كامب ديفيد واوسلو مساران مترابطان اجتماعيا وسياسيا…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

كامب ديفيد واوسلو مساران مترابطان اجتماعيا وسياسيا…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

عندما قام السادات بتوقيع معاهدة كامب ديفيد وذهب لإلقاء خطابه في عقر دار الكيان الصهيوني مدعيا انه جاء ليكسر الحاجز النفسي كل هذا لم يأت من فراغ ولم يكن تصرفا فرديا انفعاليا لحظيا كما أراد البعض تصويره آنذاك” بل كان نتيجة نمو طبقة اجتماعية حاملة لمشروع الارتداد” كما ذكر الكاتب المصري التقدمي م. أحمد بها الدين شعبان في كتابه الذي صدر مؤخرا بعنوان” الا فلسطين”. والارتداد هنا بمعنى الارتداد عن كل ما حققته الحقبة الناصرية من تقدم على المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. وهذه الطبقة الطفيلية كانت قد نشأت في السنوات الأخيرة للزعيم الراحل جمال عبد الناصر والذي حذر منها قبل وفاته. وما ان تسلم السادات مناصب الحكم في مصر قام بالانقلاب والارتداد على السياسة الناصرية وقام بفتح مصر على مصراعيها للاحتكارات والشركات الأجنبية تحت مظلة ما سمي آنذاك بسياسة الانفتاح الاقتصادي وقام بمصادرة الأراضي التي وزعت على الفلاحين في الحقبة الناصرية وارجاعها الى الاقطاعيين ونمت وترعرعت الشريحة الاجتماعية الطفيلية الثرية واستعان بها السادات لإجهاض كل المكاسب التي تحققت للشعب المصري إبان حكم جمال عبد الناصر. وهذه الشريحة والطبقة الاجتماعية (القطط السمان) كانت قد اختمرت وهي التي شجعت السادات لانتهاج السياسة المدمرة لمصر وللشعب المصري والتي في المحصلة أخرجت مصر من الساحة الإقليمية والدولية اللهم ما عدا دورها القذر المطلوب في المنطقة.

 لا نريد الخوض كثيرا في هذا المجال هنا ولكن ما يهمنا هنا هو الإشارة الى أن البرجوازية الفلسطينية بالمثل هي التي دفعت وأيدت الذهاب الى المفاوضات السرية مع العدو الصهيوني ومن وراء كل الشعب ومؤسساته ومنظمة التحرير الفلسطينية وكافة فصائلها لتوقع في النهاية على صك غفران للكيان الصهيوني على كل الجرائم التي ارتكبها بحق شعبنا من مجازر والاستيلاء على الجزء الأكبر من فلسطين التاريخية دون الحصول على أي شيء يذكر لصالح الشعب الفلسطيني في المقابل وإطلاق يد المستعمر والمحتل لقضم وضم ما تبقى من فلسطين التاريخية تدريجيا. 

هذه الطبقة البرجوازية الفلسطينية النيوليبرالية منها أو الكمبرادورية هي التي لعبت الدور الأكبر للدفع في اتجاه اوسلوا وما تلاها من اتفاقيات كبلت الشعب الفلسطيني لصالح العدو الصهيوني. واليوم أكثر من أي وقت مضى تتأكد هذه المقولة وهذا التحليل. فمنذ ان دخلت السلطة الفلسطينية الى الأراضي التي سمح لها بالتواجد بها اعتمدت نمط الاقتصاد الحر الرأسمالي ولم تعتمد أي جانب لتنمية اقتصاد المقاومة وتعزيز الصمود في مواجهة الاحتلال. وقامت بتوزيع الاحتكارات في قطاع الخدمات خاصة على زبانيتها وأفراد عائلاتها وقامت بتوزيع الحصص من الكعكة على أفرادها ومناصريهم وخصصت العطاءات “الحكومية” لاي مشروع على مؤيديها أو على من يدفع أكثر كرشوة “تحلاية” وسمحت باستشراء الفساد وخاصة المالي في الأجهزة التي أقامتها للدولة الوهمية بحيث بات لدينا قطط سمان على غرار مصر السادات ومبارك ومن تبعه. وازداد عدد العاطلين عن العمل وخاصة من الشباب الى جانب زيادة معدلات الفقر وتآكلت الطبقة الوسطى وازدادت المعاناة الاقتصادية والمعيشية لقطاعات واسعة من أبناء شعبنا. هذا في الوقت الذي نرى فيه أبناء الطبقة البرجوازية المرتبطة بالسلطة يكدسون مزيدا ومزيدا من الأموال على حساب الشعب الفقير من خلال الاحتكارات التي قدمت لهم على طبق من فضة والتحكم بالمفاصل الرئيسية للاقتصاد ولعب دور الوسيط.

هذا الى جانب أما عن الجانب الاخر فقد قام ممثلي هذه الطبقة الاجتماعية القابضين على زمام السلطة السياسية  بإصدار المراسيم والتشريعات لتضيق الخناق على الفئات المسحوقة من شعبنا سواء في النظام الضريبي أو نظام الضمان الاجتماعي والتصدي للحركة النقابية ومطالب العمال وموظفي القطاع العام كما حدث مؤخرا في إضراب المعلمين نتيجة عدم احترام الاتفاقية الموقعة مع السلطة بزيادة رواتبهم قبل أكثر من عام هذا في الوقت التي لا تحيد السلطة عن الاتفاقات الموقعة مع العدو الصهيوني الذي لا يلتزم بها أصلا. هذا عدا عن ملاحقة المقاومين وحملات الاعتقالات التي تقوم بها أجهزة امن السلطة بالنيابة عن المحتل لان عدم الاستقرار يعني تكبد خسائر ومنافع اقتصادية للبرجوازية المحلية وعدم القدرة على جلب استثمارات خارجية عن طريق السلطة باعتبارها مصدر ارتزاق لزبانيتها. 

أما سياسيا فكما قال السادات بأن 99% من ارواق الحل بيد أمريكا وبالتالي تم رهن الدولة المصرية وسياساتها الخارجية على هذا الأساس فإن القيادة المتنفذة والمهيمنة على القرار الفلسطيني راهنت على الإدارات الامريكية المتعاقبة وعلى الكيان الصهيوني بمعنى انها سلمت القضية لألد أعداء القضية دون ان تحفظ خط رجعة ودون ان تحاول بناء أي من مقومات التصدي والصمود والمقاومة.  

ومن هذا القليل نستطيع ان نقول وبمليء الفم ان الذهاب الى اوسلوا لم يكن خيارا سياسيا فقط، بل كان أيضا خيارا طبقيا ولا وطنيا كما كان الحال مع نظام السادات وكلا الحالتين لم تتأتى من فراغ بل من تمهيد وعبر سنوات لطبقة رأسمالية مستغلة نمت وترعرت رأت لها مصالح ومنافع اقتصادية وسياسية للسير في هذا المسار والضرب بعرض الحائط بالوطن والقضية والارث النضالي ضد المستعمر.

كاتب واكاديمي فلسطيني 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023