في ذكرى الانقسام الفلسطيني .. هو انقسام للأمة العربية

سلمان الرشيد |

الحكايات القديمة حيث بدأ نشوء العقل وتكوين الانسان لحضارته ان كانت حقيقة أم انها مرتبطة فقط بأحافير  مزيّفة، قد شكلت من الإنسان عالم كامل سيطر فيه على كائنات الخلق برمتها, والإنسان لا يقدر ان يعيش أو يدافع عن نفسه وحيد.

فالموت يلاحقه وهو الاضعف بالرغم من سيطرته, فالنصر الذي حققه لم يأت من فراغ بل عن طريقة الاسلوب الذي أتبعه من خلال تشكيل جماعات صغيرة للصيد وأخرى للدفاع عن التجمع البشري الذي شكل فيما بعد اسرة أو جماعة كانت اللبنة الاولى للحضارات الانسانية .

وقد استخدم العقل وسيلته للإبداع في محاربة اعدائه، فوصل الى نشوة الانتصار وأصبحت مخلوقات الله كلها تحت طوعه، فلا مجال للشك بأن اللجوء للعقل هو الذي حقق للإنسان انسانيته بغض النظر عن بعض التجاوزات التي عبدت الفردية وجعلت الانسان آلهة، فكل شعوب الارض ساهمت في طريقة ما في الحضارة التي ينعم بها هذا الانسان الحالي .

والحديث ليس له نهاية اذا ما تطرقنا عن الشعوب ومقدراتها وأسلوب معيشتها وتنظيماتها السياسية التي انبثقت أصلا من خلال هؤلاء الناس الذين اعتبروا بأن هذه التنظيمات جزأ لا يتجزأ من واقعها، هذه الشعوب ذاتها التي شرّدت الى كل دول العالم تبحث عن مأوى بعد أن سلب منها وطنها ووزّع شرائح منمّقه لكل جزء منه وطن آخر بديل عن الوطن الام .

ولا بد من ذكر الحكاية الشعبية التي اشتهرت فيها المخيلة متحدثة على أن في الوحدة قوة والضعف لا يأتي إلا من الفرقة، أساس عملت عليه كل الشعوب فحرّرتها وكونت دولة غير ظالمة بعد ان أبعدت كل الديانات عن مركز قرارها، فأضحت دول مدنية تؤمن بالفرد المبدع والجماعة، والشعب الفلسطيني من الشعوب الذي لم يأت صدفه الى مركز التجاذبات الدولية، بل يمكن القول بأنه من أكثر الشعوب مظلومية في تاريخ الامم .

نكّروا وطنه الذي عاش فيه منذ آلاف السنين وشرّد الى أرجاء المعمورة، فهو يملك إرثا ثقافيا حضاريا فمنذ رحيله من جزيرة كريت الى شواطئ كنعان وهبوطه وسكنه وتكوينه للمدن ومرور الديانات المختلفة، كان الشعب الفلسطيني من أكثر الشعوب فعالية في التاريخ الانساني.

وبعد النكبة كان هذا الشعب أكثرها انكبابا للعلم وتبوؤا المستشارية لمجموعة الحكام العرب وملوكها، وتكونت منظمة التحرير موحّدة مدعومة لتحرير الارض والإنسان، وبتوزّع أهواء الشعب السياسية كانت المنظمات المتعددة التي طالبت بشعارات موحّدة لكنها اختلفت بالإيديولوجيا وأسلوب نضالها، فمنها من أعتنق الاشتراكية والشيوعية ومنهم من اختار الاسلام السياسي ولكنهم كانوا ضمن إطار واحد يعملون تارة في السر وتارة في العلانية .

وابتدأت التفرقة بعد اعلان أوسلو فمنهم من أيده ومنهم من ناهضه وتشرذم الشعب وراء منظماته وتكونت ما يسمى سلطة وطنية في الضفة لا صلاحية ولا حكومة ولا اعلان دولة . فالنضال منذ الستينات لم يأت بالثمار المطلوبة وسقط الرهان وبقي حق العودة معلقا لشعب طالما حلم أن يموت على أرضة، لم يحدث يوما بأن الفرقة الفلسطينية وصلت الى حد الطلاق والاقتتال مثل الحالة المتردية في السنوات الماضية، وإذا ما قارنا فان هناك عرفا يهوديا يحرّم فيه قتل اليهودي أخيه اليهودي، وكل ما يؤمن به بني صهيون موجه لبناء دولة اسرائيل .

فإسرائيل يجب أن تبقى فوق الجميع، وأما العرب لن أذكر أعمالهم ولن أذكر وهنهم الدائم، فيقدمون مبادرات السلام وأول مرة في تاريخ الشعوب المحاربة الضحية هي التي تقدم مبادرة سلام..!!

