فضيحة الفساد..القشة التي قصمت ظهر البعير..!!

فضيحة الفساد..القشة التي قصمت ظهر البعير..!!

بعد عشر سنوات على الثورة التونسية و 12 حكومة ، ﺗﺄﺗﻲ ﺣﻜﻮﻣﺔ، ﻭﺗﺬﻫﺐ أخرى ، ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻓﻲ الوجوه ﻓﻘﻂ، ﻻ أكثر .. ﻣﺎ الذي ﻳﻤﻨﻊ الحكومات المتعاقبة ﻣﻦ ان تنجز، او ﺗﺤﻘﻖ واحدا ﻓﻲ المئة ﻣﻦ وعودها ﻟﻠﺸﻌﺐ الغارق ﻓﻲ اليأس ﺣﺘﻰ أذنيه ﻣﻦ ﻛﺜﺮة ﻣﺎ ﺳﻤﻊ ﻣﻦ وعود ، و دغدغة المشاعر و إستغفال العقول.. حتى أصبح قانون الغابة الذي يقوم على الإبتزاز و الإستقواء على الدولة و مؤسساتها سيّد الموقف.. لم تحمل ثورة “17 ديسمبر ” التغيير الذي أراده التونسيون من خلال تضحياتهم ، فلا حقق الاقتصاد نماءا ولا تحققت أهداف الثورة أساسا، بل انتقلت البلاد من نظام ديكتاتوري قائم على الاستبداد إلى آخر قوامه الفساد، ولم تستطع الحكومات المتعاقبة إلى حد الآن معالجة آفة نخرت أجهزة الدولة ومؤسساتها الحيوية، وهي من أهم أسباب تأخر الدول وبقائها في مربع الفقر والفوضى، خاصة أن الفساد في تونس يصنف حادا بفعل استيلاء مجموعة فاسدة على أدوات عمل الحكومات و مفاصل الدولة من أجل تطويع حقيقي لأجهزة الدولة لأغراض أخرى بما يعود بالمنفعة المادية على زمرة قليلة انهكت البلاد و فقرت الشعب..

عدة أسئلة تطرح نفسها :
كيف يمكن تحديد ما إذا كان انهيار الدولة يوفر فرصا للفساد أو أن الفساد يتسبب في انهيار الدولة؟

ملفات فساد تطفو على السطح ، هذه الملفات القطرة التي أفاضت الكأس في بلد نخره الفساد وقطع أوصاله المفسدين و قد يعلن افلاسه..و أعتقد أن كل هذه الملفات تجعل الحكومة في حالة حرب مفتوحة مع الفساد ومع الأطراف التي تقف وراءه للتصدي لهذه الظاهرة و إستئصالها من جذورها..

لم تكن فضيحة ملفات الفساد التي كُشف عنها مؤخرا الأولى في البلاد وربما لن تكون الأخيرة في تونس ، إلا أن هذه الملفات كشفت أن الفساد مس حتى القطاعات الحساسة في الدولة و الأمن القومي للتونسيين.. ملفات فساد تتعلق بـــ: نفايات إيطالية.. قمح فاسد.. درع فاسد.. فول سوداني (كاكوية).. قطع غيار مقلدة..، ملفات فساد تكشف عن حجم الغول الذي ينخر الدولة و المجتمع.. ظاهرة الفساد تمثل حالة من العبث و عدم التقيد بالقوانين المفروضة و ضروب من الفساد أتت عليه و هددت موارده الذاتية و الأساسية …و لم تشفع الثورة له بالإصلاح و لم تطله يد التنظيف و لم يتحرك الديوان الوطني للموانئ التجارية و البحرية و لا وزارة النقل لردع الفساد الذي اتسع رقعته، هذه التجاوزات أصبحت مفضوحة و على مرأى و مسمع الجميع و بارزة للعيان و اصبح إستئصال أخطبوط الفساد ضرورة قصوى لا تقبل التأخير.. ملفات فساد تكشف عن حجم ما كانت تونس تتعرض له من تدمير من داخلها قبل أن يسلط عليها تدمير خارجي يزري بكيان الدولة، فالدولة أصلا كانت منهارة بينما تسير دولة أخرى(عميقة) دواليب الاقتصاد الموازي وتعتاش منه، لقد كان الفساد سرطانا ينخر كل مفاصل الدولة وصل مرحلة التفشي الكامل بعد الثورة ووجب إستئصاله من جذوره..

