قلادة التطبيع هل تليق بتونس!!؟…بقلم: محمد الرصافي المقداد

قلادة التطبيع هل تليق بتونس!!؟…بقلم: محمد الرصافي المقداد

قديما كانت سياسة بورقيبة، ووريثه بالولاء للغرب بن علي، تسير بخطى بطيئة متوأمة، نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، ثابتة وفي سرّية تامّة، ولم تكن مسموح لها أن تظهر للشعب، باعتبار الرباط الوثيق، الذي جمع بين مختلف طبقات الشعب التونسي وفلسطين، أرضا وشعبا وتاريخا، خوفا من ردّة فعل جماهير تونسية، ترسّخت في وجدانها عقلية نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم، وجعلت من تلك النصرة التلقائية أولويّة في حياتها، لذلك مضت سيئاتها مخفيّة على تلك الجماهير، مخدوعة بادّعاء النظامين السابقين، أنهما مناصران للقضية الفلسطينية، وكان الاعلام التونسي المدجّن في سوق المتاجرة بالقيم باختلاف أنواعه – المكتوب والمرئي والمسموع – متواطئا معهما، فلم يتعرّض لأعمال التطبيع، وتجاهل ما وقع فيه من أعمال مضت تحت مبرّرات عدّة، الى ان أفتتح مكتب العلاقات بين تونس والكيان الصهيوني سنة .


بعد اتفاق اوسلو الذي ابرم سنة 1993 بين الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية واغلب الدول العربية، بدأت تطفو على سطح الدبلوماسية العربية العميلة للغرب علاقات بينهما تراوحت بين البسيطة المحددة في اقامة مكاتب علاقات بينهما، افتتح الكيان الصهيوني في سرية مكتب علاقاته بتونس في شهر أفريل سنة 1996 وبعد شهر افتتح مكتب تونسي في تل الربيع.
الكاتب والباحث الفلسطيني محمد محارب نشر في مقال له بعنوان: (لماذا تتخوف اسرائيل من الثورة التونسية) منشورا بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات سنة 2011 ان الكيان الصهيوني سعى خلال السنوات ما قبل الثورة الى تطوير العلاقات الاقتصادية والمالية التي كان يقودها الطرابلسية ( اصهار بن علي)، في اطارها الخاص والضيق، الذي لا يمكن الحصول من خلالها على ارقام دقيقة، غير أن الكاتب الفلسطيني نفسه، أشار الى أن اليومية المالية الاسرائيلية (غولبز)، كانت نشرت في 19/10/2008، ضمن مقال بعنوان (تونس الفرصة القريبة جدا)، للكاتب الإسرائيلي (ميشال مرغاليت) ذكر فيه، اهتمام المستثمرين ورجال الأعمال الإسرائيليين، بمجال الاستثمار المتاح لهم بتونس، والتشجيعات التي لقوها لأجل ذلك، من طرف الحكومة آنذاك، وقد بلغت حد اعفاء المستثمرين من الرسوم والضرائب لمدة 10 سنوات، مع امتياز ان يكونوا مالكي مشاريعهم وشركاتهم 100% ، وهي عروض وتشجيعات استثنائية، لم تمنح من قبل لأي جنسية أخرى، حتى لو كانت عربية اسلامية.(1)


