في الذكرى الـ 53 لهزيمة حزيران 67: امريكا كانت ولا زالت سبب نكبتنا المستمرة؟!

في الذكرى الـ 53 لهزيمة حزيران 67:  امريكا كانت ولا زالت  سبب نكبتنا المستمرة؟!

بقلم: محمد النوباني |

من القضايا المهمة التي حاولت الرجعية العربية إخفاءها  عن الجمهور العربي، لكي لا تحرج نفسها بسبب إستمرار تبعيتها الذليلة لأمريكا، رغم عداء الاخيرة السافر لقضايانا وتأييدها المطلق لإسرائيل، هي قضية الدور الحاسم والمقرر الذي لعبته الولايات المتحدة الامريكية في تمكين إسرائيل  من الانتصار على مصر وسوريا والأردن في حرب الخامس من حزيران عام 1967 التي سميت في اسرائيل تحقيراً للعرب بحرب الايام الستة فيما سميت في الخطاب السياسي العربي تخفيفاً من آثارها الكارثية بألنكسة..

فكل المصادر التاريخية تؤكد بأنه لولا عملية الخداع الكبرى  التي  قامت بها  امريكا للزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر حيث أرسلت له رسائل توحي بأن إسرائيل لن تكون البادئة في توجيه الضربة لمصر لما تمكن الطيران الحربي الإسرائيلي من تدمير سلاح الجو المصري وهو جاثم على الارض ولولا مساندتها لاسرائيل في المحافل الدولية لما تمكنت الاخيرة  من الإحتفاظ بالأراضي التي إحتلتها في تلك الحرب  ولولا جهود مبعوثيها لما تسنى لاسرائيل توقيع   إتفاقيات  كامب ديفيد مع مصر وإخراجها من الصراع العربي -الإسرائيلي ولا من توقيع إتفاق آوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية ولا وادي عربة مع الأردن.

ولكي نكون فكرة واضحة عن دور امربكا في الشرك الذي نصبته واشنطن لجمال عبد الناصر  لا بد من الإشارة إلى أنه بعد أن وصل الرئيس الامريكي الاسبق ليندون دجونسون الى البيت الابيض عام 1963 كرس معظم وقته للتخلص من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي كانت تعتبره واشنطن خطراً إستراتيجياً على مصالحها  ومصالح عملائها في المنطقة.

ولتحقيق هذا الهدف الذي كانت تدفع بإتجاهه ايضاً المملكة العربية السعودية في عهد الملك فيصل قرر جونسون تنفيذ خطة محكمة لاستدراج جمال عبد الناصر إلى حرب مع إسرائيل تكون نتيجتها محسومة لمصلحة الاخيرة بنفس الطريقة التي استدرج فيها جورج بوش الأب الرئيس  العراقي الراحل صدام حسين إلى غزو  الكويت عن طريق السفيرة جلاسبي.

وفي التفاصيل فمنذ أن تولى ليندون جونسون الرئاسة في الولايات المتحدة الامريكية رمى بكل ثقل بلاده المادي والمعنوي لدعم اسرائيل  حيث قرر في العام 1965 بيع اسرائيل السلاح بصورة علنية وللتعمية على فعلته المنحازة لاسرائيل والمعادية للعرب بعث جونسون برسالة الى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يخطره منها بان امريكا قررت بيع صواريخ ” الهوك” للدولة العبرية لمواجهة قاذفات القنابل الروسية الصنع الموجودة لدى مصر لانها معنية على حد تعبيره للحيلولة دون اختلال توازن القوى في المنطقة والذي يشجع على نشوب الحرب .

وحذر جونسون في رسالته المذكورة لعبد الناصر العرب من مغبة تضخيم قضية بيع الاسلحة لاسرائيل لانهم ان فعلوا ذلك فسوف يتسببون حسب رأيه في تصعيد حدة التوتر في الشرق الاوسط.

وحتى تكتمل عملية الخداع ، فقد اعلن اسحق رابين رئيس اركان الجيش الاسرائيلي انذاك ، ان الجيش الاسرائيلي سوف يشن هجوما خاطفا على سوريا لاحتلال دمشق واسقاط نظام الحكم فيها ومن ثم الانسحاب والعودة الى المواقع الاصلية بذريعة الرد على العمليات العسكرية التي كان يشنها الفدائيون الفلسطينيون على اسرائيل انطلاقا من الحدود السورية.

كما اعلن ليفي اشكول رئيس الوزراء الاسرائيلي انذاك ان اسرائيل مستعدة لاستخدام القوة ضد سوريا ، فما كان من مصر الا ان ردت على ذالك التهديد الاسرائيلي باعلان حالة الطوارىء في القوات المسلحة المصرية بهدف الضغط على اسرائيل لتهدئة الموقف على الجبهة السورية , وفي 16 ايار 1967 قرر المشير عبد الحكيم عامر وزير الحربية المصري انذاك ممارسة المزيد من الضغط على اسرائيل , فاصدر رئيس الاركان المصري محمد فوزي امرا لقوات الطوارىء الدولية العاملة في سيناء باخلاء مواقعها طالبا من القوات المسلحة تنفيذ ذالك القرار .

