فرنسا والولايات المتحدة وصفقة الغواصات مع استراليا…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

فرنسا والولايات المتحدة وصفقة الغواصات مع استراليا…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

كشفت الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا عن تعاون جديد لتزويد استراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية وبالتالي أصبحت استراليا ثاني دولة حليفة لأمريكا فقط التي تحظى “بشرف” التزويد بهذا النوع من الغواصات بعد بريطانيا. وكان لدى الحكومة الأسترالية بالفعل عقد بقيمة 90 مليار دولار للغواصات التي تعمل بالديزل مع شركة تصنيع الغواصات الفرنسية نافيل جروب.

وابتدأت حرب التراشق بالتصريحات والكلمات بين فرنسا وأمريكا على إثر ذلك ولكن هذا ليس موضوعنا هنا. ما يعنينا هو دلالة هذا الحدث وأهدافه.

أولا: لا بد من الإشارة ان الأوساط السياسية الفرنسية سمعت بهذا الخبر من الصحافة حيث تم الخبر في صحيفة بوليتيكو الامريكية مما استدعى الإدارة الامريكية الاتصال بالسلطات الفرنسية لتغطية الفضيحة بعد انتشار الخبر. ولا شك ان هذا سيكون له تداعيات على العلاقة بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وخاصة فرنسا التي عبرت من خلال وزير خارجيتها ان هذا العمل يشكل ضربة في الظهر من حليف. ولا بد ان ينجر تأثير هذا الى حلف الناتو الذي ما زالت أمريكا تستخدمه كمطية لسياساتها العدوانية الكونية ولتحقيق مصالحها الاستراتيجية الكونية الذاتية بغض النظر عن مصالح الحلفاء التقليديين منذ تأسيسه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وفترة الحرب الباردة.

ثانيا: ان هذه الضربة التي تسلمتها الدول الأوروبية بالرغم ان التركيز جاري على فرنسا لم تكن الضربة الأولى لها من حيث عدم إبلاغها بما تقوم او ستقوم به الولايات المتحدة فلقد تم الانسحاب الأمريكي من أفغانستان دون تبليغ دول حلف الناتو المشاركة للقوات الامريكية هنالك ودون التنسيق معها بشكل مسبق حول هذا الانسحاب مما وضعها في موقف محرج امام شعوبها وأطلق دعوات جادة بتشكيل قوة عسكرية على غرار حلف الناتو من دول أوروبية فقط.

ثالثا: ان الضرب بعرض الحائط لمصالح الحلفاء ما هو الا إمتداد لسياسة الرئيس السابق ترامب الذي رفع شعار “أمريكا أولا” – أمريكا كانت تضع مصالحها دائما تحت هذا الشعار ولكن ترامب كان من اول ان قالها بفم ملئان وصراخ عالي النبرة). وهي في حقيقة الامر مصالح التجمع للصناعات العسكرية الامريكية وغيرها من الشركات العملاقة العاملة في مجال الطاقة والتعدين وصناعة الادوية واللقاحات وغيرها والتي تجد آذانا صاغية في بقية الدولة العميقة من سياسيين وعسكري البنتاغون. قيمة الصفقة تثير شهية تجمع الصناعات العسكرية الامريكية التي تعتاش على سياسة خارجية أمريكية عدوانية وعلى خلق بؤر توتر على إمتداد الكون فهي تكره حالة السلم والاستقرار لان هذا يشكل مقتل رئيسي لها. وهذه الخطوة تشير وبشكل واضح ان الإمبراطورية المالية والعسكرية الامريكية لم تتخلى ولن تتخلى عن حلمها بالسيطرة على العالم هذا الحلم الذي عملت على تحقيقه لعقود من الزمن.

رابعا: أن هذه الخطوة تأتي ضمن سياسة خارجية لتصعيد العداء مع الصين عسكريا لان الولايات المتحدة تسعى الان الى توسيع وإقامة قواعد عسكرية دائمة في استراليا وخاصة في المناطق الشمالية القريبة من الصين حيث يتواجد 2000 من قوات المارينز الأمريكية ولكن بشكل مؤقت. وتصعيد العداء الاقتصادي أيضا وخاصة ان استراليا تعتبر شريك اقتصادي للصين فحجم التجاري بين البلدين وصل الى ما يقارب من 200 مليار دولار سنويا وهو أكبر من حجم التبادل التجاري مع الولايات المتحدة وبريطانيا والهند وكوريا الجنوبية واليابان مجتمعة. وينفق السواح الصينين ما يقرب من 11 مليار دولار سنويا في المدن الأسترالية. والولايات المتحدة تسعى الى وضع العراقيل امام خط الحرير الصيني حيث ان الصين قد طلبت استئجار احدالموانىء الاسترالية وتأهيله كموقع استراتيجي ضمن مخطط الخط الاقتصادي الاستراتيجي الصيني والذي تسعى من خلاله ربط دول العالم اقتصاديا به. الولايات المتحدة الان تقدمت بطلب لإقامة  قاعدة عسكرية في مدينة داروين بالقرب من الميناء الذي تعتزم الصين استئجاره وإعادة تأهيله ضمن خط الحرير الاقتصادي.

خامسا: إن هذا العمل الارعن من الطبيعي ان يؤدي الى مزيد من سباق التسلح الذي بات يهدد السلام العالمي وخاصة ان هذه الخطوة ستعطي الذريعة الشرعية للالتفاف على معاهدة حظر الأسلحة النووية فلا يمكن ان تقف الولايات المتحدة على طرف الدعوة لمنع انتشار هذه الأسلحة او الخبرات المرتبطة بها وهي تقوم بهذا الخرق الواضح لهذه المعاهدة. وبهذا أيضا تنضم إدارة الرئيس بايدين الى نفس منحى الرئيس ترامب السابق بضرب المعاهدات الدولية مما يهدد السلم والتفاهمات العالمية.

كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023