فتنة الوهابية في بدعية الإحتفال بمولد خير البريّة…بقلم محمد الرصافي المقداد

فتنة الوهابية في بدعية الإحتفال بمولد خير البريّة…بقلم  محمد الرصافي المقداد

تقترب منّا ذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، وككل سنة ينقسم المسلمون بشأنها إلى ثلاثة أقسام، قسم يفرح أصحابه من أعماقهم لمقدمها، فيجددون العهد احتفاءً بها، تعبيرا عما يختلج عادة في قلوب المحبّين لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، من معاني الولاء والوفاء، فيستقبلونها بما أمكنهم من مظاهر الزينة، وأناشيد الإيمان، وطيب المأكل والملبس، تعبيرا لرجل اصطفاه ربّه فأدّى للبشرية رسالة عظيمة خاتمة لرسالاته، متمّما بها مكارم الأخلاق، وقسم لا يرون في الإحتفال به مانعا يحول القيام به شرعا، لكن أصحاب هذا القسم لا يبالون إن احتفلوا به أم لم يحتفلوا، وقسم آخر بذل علماءه  – إن صدقت عليهم الصفة – قصارى جهودهم، لغاية الإنكار على من يحتفل به، بدعوى أنّه بدعة، لم يفعلها الجيل الأوّل من المسلمين، فيكرّرون عند حلول هذه المناسبة، نفس منطق الإستنكار على المحتفلين به، كعيد درجت عليه أجيال متعاقبة، لم ترى فيه بأسا أو شائبة شبهة كونه بدعة، محاولين ثني المسلمين عن الاحتفال به، وعلى ذلك بنى الوهابية حكمهم بتحريمه، وفي ظنهم أنهم أحسنوا صنعا، وهؤلاء هم أتباع مدرسة ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب، الحنابلة عموما والوهابية خصوصا.

شبهة الداعين إلى عدم الإحتفال بالمولد النبوي، كونها بدعة لم يقم بها أحد من أجيال الإسلام الأولى، وسندهم في ذلك أنه لا يوجد نص واحد أو اثر دالّان على ذلك، وهي دعوى لا يمكن أخذها بعين الإعتبار كحجة، فعدم ورود ذكرها في ذلك الزمن، لا يفيد انقطاعها تماما عن أهله، ولا ينفي كونها كانت موجودة، ومحتفى بها في إطار خاص منهم، ولم ترْق بعد إلى اعتمادها عيدا رسميّا ومحفلا عامّا إلا متأخّرا.

تَذكّر وإحياء المناسبات الهامة منْ تاريخ ديننا الحنيف، مِنَ الشعائر الإسلامية، يجب أن تلقى أهميّتها التي تستحق في حياة مجتمعاتنا، فهي علامة من علامات الوفاء والولاء لهذا الدين ورُمُوزه، ومناسبة يُعبّر فيها المسلم بتلقائيّته عن معاني حبّه وتقديره، لمن ارتبطت أسماؤهم بتلك المناسبات العظيمة، ولا شكّ بأنّ أهمها ذكرى مولد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، إمام المرسلين وسيد الأوّلين والآخرين، فليس أقلّ ما نقدّمه له كعربون إخلاص ووفاء لنهجه، وتأسيا بشخصه، وتفكرا في سيرته وتحلّيا بآدابه تعظيما له، وتقديرا لجهوده التي بذلها متفانيا من أجلنا، باعتباره  مدرسة الإسلام الأولى، التي لم يقصّر بشيء في تقديمها عِلْمًا نظريا وتطبيقيا، وقد مَثّل شخصه المقدّس طيلة حياته الشريفة، الإنسان الكامل قدوة وأسوة، لمن أراد أن يسلك طريق الهدى، ويوصل قلبه بحبّ الله سبحانه، وهو الوسيلة الكبرى إليه (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) (1)