وفي اعقاب هذا التطور كلف الرئيس جونسون سفير الولايات المتحدة لدى مصر بنقل رسالة الى الرئيس عبد الناصر ، حيث جاء في الرسالة تاكيده على حسن نواياه تجاه مصر نافيا وجود اتجاهات غير ودية لديه , واشاد جونسون برسالته بجهود عبد الناصر في مجال التنمية الاقتصادية متحدثا بعدها عن اهمية تجنب نشوب الحرب ومشددا على ان النزاعات يجب ان لا تحل بالاجتياز غير المشروع للحدود بالقوات المسلحة ومقترحا ان يقوم نائبه “هيوبرت همفري” بزيارة للشرق الاوسط لتخفيف التوتر

وذكر جونسون في رسالته ان حكومة مصر والحكومات العربية الاخرى تستطيع ان تتاكد بيقين وان تعتمد على ان حكومة الولايات المتحدة تعارض معارضة صارمة اي عدوان في المنطقة من اي نوع , سواء اكان مكشوفا او في الخفاء وسواءا قامت به القوات المسلحة النظامية او قوات غير نظامية , وبانها ستقف ضد اي طرف يبادىء بالاعمال الحربية .

ويذكر المرحوم محمود رياض الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية المصري انذاك في مذكراته ” البحث عن السلام والصراع في الشرق الاوسط ” ، بان تلك الرسالة الامريكية والتعهدات الرسمية التي قدمت لمصر قد ساهمت في عملية الخداع الكبرى والتي قادت الى الهزيمة , ويشير رياض في مذكراته الى ان الامر الذي لا شك فيه ، انه لولا الخداع الامريكي لكان بمقدور عبد الناصر القيام بضربة وقائية كان من شأنها ان تحول دون كارثة 1967 , لانها كانت ستمكن سلاح الطيران المصري من تدمير جزء من سلاح الجو الاسرائيلي وستحول دون تدمير الطائرات الحربية المصرية وهي رابضة على الارض في قواعدها صباح الخامس من حزيران .

ولم تكتف الولايات المتحدة بالخداع والتمويه فامرت الاسطول السادس الامريكي في البحر المتوسط بالاستعداد لمواجهة اي موقف عسكري , فتوجهت قطع منه الى شرق البحر المتوسط ثم ارسلت الباخرة الامريكية ” ليبرتي ” للتجسس على التحركات والاتصالات المصرية في سيناء , وهي الباخرة التي اكتشف امرها فجأة اثناء الحرب حينما اغارت الطائرات الاسرائيلية عليها بطريق الخطأ .

وعندما بدأت العمليات الحربية من جانب اسرائيل التي اعتدت على ثلاث دول عربية قال “دين راسك ” وزير الخارجية الامريكي انذاك بانه لا يعرف من هو الطرف الذي بدأ بالحرب

ومن نافلة القول ان كلام “راسك ” لم يكن صحيحا لانه لو افترضنا جدلا بان امريكا لم تكن على علم مسبق بساعة الصفر فان الاقمار الصناعية الامريكية لاغراض التجسس كان التعرف على وجه القطع من هو الطرف الذي بدأ الحرب.

وقد كشفت العديد من المصادر عن ان وكالة المخابرات المركزية الامريكية لعبت دورا مهما في اتخاذ قرار الحرب ، حيث اكدت لجونسون انه لا توجد خطة او استعدادات في مصر للهجوم على اسرائيل ، الا انها اكدت ايضا ان القوات الاسرائيلية بوسعها كسب الحرب .

وقد علم ابا ايبان وزير الخارجية الاسرائيلي انذاك ، برأي المخابرات الامريكية عند زيارته للبنتاغون يوم 26/5/1967 في حين ذكره جونسون لدى اجتماعه به بجملته المشهورة التي تطرح بوضوح استعداد امريكا لمساندة اسرائيل في الحرب القادمة – ان اسرائيل لن تكون وحدها الا اذا قررت هي ان تعمل بمفردها .

وعندما ابلغ السوفيات ادارة جونسون ان اسرائيل تعد العدة للهجوم على مصر ، اكتفت تلك الادارة بارسال المعلومات الى ليفي اشكول رئيس الوزراء الاسرائيلي في ذلك الوقت دون ان تتخذ اي اجراء لمنع العدوان.

وبعد نشوب الحرب وتحديدا في اليوم الثاني 6حزيران عندما بادرت كل من فرنسا والهند الى تقديم مشروع قرار مجلس الامن تطالبان فيه بوقف اطلاق النار وانسحاب القوات الاسرائيلية الى خطوط الرابع من حزيرات 1967 ، ظلت امريكا لوحدها تصر على عدم الاشارة الى الانسحاب مستخدمة في ذلك كل وسائل الضغط والتعويق والمناورة مما مكن اسرائيل من مواصلة احتلال المزيد من الارض .

