قُمْقُمُ التطبيع وعفاريته في الشّمال الأفريقي…بقلم محمد الرصافي المقداد

قُمْقُمُ التطبيع وعفاريته في الشّمال الأفريقي…بقلم محمد الرصافي المقداد

فيما تحوّل التطبيع مع الكيان الصهيوني ببصماته الأمريكية الواضحة – بفضل مساع حثيثة لعملاء الغرب والصهيونية- إلى وباء متنقّل بين الحكومات العربية، يبدو مشهد الخزي والعار على ساحته أكثر استفزازا، فبعد عقود الأمان التي مرّت على مغربنا العربي، هبّت رياح التطبيع العلني مفتتحة مملكة المغرب، بعدما كانت الإتصالات والعلاقات بين الملك الحسن الثاني وحكومات الكيان الصهيوني، تجري في خفاء عن الشعب المغربي، ولا حديث عن ذلك ولو بالإيماء إعلاميا، والمسكوت عن الافصاح عنه سياسيا مغيّبٌ إعلاميا هناك، ومن يجرؤ على انتقاد سياسة الملك وحكومته، فهو من الضالين المُعرّضين لغضبه، وما يستتبع ذلك من إجراءات قمعية وانتقامية، يدركها المغاربة جيّدا، بعدما ذاق أحرارهم حرّ حديدها.

عفريت التطبيع المغربي، خرج من قمقم السّرّية، إلى العلن بالسرعة القصوى، عار وأيّ عار يراه الملك شرف متوّج لحياته السياسية، والأنكى من ذلك أن رئيس لجنة القدس بعد حريق المسجد الأقصى وجريمته التي ارتكبتها الصهيونية، وعادة عملاء الغرب التعبير عن ولائهم الكامل لدوله بزعامة امريكا، في مشروعها الإستعماري(الشرق الأوسط الجديد)، وتنصيب إسرائيل بكيانها اللقيط، سيّدا على المنطقة بأسرها مشرقا ومغربا، بل قد يطمح إلى جرّ افريقيا بأسرها للدخول في هذا المجال، بعد حصولها على مقعد في المنظمة الأفريقية بصفة مراقب، ومثلما دخل النظام المغربي في هذا الباب، وغايته ضمان أكثر الحظوظ الممكنة، للإستيلاء على الصحراء الغربية، قسرا وقهرا لشعبها الرافض الانضمام للمغرب، بمساندة أمريكية غربية صهيونية.

ومن أجل ضمان حظوظ أكبر لضمّ الصحراء الغربية نهائيا، تسارعت خطى الحكومة المغربية نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، وطبعا لا يتمّ ذلك بدون موافقة الملك محمد السادس، فبدأت الرحلات الجوية المباشرة بين الرباط وتلّ الربيع، وغير مستبعد بعد التوتّر القائم بين المغرب والجزائر، أن تكون هناك اتصالات عسكرية بين الجيشين الصهيوني ومخابراته، والمغربي ومخابراته، تحسّبا لأي نزاع عسكري في المنطقة، تكون فيه إسرائيل إلى جانب المغرب في مواجهة الجزائر، وهذه فرضية غير مستبعدة إذا بلغت الوقاحة مداها.

أما من الجهة الشرقية للمغرب العربي، فيبدو فيها الوضع ذاهب إلى إقامة موطئ قدم صهيونية في ليبيا، بواسطة (خليفة حفتر)، ضابط من ضباط زمن العقيد معمّر القذّافي، أوكل له قيادة جيشه خلال حربه ضدّ التشاد، وهدفه كان بسط نفوذه على إقليم أوزو التشادي وضمّه إلى ليبيا، بعد الصفقة البلهاء التي تمّت بين العقيد والرئيس التشادي تمبلباي(1)، أراد الأخير التخلّص من منطقة صحراوية شمالية تسيطر عليها قوات المعارضة، وما كل ما تمناه القذافي أدركه، خصوصا إذا كان الأمر مخالفا للقوانين والأعراف الدّولية، فقد أُسِرَ قائده (خليفة حفتر) وباء الجيش الليبي بهزيمة نكراء، وكانت بمثابة فضيحة للعقيد.

وتحرّر حفتر سنة 1990 بصفقة أمريكية، مع الرئيس التشادي إدريس دبي وفرنسا، نُقِلَ على أثرها إلى أمريكا، ليقضي عشرين عاما في مدينة لانغلي (فرجينيا)، وهناك حصل على الجنسية الأمريكية(2)، وكان الهدف من تلك الصّفقة صناعة ضابط ليبي عميلٍ لأمريكا، ليكون ضمن المعارضة الليبية، التي كانت تعدّها الإدارة الأمريكية ضدّ القذافي، الرئيس العربي المشهور بعدائه لأمريكا الإمبريالية، والتي تبادله أمريكا عِدَاءً مماثلا، على أساس أنه من أنصار المعسكر الإشتراكي، وهذا ما تمّ فعلا فبعد مقتل القذّافي – والمسهمان الأساسيان في قتله هما المخابرات الأمريكية والفرنسية – استولى حفتر تدريجيا على شرق ووسط ليبيا، بما فيها آبار النفط، وشنّ حربا على حكومة السرّاج وتسبب في اسقاطها، ومن بعدها لم يستقم أمر حكومة الدبيبة، ولولا الدّعم الكبير الذي تلقّاه حفتر من أمريكا وعملاؤها في الخليج، لما أمكن له أن يقف في وجه حكومة الإخوان المدعومة تركيّا، لقد مارس حفتر لعبة التحالفات الكاذبة، وقاتل بقواته – وأغلبها مدعومة بمرتزقة – مع وضد كل الفصائل المتناحرة، وهو مُتّهم بارتكاب جرائم حرب، منذ أن دخل ليبيا كرجلٍ أمريكي أقلّها قتله أسرى، عندما استولى على مدينة درنة شرق ليبيا.(3)