مع أنّ الإحتفال بمولده جماهيريا عامّا جاء متأخّرا عن زمانه، فإن ذلك لا ينفي كون إحيائه بين خاصّته من أهل بيته، وخلّص أصحابه كان مُقاما بينهم، فجميع المسلمين درجوا على تعهّد المناسبات الإسلامية، بإحيائها بمظاهر الغبطة والفرح، ولم ينشأ خلاف ولا اعتراض عليها إلّا حديثا، منذ ظهور المبتدع صاحب المذهب المسمى باسمه ابن عبد الوهاب، اعتراض نابع من معرفته بأنّ الشيعة – وهو الحاقد عليهم – هم من بدأوا الإحتفال بالمولد النبوي في العصر الفاطمي، حسب ما أورده مؤرخون، منهم تقي الدين المقريزي في (خِطَطه) (2)، وأحمد بن علي القلقشندي في (صُبْحِه) (3)، بأن الفاطميين كانوا أول مَن احتفل بالمولد النبوي بشكل منظم ومرتب، وبحسب المصادر السابقة، فإن الخليفة الفاطمي (المعزّ لدين الله) نظّم أول إحتفال بالمولد النبوي عام 362 هـ، وذلك بعد دخوله مصر ببضعة أشهر(4)

إنّه لشرف عظيم للمسلمين الشيعة وللفاطميين ذوي النسب الصحيح، الذي لم يقدح فيه سوى من فقد الحجة على إبطال حججهم البالغة، أن يكونوا المبادرين بإحياء ذكريات ومناسبات الإسلام الكبيرة، تجديدا لأحداثها الكبرى، وتعويدا للمسلمين على تعهّدها وتذكّرها، كلما حلت أيّامها، وهذا مما يقوّي علاقة المسلم بدينه مناسبات وأحكاما، خلافا لما ذهب إليه المبتدع ابن عبد الوهاب ومن قبله تيمية الحراني والشاطبي وابراهيم ال الشيخ وابن باز وابن عثيمين والالباني، وبقية فرْقتهم، من كونه بدعة منكرة،(5) ومن أخذ عنهم بعد ذلك، أتباعه أصحاب السراويل القصيرة، واللحى الطويلة، والسلوكيات المشينة، والجهل المركب، وما استحلّوه من دماء وفروج المسلمين في أفغانستان والعراق وسوريا، يكفي لإثبات انحرافهم عن قِيَم الإسلام.

لذلك أقول إن الاحتفال بالمولد النبوي لا يجب أن يُلصق به عنوان بدعة بأي حال من الأحوال، ومن الغبن والحيف أن ترتفع أصوات نشاز، مشتبهة عليها إحياء هذه المناسبة، انبرتْ لتشكّك في جواز القيام بها.

وقد جاء في كتب التراث المعتمدة، مقالة نعتوها بكونها صحيحة، ونسبوها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من سنّ في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كُتِب له مثل أجر من عمل بها…)(6) فما درج عليه المسلمون من احتفالات المولد وغيرها من المناسبات، لا شبهة في كونها من صميم الإسلام تعبيرا، ومن علامات الإيمان أداءً، هو عمل حسن لا شك في كونه كذلك، ولفاعله من الأجر ما يستوجبه من جزاء، ومن شك فيه بخلافه فليجدد ايمانه بالله ورسوله ودينه، وهو بمنطوق هذه الرواية سنة حسنة.

النشاز الوحيد في اعتراضاته على إحياء المناسبات، هم فرقة الوهابية التي تدّعي وحدها بأنها صاحبة لواء التوحيد وتجديد الدين، وهي واقعا أبعد ما تكون عنه، بمخالفاتها الصريحة له، ومعاداتها لأهله، معاداة لم يسبقهم إليها سوى أسلافهم الخوارج، فليس أضر منهم على الإسلام أحد، وعلى كل مسلم أن يكشف حقيقتهم ويفضح سوء مقاصدهم، ويُحبط مؤامراتهم ويُظهر مدى جهلهم، لا فرق بينها وبين الخوارج الأوائل، فكرا ومظهرا وسلوكا، فهم في هذا الزمن خوارج العصر لبئس ما يفعلون.

المصادر

1 – سورة آل عمران الآية 31

2 – المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والاثار لتقي الدين المقريزي

3 – صبح الأعشي في صناعة الإنشا لأحمد بن علي القلقشندي

4 – من الفاطميين إلى محمد علي – الخطط المقريزي ج1ص434

https://raseef22.net/article/172009-

5 –  الاحتفال بالمولد النبوي .. بدعة حسنة ام سيئة؟

https://islamonline-net.cdn.ampproject.org/v/s/islamonline.net

6 – صحيح مسلم كتاب العلم باب من سن سنة حسنة ج8ص61ح 1017/ سنن النسائي كتاب الزكاة ج5ص75ح2554/ ابن ماجة المقدمة باب من سن سنة حسنة ج1ص199ح203/ مسند احمد بن حنبل أول مسند الكوفيين حديث جرير ج31ص494ح19156

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023