كتاب الفلسفة لتلاميذ الشعب «العلمية» بالتعليم الثانوي/ تونس: عيوب ثقافية خطيرة

كتاب الفلسفة لتلاميذ الشعب «العلمية» بالتعليم الثانوي/ تونس: عيوب ثقافية خطيرة

الدكتور عادل بن خليفة بلكحلة: باحث اجتماعي وإناسي الجامعة التونسية |

لن أنقد هذا الكتاب المدرسي من وجهة نظر بيداغوجية، ولا فلسفية، وإنما سأحاول انتقاده من وجهة نظر ثقافية.
صورة الغلاف لا تحرّض التلميذ على حب الحِكمة، فهي لوحة جاكْ- لّوِي دافيد، رسمها عام 1787 تصوّر سقراط يناوله تلميذُه كأسَ السم كما أمر القضاء اليوناني بتهمة إفساد الشباب. وهي لوحة تَشِي برسائل سَدومية تؤكد الضعف والترهل، بعيدًا عن عظمة سقراط. وهي من شأنها أن تنفّر التلميذ من الفلسفة لأنها ستلتبس بإمكانية «الإفساد» ، وبمؤدّي العقاب والعزل.
جلّ المراجع باللغة الفرنسيىة (37) مقابل 8 مراجع باللغة العربية. وحتى إن كان العَلَم ألمانيّا (هَيْدِغر، أَدُرْنو، نيتشة…) أو روسيًّا (دستويفسكي…)، فإن المرجع الأصلي ليس بالألمانية أو الروسية، أو بالإنكليزية (بما هي اللغة الأولى في العالَم). وقد حاز الفرنسيون على أكثرية المفكرين المعاصرين الذين عاد إليهم المؤلفون (14) مقابل 8 من ألمانيا (4) وروسيا (1) والنمسا (1).
وهذا ما يدل على أننا منذ سنة 1881 (سنة حذف كل اللغات من المدرسة الصادقية وجعل اللغة الفرنسية اللغة الأولى والعربية اللغة الثانية بالمدرسة)، ما زلنا نؤله الثقافة الفرنسية. فلا فلسفة إلاّ ما قال الفرنسيون إنه فلسفة. ولكننا نلاحظ أنه ليس كل «الفلاسفة» الفرنسيين فلاسفة إلاّ ما أقرت السلطة الدكتاتورية المعرفية الفرنسية إنهم «فلاسفة». فلا وُجود لهنري كُرْبان، ولا لرينيه غينون ولا لكْريستيان بُونو ولا لرُوجِه غارودي.
إن هذا يعكس أزمة التفكير الفلسفي في تونس، فلم يستوطن بَعْدُ هذا الوطن منذ إعلان تحريم الحكمة والمجازر ضد الحنفية والإباضية والشيعيّة بالانفصال الصنهاجي.
لا وجود لفيلسوف روسّي، وإنما هُناك أديب حكيم (دُسْتويْفِسْكي)، ممّا يوحي للتلميذ أن روسيا دولة فقيرة من الفلاسفة. ولا وُجود لمفكر فلسفي عربي معاصر. وكالعادة، ما زال المفكر التونسي الحبيب الفقيه مقتولاً حيًّا وميّتا، لأنه أصيل التفكير ولأنه تلميذ هِنري كُربان، وهما «جريمتان» لا تغتفران لدى الدكتاتورية المعرفية الفرنسية ولدى الكمبرادورية التونسية التابعة لها.
لا وُجود لفيلسوف أثيوبي، في حين أن أثيوبيا عرفت «الأنوار» قبل عصر التنويريين البريطانيين والفرنسيين (مجلة «الثقافة العالمية»، الكويت، يناير 2019).
ولا وجود لفيلسوف إيراني، كأن صدر الدين الشيرازي (القرن السادس عشر) ليس له حجم فلسفي حداثي؛ وكأن هنري كُربان لم يشهد تحوله الفلسفي إلا في إيران. وكذلك كريستيان بُونو.
إنّ جعل أديب عربي متفلسف مثل العَظيم عبد الحميد جودة السحار مُفكرا فلسفيا، إنما هو إيهام. أما إخراج الفلسفة العربية القديمة في منطقيات الفارابي حصْرا، وإهمال حكمة السهروردي وابن عربي وأخلاقيات مِسْكويه، إنما هو حَصْر إفقاري.
أما حصْر الإشكالية الدينية في تكفير ابن رشد فحسب، فهو تقزيم لحقيقة الإشكالية الدينية في الإسلام. فلا بد من عَرْض تمجيد الحِكمة في الإسلام (كما يجب عرض التكفير في التاريخ الإسلامي)، وذلك في مجالس الملك الهندي «أكبر»، ومجالس المعز لدين الله العبيدي بالمهدية، ومجالس البويهيين و وزرائهم (ابن سينا) ومجالس الحمدانيين التي يتصدّرها الفارابي.
والعجيب أن الكتاب يفرض احترامًا للدين مع الفيلسوف الرياضي بَسكال، بل يعرض تمجيدا للدين مع البابا يُوحَنا بولس الثاني، أي بالتأويل المسيحي، بينما يعرف التلميذ التونسي تكفيرًا لابن رشد باسم الإسلام ولا يرى تمجيدًا للفلسفة والحكمة باسم الإسلام!! وهكذا تستمر عقدة السلطة المعرفية التونسية مع الدين لتورّثها الأجيال المتعلمة. وبذلك يستمر الصراع الوهمي بين مُرَادَّة سلفية وقَمْع علمي في دور عبثي، لا ينتهي على عكس تصدر جلال الدين الرومي القلب المتدين والقلب العلماني في العالم الإسلامي الأعجمي!!

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023