وتذكر المصادر انه بتاريخ 18-7-1967 توصل المندوب الامريكي في الامم المتحدة ” ارثر جولدبرج” مع السفير الروسي “دوبرينين” الى مشروع قرار يقدم للامم المتحدة وينص على مبدأ عدم جواز احتلال اراضي الغير بواسطة الحرب طبقا لميثاق الامم المتحدة , ويطلب من اسرائيل القيام بدون تأخير بسحب قواتها من الاراضي التي تم احتلالها , في حرب حزيران ، الا ان الولايات المتحدة سحبت موافقتها على مشروع القرار بعد اقل من 48 ساعة من الاتفاق عليه مع السوفيات .

ولعل قلة منا يعرفون ان اشكالية “ال” التعريف المتعمدة الواردة في القرار 242 الصادر في 22-11-1967 والتي استند اليها لدى صياغة وطرح العديد من مشاريع الحلول السياسية التصفوية الخاصة بالقضية الفلسطينية ، كان مصدرها الولاياة المتحدة الامريكية والهدف منها مساعدة اسرائيل للاحتفاظ بالاراضي التي احتلتها في عدوان حزيران .

فالقرار 242 هو عبارة عن توليف بين مشروعي قرارين قدما لمجلس الامن ، هما : مشروع امريكي واخر بريطاني، المشروع  الامريكي قدمه سفير الولايات المتحدة لدى الامم المتحدة في ذلك الوقت  الامربكي من اصل بهودي آرثر جولدبرغ والمشروع البريطاني الذي اعده وزير خارجية بريطانيا جورج براون وقدمه مندوب المملكة المتحدة لدى الامم المتحدة اللورد كارادون الذي شغل منصب حاكم اللواء الشمالي في فلسطين اثناء ثورة 1936-1939 والمسؤول عن سفك دماء الكثير من الفلسطينيين الابرياء .

وقد تعمد الصهيوني  ارثر جولدبرج في المشروع الذي تم دمجه مع المشروع البريطاني القول بان مجلس الامن الدولي يؤكد بان تحقيق حالة من السلام العادل والدائم في الشرق الاوسط تشمل انسحاب قوات مسلحة من اراضي محتلة .

وقد ثبت هذا الغموض المتعمد في النص الخاص بالانسحاب من نص القرار 242 حيث وردت عبارة انسحاب القوات الاسرائيلية من اراض احتلتها في النزاع الاخير حسب النص الانجليزي , بينما وردت العبارة مضاف اليها ال التعريف لتصبح في النصوص الرسمية الاربع الاخرى ( الروسية , الفرنسية , الاسبانية , والصينية ) الانسحاب من الاراضي التي احتلت في النزاع الاخير .

واليوم وبعد انقضاء قرابة 53 عاماً  على صدور القرار 242 يتضح لنا بجلاء ان الذين صاغوا ذلك القرار لم يكونوا يلعبون وانما يمكنون اسرائيل من الاحتفاظ بالضفة الغربية وقطاع غزة والجولان السوري المحتل بعد ان ادعت بانها نفذت القرار عندما انسحبت من سيناء المصرية.

بكلمات اخرى ، فان من صاغ القرار242 اراد وضع اي مفاوضات  “سلام “مستقبلية مع العرب , وهو ما سمي لاحقا بالمسيرة السلمية بكاملها تحت رحمة التفسير الاسرائيلي للنصوص لتدخل العملية التفاوضية بعدها ليس في تطبيق حلول سياسية وانما في عملية تفاوض على معاني كلمات ونصوص مبهمة وتفاصيل مملة لكي تستمر العملية الى ما لا نهاية ويبقى السلام بعيد المنال. وهذا ما حدث فعلاً من خلال إتفاق آوسلو الذي كرس الاحتلال والاستيطان والتهويد وجعل من السلطة الفلسطينية اداة وظيفية في خدمة الامن الاسرائيلي.

استنادا الى كل ما تقدم ، فان الاستفادة من دروس وعبر حرب الخامس من حزيران عام 1967 تعلم ان الولايات المتحدة الامريكية لا زالت كما كانت قبيل واثناء وبعد تلك الحرب سندا وداعما وحليفا استراتيجيا لاسرائيل وفوق كل ذلك شريكا دائما لها في كل عدوان تشنه على الفلسطينيين والعرب.

وعلى الرغم من ان الذكرى آلـ  53 لحرب حزيران 1967  تحل علينا  هذا العام في ظل محاولات مستميته لتمرير صفقة القرن التصفوية وعشية القرار الذي ستتخذه حكومة نتنياهو -جانتس في الاول من شهر تموز يوليو القادم بضم الأغوار والمستوطنات إلى السيادة الإسرائيلية إلا أن تنامي قوة محور المقاومة في المنطقة وتزامن الذكرى مع تمكن ايران من فك الحصار الامريكي عن فنزويلا ومع إنتفاضة السود والمهمشين غير المسبوقة في الولايات المتحدة الامريكية ضد الراسمالية المتوحشة في امريكا يعطينا الأمل  بأن لحظة استعادة الحقوق الفلسطينية والعربية المغتصبة باتت قريبة بل وقريبة جداً.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023