ورغم اختلاف وجهات النظر وتباين تقييم الظاهرة، إلا أن واقع الحال يفرض إعلاما محايدا يكشف الحقائق، وخطابا يتميز بالشفافية لتعرية أوجه الفساد في صفقات الإستيراد خلف الكواليس التي تسمح بتمرير البضائع الفاسدة و الغير الصالحة للاستهلاك البشري..
لذلك كله نناشد كل معني بمحاربة أخطبوط الفساد ؛ دولة ومؤسسات وجمعيات ومواطنين وهيئات و كل وطني شريف أن يعوا جميعا بضرورة معالجة الفساد بكل أنواعه، وهي ليست مهمة صعبة إذا صحا الضمير وصفت النيات وكان العزم والحسم سيد الموقف؟!
الفساد و ما أدراك ما الفساد وهو من ضمن أبرز عوامل قيام ثورة “17 ديسمبر “ونجاحها، ونستطيع القول بأن الإستبداد و نظام “الكلبتوقراطية” (حكم اللصوص) و الفساد بصوره وأشكاله المتعـددة كان هو القشة التي قصمت ظهر بعير النظام السابق..

رغم قتامة المشهد السياسي و حجم الصدمة التي تعرض لها التونسيون جراء حجم غول الفساد الذي ينخر الدولة و مؤسساتها، إلا أن التحركات الأخيرة للسلطات الأمنية والقضائية في قضايا فساد من الوزن الثقيل أثارت ارتياح للرأي العام ، لأنها مست أطراف كان يعتقد انها محصنة سياسيا وماليا.. و لن يكون النجاح في الحرب على الفساد حقيقيا ما لم يقع فتح ملفات أخرى لتجاوزات خطيرة سابقة حصلت على امتداد الأعوام الماضية ومست المال العام وأضرت بالمصالح الحيوية للدولة والشعب وسمحت لكثيرين بالإثراء غير المشروع.. و أمام الحرب على أخطبوط الفساد لم تعد هناك معارك أخرى، و اليوم أهم معارك الدولة و التونسيين هي معركة الفساد ،ومنها ينطلق تصحيح المسار و إصلاح مؤسسات الدولة.. ولاشك و أن إنكشاف و تورط بعض الأسماء في قضايا الفساد ليس إلا قطرة في بحر من الفساد العائم على سطح من الظلمات و موقف الأجهزة الأمنية الحازم و القضاء النزيه تجاه هذه القضايا زلزل الأرض تحت أقدام المافيات و أخطبوط الفساد و زلزل كيانات كانت تعتبر نفسها بعيدة عن المساءلة و أكبر من القانون..
الملفات عديدة ، و المطلوب التعجيل في الحسم فيها، تأكيدا للرغبة في مكافحة الظاهرة، و خاصة عدم الإفلات من العقاب، و جعلها بندا أساسيا في برنامج الحكومة و من أولوياتها، حتى تكتسب مصداقية و حزاما سياسيا و شعبيا متينا إعلاءا لهيبة الدولة، و إنفاذا للقانون..حينها سننجح في بناء الدولة و تجفيف منابع الفساد..
عشر سنوات من فشل وتجارب أنهكت البلاد وافقرت العباد، و سقط القناع… و من يرفض شرف محاولة إنقاذ الوطن، لا يستحق الوطن..

عاشت تونس..

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023