كتب تحسين الحلبي: الكيان الصهيوني والخوف الدائم من الشمال

إن إدراك الكيان الصهيوني طبيعته المصطنعة والعداء المتأصل ضده من شعوب المنطقة، يجعله يفكر دوماً، هو ومن أنشأه، بأنه لا يمكن أن يضمن استمرار بقائه ووجوده من دون أن يعمل على فرض كل أشكال النزاع والتمزق والانقسام في الجوار.. كما يدرك أن أي وحدة بين دولتين في الجوار وكذلك تماسك الجبهة الداخلية في أي دولة مجاورة لفلسطين تهدد وجوده، وخير مثال على ذلك جبهة الشمال الممتدة من حدود الجولان المحتل إلى حدود جنوب لبنان، فما بالك لو وقعت معجزة توحد فيها الأردن مع سورية ضد هذا الكيان، فأي من هاتين الجبهتين الشمالية أو الشرقية لا يمكن أن يتحمل هذا الكيان وجودها يوماً واحداً.
ولذلك سيكون من أهم مصالح هذا الكيان ألا تبقى هذه الدول لا سورية ولا لبنان ولا الأردن ولا العراق على حالها السيادي الراهن، لأن ذلك من شأنه أن يوّلد -في أي تطورات مستقبلية- أخطاراً لا يتحملها هذا الكيان حين يجري تقارب بين بعضها بعضاً أو بين هذه أو تلك.. ولذلك لا تتوقف مراكز أبحاثه السياسية والاستخباراتية عن جمع أكبر قدر من المعلومات عن هذا الجوار العربي وصولاً إلى إيران بهدف إعداد الخطط التي تسعى إلى تفكيك معظم روابطه الجامعة التاريخية والوطنية، ففي شهر تشرين الثاني الماضي 2018 أعد مركزان إسرائيليان للأبحاث، مركز«جيروزاليم للعلاقات العامة JPCA »، ومركز «موشيه دايان للدراسات الاستراتيجية Dayan Center » ورشة نقاش على طاولة مستديرة جمعا فيها عدداً ممن قاموا بتنظيمهم لهذا الغرض من أفراد سوريين عدوا أنفسهم «قادة للمعارضة»، وكذلك أشخاص عراقيون، إضافة لرجال الأبحاث الإسرائيليين وبحضور بعض الدبلوماسيين شارك بعضهم كما يقول مركز جيروزاليم عبر (سكايب) ورفض الجميع أن يظهر اسمه في هذه المناقشة خارج الكيان الصهيوني، ونشر مركز جيروزاليم تحليلاً عما جرى أعيد نشره في صحيفة جيروزاليم بوست الصادرة بالإنكليزية في 8- تشرين ثاني 2018.. وخلاصة الفكرة التي ظهرت هي أن الكيان الصهيوني يريد تقسيم سورية والعراق إلى كونفيدراليات وفيدراليات على أساس مذهبي وديني وإثني بل قبلي، ويشكل من كل قبيلتين كياناً فيدرالياً يرتبط بكيان قبيلة أو قبائل أخرى بكونفيدرالية إلى جانب الكيانات الصغيرة الأخرى التي يمكن تجميع بعضها بكونفيدرالية، وتتحول المنطقة في الشمال من سورية إلى العراق دويلات وكيانات كونفيدراليات وفيدراليات متنازعة أو متنافسة تستمد وجودها من الحماية التي يقدمها الكيان الصهيوني لضمان وجودها.
ويقول أحد المشاركين من بين الإسرائيليين أن تجربة بريطانيا في تشكيل دول الخليج نجحت لأنها حافظت على أنماط انقسامية طوال أكثر من40 عاماً حتى الآن، وهذا ما أرادت السعودية فرضه لتقسيم اليمن إلى ست دويلات تجمعها كونفيدراليات وفيدراليات.. وكان جو بايدين نائب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قد تحدث عن تقسيم العراق إلى عدد من الدويلات عام 2008 بموجب ما نشره موقع (أويل ايمباير يو اس- oilempire.us) وأشار إلى إمكانية تقسيم السعودية بطريقة تهيمن فيها واشنطن على مناطق النفط وتؤسس فيها دويلات وتترك البقية دويلات من القبائل الأخرى.. ويذكر أن مركز «موشيه دايان» أصدر كتاباً في عام 2010 يروج فيه لإمكانية تقسيم العرب إلى دويلات قبائل في مناطق كثيرة.
وكان الموقع الأمريكي نفسه قد كشف أن نهاية الحرب السعودية على اليمن يجب أن تؤسس لتقسيم السعودية نفسها لتبقى الثروة النفطية ضمن دويلة، وتتحول المدينة ومكة إلى دولة الإسلام، وتضاف لأراضي المملكة الأردنية أجزاء من أراضي السعودية عند سواحل البحر الأحمر لكي تستوعب أكبر عدد من الفلسطينيين اللاجئين أو المقيمين في الضفة الغربية.. ويبدو أن الولايات المتحدة يمكنها أن تفكر جدياً في تنفيذ خطط كهذه لمصلحة الكيان الصهيوني مادام هذا التقسيم ستفرضه على دول حليفة لها ولا حاجة لاحتلالها لكي تنفذ التقسيم..
وإذا كان العراق وسورية ولبنان بشكل خاص قادرين على هزيمة أي خطط إسرائيلية – أمريكية تستهدف تقسيمهم، فإن بقية الدول الحليفة لواشنطن سيواجه حكامها أزمات كبيرة مع شعوبهم التي سترفض الخضوع، وتدافع عن وحدتها وتندد بتحالفهم مع واشنطن.. وسوف يظل الكيان الصهيوني مهدداً بكل هذه الشعوب ووحدتها ضده مهما كانت النتائج.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023