لمحة تاريخية
لقد مثّل لقاء وزير الخارجية التونسي الأسبق (الحبيب بن يحيى) بوزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك (إيهود باراك) في برشلونة سنة 1995، نقلة نوعيّة في العلاقات بين تونس والكيان الصهيوني، فبعد اتصالات تواصلت سنوات، عبر قنوات سريّة كانت السفارة البلجيكية في كلّ من تونس وتل أبيب راعيتها، افتتح ذلك الاجتماع الثنائيّ المباشر، مرحلة التطبيع الاقتصاديّ، وتشير إحصائيّات منظّمة التجارة الدوليّة، وقاعدة بيانات الأمم المتحّدة للتجارة، أنّ أولى الشحنات التجاريّة بين تونس والكيان الصهيوني قد انطلقت منذ سنة 1995، أي قبيل افتتاح مكتبي رعاية المصالح بسنة، ليكون الكيان الصهيوني سبّاقا إلى اختراق السوق التونسيّة، مقابل تأخّر تونسي، حيث لم تبدأ تونس في توجيه صادراتها نحو الموانئ الصهيونية، سوى سنة 1997، ورغم تواضع حجم هذه المبادلات الثنائيّة، بالنسبة لإجماليّ العلاقات التجاريّة بين الطرفيّن، بقيمة بلغت 3.3 مليون دولار سنة 2015، حيث لم يتجاوز نصيب السوق التونسيّة، من الصادرات الإسرائيليّة خلال تلك السنة، سوى 810 ألف دولار، محتلّة المرتبة 136، على قائمة الشركاء التجاريين للكيان الصهيوني، إلاّ أنّ تونس احتلّت المرتبة 86 على صعيد أهمّ الموردّين للسوق الإسرائيليّة، بحجم مبادلات بلغ خلال سنة 2017، قرابة 5.5 مليون دولار.(2)
هذا على الصعيد التجاري، أما على الصعيد الثقافي، فإن الطامّة لا تقل عما اشرت اليه، وتبادل الزيارات قائم بين شخصيات تونسية، محسوبة على العلم والثقافة والفن والاعلام، تحت مبررات وعناوين عدّة، كشفها ناشطون ضد التطبيع في تونس وفلسطين، وفضحوا أستارها، اما سياحيا، فإن ما افتضح أخيرا، من قدوم صهاينة من مطار (بن غوريون)، الى تونس مباشرة، لإحياء عادة يهودية، عرفت باسم (الغريبة)، بجزيرة جربة بالجنوب التونسي، قد اسقط ستر الادعاء الحكومي، جهله بوجود صهاينة قادمين مباشرة من داخل الكيان، والقائه باللائمة على من نشر ذلك، حسب ما جاء في بيان وزارة الداخلية، بينما نجد أن من نشر قدومه الى تونس، على صفحات تواصله الاجتماعي فيسبوك، هم صهاينة وقدّموا أدلّة لا تقبل التشكيك فيها، متمثلة في تذكرة السفر، المعنونة من مطار بن غوريون الى تونس، وجواز السفر الاسرائيلي.
أيعقل أن تكون تونس محفلا لعصابات الاجرام الصهيونية، وهي التي سفكت دماء الفلسطينيين والتونسيين، في فلسطين وفي تونس على حد سواء؟ أو تصل درجة استغباء الشعب التونسي واستبلاهه، الى حد التآمر على اقدس قضاياه؟ مقابل امتيازات مالية واقتصادية، يرفضها الشعب نفسه لو عرضت عليه، لأنه ببساطة من الشعوب الحرة التي يمكن أن تجوع، ولكنها حقيقة لا تأكل على حساب مبادئها وقيمها، فإلى متى يبقى الشعب ضحية سياسات حكوماته الخاطئة؟
ومع اصرار الجانب الحكومي على جهله بحقيقة ما يجري، من تطبيع مع الكيان الصهيوني بطرق مختلفة، لم يبقى للحراك الشعبي من سبيل، سوى تصعيد رفضه لأي شكل من اشكاله القديمة منها والحديثة، وما يتمّ تطويره الآن يحصل ببركة ما حمّله رئيس حركة النهضة من بريطانيا، من موافقات لعودته مع حركته بكامل صلاحياتها للنشاط السياسي بتونس، مع ما يستمرّ عليه بقايا النظام السابق من اعمال تطبيع ثقافي واقتصادي وسياحي.
حركة النهضة التونسية، أصبحت احد أسباب استمرار التطبيع مع الكيان الصهيوني، بعد ما ظهر من كتلتها النيابية، من معارضة لقانون تجريمه، تحت قبّة البلمان التونسي، فضلا عن تزكيتها (روني الطرابلسي) وزيرا للسياحة، وهذا منتهى العار الذي يمكن أن تقبل به حركة مناضلة قديما، في مجال معاداة الكيان الصهيوني، ومناصرة القضية الفلسطينية في الجامعة، تحت مسمى الاتحاد التونسي للطلبة، وهو مما يسيء حقا لصفحة نضالها، وتسقط كل تظاهراتها القديمة، من حساب الوطنية والمصداقية، فلا يبقى لها قيمة أبدا، في ظل هذا الانبطاح الذي نراه اليوم مع المنبطحين في مجال التطبيع مع كيان صهيوني عنصري، لا يقيم حتى لحركة النهضة وزنا، باعتبارهم عبيدا مسخرين له بحسب عقيدته الصهيونية، يستبدلون الثوابت والقيم بمتاع زائل لن يصلوا الى حد الاكتفاء منه، أذلاّء في الدنيا كما نرى اليوم، وأهل الخزي في الاخرة كما سنرى لاحقا.
1- معلومات المقال مأخوذة من صحيفة الثورة نيوز بتصرف.
2- نقلا عن https://nawaat.org/portail/2018/06/05/

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023