الضحية هي التي تتمنى أن ينتهي الصراع ليرغد السلطان بأموال شعبه تحت ظلال الزيتون في حيفا والشمال، اذا المال دخل القضية وبدأت مرحلة التقسيم . فهناك فرقتين مقتتلتين وليستا بدولتين، ففي القطاع دولة تمارس أعتى الحكم الديكتاتوري وفي الضفة دولة تركض للتفاوض على فلسطين واعطائها الحق في تسمية شبرا واحدا من الارض/ فلسطين / فالنضال المحفّز للشباب العربي قد خبى واندثر وأصبح هباء منثورا، والمهم ان تنتهي ويوضع التوقيع فوق الاوراق .

أوراق تجاوزت الجغرافيا وأصبحت تلك لعبة الجميع وماعت قضية فلسطين، كان الحديث يدوم ويطول عن حكومات انتقالية في الضفة وعن حكومة مقالة في القطاع وهذه لعبة اسرائيلية بامتياز شربناها أكثر من عقد من الزمن وأصبحت التفرقة هي السمة الرئيسية لكل حديث، فمنهم من يريد الاسلام نظاما ومنهم من يخطب على ان النظام يجب ان يكون علمانيا، اختلفوا في نوع النظم الحاكمة وهم لم يحكموا بعد فالبرلمان هواء ليس له وجود والحكومات لا متصرفية لها والقطاع محكوم بالسلاح بشكل يدل على ان وجود الاسرائيلي أفضل من حكم الابناء لبعضهم .

لقد اجتمعت الحكومتان مرات عدّة وخرجوا بخلاف أكبر وكل ذهب الى مدينته، والآن عصر الأخونة يجتمعون من جديد وكل يريد أن يفرض شروطه: إتفاق، توقيع، انفضاض و العودة كل واحد على حدة. والمطلوب هذا الانقسام الدائم ان يبقى قائما الى ان يتم تجهيز المنطقة كليا لقبول الصلح النهائي مع اسرائيل، ودون تخوين الوصول الى مصطلح كل من يرمي حجرا على دولة اليهود خائن في بادرة لقلب المفاهيم التي تربى عليها أجيال من الناس وجعلها مقتنعة تماما بضرورة هذا الحل .

لان المنطقة تعيش حالات من الانهيار اللامسبوق، في اشارات واضحة الى نمو الشعور الطائفي وجعل المنطقة في حالة من الغليان والمشحونة بين مكونات الشعب الواحد. وبذلك يتم الاتفاق والتوقيع ليس على المسودات بل الحفاظ على مواقع وكراسي كانوا قد احتلوها سابقا.

فالدول التي كانت دائما الى جانب القضية تعيش أزمات وصراع داخلي مفتعل بأدوات على الارض باعت وطنها بحفنة من الدولارات، والمخططات القائمة تميل الى استباحة الدم بكل الطرق الشاذة والمقرفة دعما منها الى ضرب كل من يقف الى جانب الحق في استعادة الارض من النهر الى البحر.

وهذا بكل المقاييس مرفوض تماما، وأحدثت الفتنة بتمويل عربي لإسقاط المفاهيم وشراء بعض الحركات المقاومة. من أجل أن يتم عقد المصالحة والبيع معا. فالإخوان تنظيم عالمي له مرشد واحد قد وضع يده في يد الاسرائيلي لقلب الحقائق، والبقاء تحت إرشادات الأنظمة الخليجية التي حرّمت المحلّل وحلّلت المحرّمات .

في طريقها الى تنفيذ الارشادات القادمة من الدوائر الصهيونية بتفتيت المنطقة الى دول مذهبية و عرقية وطائفية وريثما يتم ذلك يبقى الحال معلقا بعد ان ارتبطت المصالحة بشكل يدعو الى الشك بالأجندات اليهودية التي هي التي تختار المكان والزمان، لان أمن اسرائيل مرتبط بشكل وثيق بما يحدث بالعالم العربي من انهيارات كحجار الدمينو وبرعاية أمريكية وأوروبية.

وهؤلاء ذاتهم لا يهمّهم وضع المواطن العربي، ولا الشعور العام الفلسطيني، كل ما في جعبتهم قد تم تفريغه في كيس الأشواك الذي يحمله القادة الصهاينة، فالمصالحة ضرورة وطنية ولكن ارتباطها بما يجري جعلها تدوم وتستمر الى وقت الاعتراف بيهودية اسرائيل بما تمثله الحركات الشاذة الان وابتعادها عن مفهوم الوطنية وتقديم الهدية الكبرى لدولة طالما سعت جاهدة لهذا الغرض.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023