في هذا الصدد”.

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيانالسياسة مع دول الجوار، كونها المحور الرئيسي للسياسة الخارجية للحكومة الإيرانية، تتحرك بقوة في الاتجاه الصحيح والجهاز الدبلوماسي يعمل بنشاط للتحضير لمزيد من الخطوات على الصعيد الإقليمي”.كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي :هذا نصر للحوار، ونصر للسلام، ويقدم أنباء طيبة عظيمة في وقت يشهد فيه العالم كثيرا من الاضطرابات”. وقال إن الصين ستواصل لعب دور بناء في التعامل مع القضايا الشائكة في العالم اليوم وستظهر تحليها “بالمسؤولية” بصفتها دولة كبرى. وأضاف “العالم لا يقتصر فقط على قضية أوكرانيا”.

أما المتحدث باسم البيت الأبيض فقد أبدى ترحيبا ظاهره الرضا وباطنه يحتمل المناورة، وموضوع عودة العلاقات بين الرياض وطهران يحتمل وجهين إمّا ان تكون واشنطن وصلت الى قناعة انهاء الحرب في اليمن، بما يتوافق ورغبتها في كسب موقع عسكري هناك، وهو أمر في غاية الصعوبة والأقرب إلى الاستبعاد من التوافق عليه، أو أنّ القوات السعودية ستخرج من اليمن لتتولى أمريكا أمرها بشكل سافر ومباشر، وموضع اليمن لا يمكن أن ينتهي تفاوضيا.

المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض :بوجه عام، نرحب بأي جهود للمساعدة في إنهاء الحرب في اليمن وتهدئة التوتر في منطقة الشرق الأوسط. يمثل خفض التصعيد والدبلوماسية جنبا إلى جنب مع الردع إحدى الركائز الأساسية للسياسة التي حددها الرئيس (جو) بايدن خلال زيارته للمنطقة العام الماضي”.  المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي السعوديون أبقونا بالفعل على اطلاع بشأن هذه المحادثات التي كانوا يجرونها، تماما مثلما نبلغهم بأنشطتنا، لكننا لم نشارك بصورة مباشرة(4)”.

ردود الأفعال معبرة عن تفاؤل كبير، جاء على لسان الدّول المعنية، وهي تعابير تجعلنا نتأمّل خيرا من عودة هذه العلاقات، وننتظر باحتراز تجسيد الإتفاق على أرض الواقع، دون أن تلجأ السعودية إلى اعتماد مبررات غير مقنعة قد تتخذها مجددا لقطع العلاقات، فهل ستغيّر السعودية موقفها مثلا في اليمن لتتحوّل من معتدية إلى شقيقة مصلحة؟ وهل سترفع يدها من التشجيع على التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب بمختلف الاغراءات؟ وهل سترفع خصوصا عصا التمرد والعصيان في وجه أمريكية التي طالما اعتُبِرت من أنصار سياستها ومؤيّدي مبادراتها؟ وهل سيتوقف ولي العهد السعودي عن مواصلة تنفيذ مخططه، بنقل مواجهته مع إيران إلى  الداخل الإيراني، وقد شاهدنا عيّنات منها أواخر السنة الماضية وهذه السنة، وحجم الإنفاق الذي قامت به السعودية، من أجل الإضرار بتماسكه الأمني والوطني؟

تبدو الإجابة سابقة لأوانها، ومرتبطة بشكل أساسي،، بما ستقوم به السعودية، من إجراءات معبّرة على حسن نيّتها تجاه إيران وهي التي تدرك حقيقة جهود ايران وصفاء مقاصدها، لولا تعصّب المعتقد الديني الوهابي المكفّر لإيران، والتبعيّة المقيتة لأمريكا وتنفيذ مخططاتها في فلسطين ولبنان واليمن وسوريا، فهل ستعيد السعودية مراجعة مواقفها من هذه القضايا وتعيدها إلى استحقاقات شرفاء شعوبها المقاومة؟ يحدونا تفاؤل لتقديم العقل، وترك التعصّب الذي لا طائل من ورائه، بعد تجارب مريرة شكلت واجهة السياسات السعودية، وإهدار أموال ضخمة عبثا من أجل ركوب الباطل على الحق.

المراجع

1 – محمد بن سلمان: سننقل المعركة إلى إيران

https://arabic.rt.com/videoclub/876525-

2 –”أنصار الله” تتبنى الهجوم على مصفاة أرامكو في الرياض وتعلن استهداف جازان وأبها

https://sputnikarabic.ae/20220311/ 1059766064.html

3 –4 – السعودية وإيران تتفقان على استئناف العلاقات بعد قطيعة استمرت سبع سنوات

https://arabic.euronews.com/2023/03/10/iran-and-saudi-arabia-agreed-to-restore-relations-and-reopen-their-embassies

3 – ردود الفعل على استئناف العلاقات بين إيران والسعودية
https://adengad.net/posts/671260

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023