فتحي الزّغـــــل يكتبُ إليكم…إنذارات بمجتمع يهوي

فتحي الزّغـــــل يكتبُ إليكم…إنذارات بمجتمع يهوي

السّلام عليكم..

وقع في بلدي “تونس” منذ أيام أن اعتدى تلميذ على أستاذه بسكّين. فكاد أن يُرديه قتيلا لولا ألطاف الله والتدخّل الطبّي السريع. حادثةٌ هزّت البلاد والعباد، لبشاعتها من جهة، ولاقترافها ممّن يُفترض أنّه في حرم التربية قبل أن يكون في حرم التعليم… شابّ من جيل السّبعة عشر سنة الأخيرة من عمر بلدي المجروح بالفقر والتخلّف والاستبداد والسرقة والتجارب التي تكاد تكون سنويّة في قطاع التعليم.

حادثة جعلتني أوغلُ – بعد ألمي لها وبها – في أسبابها، لعلّي أقدّم للناس حلاّ بتجاوز تلك الأسباب التي أزعم أنّي عرفتها. لكنّني صُدمتُ بهائل ما خطفته الصورة عندما صوّرتُ حال بلدي، وحال التلميذ، وحال المعلّم، وحال المدرسة، وحال السّكّين، وحال كلّ شيء وحال… الوطن.

فالصورة جاءتني عريضة جدا فيها أشياء وأشياء كأنها الموج يتلاطم بالهمّ على الحال الذي أوصل السّكين في يد ذاك التلميذ يغمدها في أستاذه المسكين. فهلّا نظرتَ معي قارئي لننظر إلى ما خطفته مع الجريمة؟ والخلفية التي كانت وراء العنف والفحش؟ وإذا كان قلبك لا يسع كلّ تلك الإخلالات والتجاوزات والظلمات، فلا بأس… ها أنّي أنقل لك الصورةَ والمسألةَ من كل جوانبها.

فنحن يا عباد الله القارئين نعيش ونحيا في هذا المجتمع الذي ظهر لي في أوّل الصورة…

مجتمع يُقدّم الإعلام فيه الفحش والـ”الخلايق” (جمع “خليقة” وهو “الكلوشار” و”الباندي”) على أنهم نجوم ينفثون جهلهم في أطفاله وشبابه. بل و ينتج أعمالا يمجّد فيها سيرتهم المليئة بقلّة الحياء والظلم والتعدّي على حقوق الناس.

المجتمع الذي تترك السلطة فيه هؤلاء الفسدة أن يحتلّوا قارعة الطريق في نشاطهم الإجرامي الذي منه ما يكون علنا، وتسكت عن تغوّل هؤلاء في جوانب الطرقات ينهبون أصحاب السيارات إذا وقفوا عليها.

مجتمع يصل فيه بعض هؤلاء الفسدة إلى مراتب اجتماعية مرموقة في السلّم الاجتماعي بالمال الذي يكون جنَوهُ من خلفيتهم الفاسدة. في حين لا يمكن للصالح الوصول إلى هناك لأن المعيار فيه ليس الصلاح بل المال الوفير.

مجتمع يقف فيه مدمن مخدرات (باعترافه) بلباسه الغريب وبطريقة تصفيف شعره اللذان يوحيان برسائل التمرّد، مع وزير التربىة فيه، في قسم في مدرسة والتعليق الإعلامي عليها هو “زيارة تفكير في إصلاح المنظومة التربوية”

مجتمع تتواطأ السلطة فيه مع “الباندية” في تنفيذ تحرّكاتها الانتخابية مثلا أو المخططات السياسية الانقلابية (لحرق مقرّات المنافس مثلا)

مجتمع يُعلَّم فيه الطفل والشابّ بمناهج ليس فيها اهتمام بالتربية، حتى وقع في فخّ كبير هو وصول المتعلمين إلى وظائف التعليم والتفكير التعليمي، وهم لم يعرفوا التربية بعد، فأنتجوا برامج ودروسا واستراتيجيات تعليمية تهدم التربية.

مجتمع توحّدت الجهود التشريعية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لضرب العائلة و كينونتها فيه. من خلال ضرب مقوّمات القيام بوظيفتها الأساسية وهي تربية الأبناء، فاستقالت تلك العائلة عن التربية ولم تستقل عن التفريخ، فكان أن وجدت مشاكل في كل مناحي الحياة في الوطن إن اختزلتها أجدها “غياب التربية” ولو وجد تعليما.

مجتمع يحارب الدين والتديّن بل ويستهزئ من الدين والتديّن. في إعلامه، وفي مناهجه، وفي قوانينه، وفي قدواته، وفي مسارات اقتصاده وثقافته. وكل ذلك بدعوى الحرّية والعلمانية، حتى فات العلمانيين والمؤسّسين لتلك الفكرة أنفسهم في بلدانهم. فأصبح معيار الانتشار هو مدى محاربة الدين أوّلا. ممّا أنتج تصحّرا قيميًّا تربويا ظهر في السلوك الجمعي فيه. حتّى صار أن يُفاحش فنانٌ يسافر إلينا من الشرق نساءنا علنا أمام أزواجهن، وصار أن يُجاهر من عصى الله بمعصيته في الشاشات وعلى الأثير، وصار أن أصبح الدين في بلاد “عقبةَ” غريبا.

مجتمع يطلق العنان لمنظمات تُجاهر بأنها للشذوذ الجنسي، ويضيّق على الجمعيات القرآنية. مجتمع يُخوَّن فيه الصادق ويُصدّق فيه الخائن. بل تُبنى له التماثيل.

مجتمع يسكتُ عن مظاهرات يخرج فيها من فيها بلافتات انتسابهم، ومعها هراوات تنزل بها عنفا على من يخالفهم.

مجتمع أصيب نصيب كبير من العلاقة التعليمية بين التلميذ والمعلّم بآفة دروسِ يدفع أجرها التلميذ للمعلم مباشرة، فكان أن غلَب مالُ التأجير التربية.

مجتمع صارت أغلب العلاقات بين المطبّب والمريض قائمة على المال فقط، ومن ليس له المال لا يحقّ له في المرض.

مجتمع فيه الموظّف يتحايل على المواطن ليؤخّر قضاء شؤونه في إدارته حتى يضطرّه للرشوة.

مجتمع صار المورّدُ والتاجر يحسب فيه من جملة حساباته ما سيدفعه صاغرا عند الحدود.

مجتمع انتشرت فيه الرشوة حتى أصبحت ظاهرة على قارعة الطريق.

مجتمع لا يلوذ المظلوم والخائف بالشرطة خوفا منها.

مجتمع تعادي إجراءات هيئة إعلامه الدين والتديّن والهويّة وكلّ ما ينتسب إليه ولو بعيدا.

هل نقلتُ لك الصورةَ؟ عفوا… سأقطع النقل المباشر لما أراه، فقد تعبتُ كثيرا ممّا فيها، فكلّي غصّة وألم على وطني. فلا يزال فيها يا امرأة… لا يزال فيها يا رجل… ففيها أنّ مجتمعا فيه كل ما سبق…

لا يُنتِجُ سوى تلميذ يطعن أستاذه.

#فتحي_الزّغل

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023