رجل أمريكا على بلد نفطيّ حيويّ بالنسبة للغرب، بدأ يُعِدّ عدّته لينتقل من قائد عسكري بتاريخ سيّء وخلفيات مشبوهة، ليستلِمَ رئاسة ليبيا،(4) بعد الانتخابات المزمع اقامتها بتاريخ 23/12/2021 وحُلْمُهُ في أن يتنسّم هذا المنصب، يدفعه إلى القيام بأيّ عملٍ أو دورٍ تُوكِلُهُ إليه أمريكا، ويبدو أن عادة المتسلّقين أمثاله، أن يسقطوا في مسارِ التطبيع، وهو الطريق الأسهل للوصول، ويرونه معبّرا عن وفاء تامّ للمخطّط الأمريكي في المنطقة، وليس هناك شيء يَتقرّبُ به هؤلاء العملاء، أحبّ وأقرّ عينا للصهيونية العالمية، الحاكمة بالمال في كثير من دول العالم، من التعبير عن ذلك الولاء بالتطبيع مع إسرائيل، عندها تنفتِح عليهم آثارها من المساعدات والحماية والثّناء السياسي والإعلامي.

فقد جاء في صحيفة هآرتس الاسرائيلية أن طائرة خاصة من طراز فالكون انطلقت يوم الاثنين 8/11/2021 من دبي في رحلة الى مطار بنغوريون الاسرائيلي توقفت فيه لمدة ساعة ونصف ثم اقلعت باتجاه طرابلس، وكرت الصحيفة أن (صدّام حفتر) نجل اللواء خليفة حفتر، كان على متن الطائرة، يبدو أن الهدف من الزيارة هو لقاء مسؤولين إسرائيليين، من أجل دعم حفتر سياسيا وعسكريا، مقابل تطبيع مستقبلي مع ليبيا، ولم تكن هذه الزيارة لتتمم، لولا التمهيد الذي قام به حفتر نفسه، باتصالات سرية مع ممثلين من الموساد والحكومة الصهيونية.(5)

فلا يبعُدُ إذًا ظهور نجلِ حفتر، في رحلة بطائرة خاصة إلى تلّ الربيع، من توضُّحِ مساعيه في السّبقِ بالتعبير العمليّ، عن استعداده للذهاب بمسار التطبيع إلى أبعد مدى ممكن، وهو مؤشّر خطير حصل في ظِلّ شخصية مهزومة مهزوزة، تقاذفتها شبهات عديدة، يرى فيها أحرار ليبيا مشروع دكتاتور جديد، سيجهُز على آخر حظوظ ليبيا في الحريّة والاستقلال الحقيقيين، وهنا يجب أن يأخذ البلدان المتبقيان من المغرب العربي حذرهم، من تداعيات اقتراب أجهزة الموساد الصهيوني – في صورة وصول حفتر لرئاسة ليبيا – من حدود تونس الشرقية، ومن شرق الصحراء الجزائرية جنوبا، وبالتّالي وقوع البلدين( تونس والجزائر) بين بلدين، أحدهما دخل في قمقم التطبيع، متّبعا هوى ملكه وهو المغرب، والثاني مُشترَطٌ وموقوف دخوله بفوز رئاسي لحفتر والانتخابات الرئاسية الليبية على أبواب، لن يُعْجِز أمريكا وحلفاؤها في تزوير انتخاباته، كما حصل في الإنتخابات التشريعية بالعراق.

إذا لم يعُدْ من خيار لأمريكا والصهيونية، أمام تعاظم جبهة مقاومة الاستكبار والصهيونية، سوى استعمال أساليب الخداع والتغرير بشخصيات وأنظمة عربية وإسلامية، للتخلّي نهائيا عن القضية الفلسطينية، وهو ما تقوم به منذ سنوات، من خلال حثّ الدول التي بقيت خارج اطار التطبيع مع إسرائيل، على الاسراع فيه، قطعا لحجة محور المقاومة في منهجها الذي اتخذته، لقطع دابر كيان غاصب، قَبِلَ به من كان في الماضي ينادي بزواله، ولا حيلة لأميركا واسرائيل هنا، سوى استعمال الخداع والمراوغة والإبتزاز.

المصادر

1 –الصراع التشادي الليبي – ويكيبيديا (wikipedia.org)

2 و3 – خليفة حفتر – ويكيبيديا (wikipedia.org)

4 –خليفة حفتر .. الأسير وأمير الحرب الطامح لرئاسة ليبيا | سياسة واقتصاد | تحليلات معمقة بمنظور أوسع من DW | DW | 23.09.2021

5 – طائرة خاصة لمقربين من حفتر هبطت في إسرائيل | إسرائيليات | عرب 48 (arab48.com)

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023