كتب تحسين الحلبي: الوجود الأميركي العسكري وحسابات مستقبل انسحابه المحتم

كتب تحسين الحلبي: الوجود الأميركي العسكري وحسابات مستقبل انسحابه المحتم

يبدو أن وزارة الدفاع الأميركية وقادة الجيش الأميركي أدركوا في النهاية أن استمرار وجود قوات أميركية في العراق وفي شمال شرق سورية أصبح يشكل عبئاً خطيراً يتطلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب الموافقة على تخفيض العدد بل التمهيد لسحب كل هذه القوات من أراضي الدولتين خلال عامين، سواء بقي خلالها ترامب رئيساً أو حل محله جو بايدين بعد الثالث من تشرين الثاني المقبل.
فقد ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الدولية قبل أيام أن ترامب قرر سحب ثلث القوات الأميركية من العراق وسوف يبقى في هذا الحال فقط 5200 جندي. لكن هذا القرار لم يُتخذ إلا بعد أن تبين لقادة الجيش الأميركي أن الشعب العراقي رافض تماماً للوجود الأميركي, وأن المقاومة بدأت بتصعيد العمليات العسكرية على المواقع الأميركية التي كان آخرها في 15 آب الماضي، فلا أحد يستطيع منع هذه المقاومة من الحصول على السلاح والمعدات بل الصواريخ لمهاجمة بقايا الاحتلال الأميركي.
وفي شمال شرق سورية يرى تحليل سياسي في موقع «أنتي وور» الإلكتروني في 31 آب الماضي أن وجود 600 جندي أميركي في تلك المنطقة سواء لحماية “قسد” أو لمنع عودة آبار النفط لأصحابها الشرعيين في الدولة السورية، لم يعد له أي مبرر حتى بالنسبة لأمريكا ذاتها لأن كل منطقة شمال سورية وشمال شرقها تضم ملايين السوريين الذين يرفضون رفضاً قاطعاً أي وجود لقوات الاحتلال الأميركية على أرضهم مثلما يرفضون وجود الميليشيات المسلحة من “قسد” أو غيرها ويرفضون كذلك وجود قوات الاحتلال التركي، وهؤلاء السوريون لن يقفوا مكتوفي الأيدي بل سيتحركون في اللحظة المناسبة وسيكون ميزان القوى في صالحهم وصالح الجيش العربي السوري حتى لو أصبح عديد القوات الأميركية 6000 وليس 600 ,والسؤال هنا:هل يتوقع ترامب أنه “سيتغلب” بهذه القوات وبمجموعات “قسد” على أي مقاومة سورية مسلحة ضد قواته الاحتلالية وضد الميليشيات التابعة لها ؟ أم أنه يُعد بقايا مجموعات “داعش” و”النصرة” الإرهابية التي يرعاها أردوغان في إدلب ليستخدمها ضد أي مقاومة مسلحة سورية في تلك المنطقة؟.. وهذه المراهنة خاسرة أيضاً.
والحقيقة أن معركة ترامب في شمال شرق سورية خاسرة وهو يستطيع في أي وقت الإعلان عن انسحاب قواته قبل أن يسحبها بالتوابيت مثلما جرى مع قوات المارينز التي سحبها ريغان عام 1983 من لبنان بعد أول عملية عسكرية للمقاومة ضدها ومقتل 250 من المارينز دفعة واحدة في ذلك الوقت.
إن تاريخ أي انسحاب أميركي من أي منطقة احتلها يدل على أن الإدارات الأميركية لا تلجأ إلى سحب قواتها إلا بعد تكبدها خسائر بشرية، وتعد ذلك ضرورة تدعوها للجوء إلى اتباع طريقة غير مباشرة بعد إحباط خطتها العسكرية المباشرة وهي الزج بمجموعات مسلحة محلية عميلة كانت ترعاها وتقدم لها الدعم للقيام بالوكالة عنها في حماية مصالحها، فمع كل انسحاب لعدد من القوات الأميركية من العراق تزداد الميزانية الأميركية المالية التي تنفقها واشنطن على المجموعات الإرهابية التي تستخدمها ضد العراق وضد سورية. لكن ذلك لا يعني أن الهزيمة لم تلحق بالقوات الأميركية وخاصة أنها انسحبت من دون أن تحقق أهدافها. إضافة إلى ذلك لن يكون بمقدور المجموعات المحلية العميلة المحافظة حتى على جزء من المصالح الأميركية بل سيكون كل انسحاب عسكري أميركي من العراق أو من سورية هزيمة لها ولغيرها من المجموعات العميلة المتواطئة مع الأميركيين بهذا الشكل أو ذاك.
ففي أفغانستان وعد ترامب بسحب معظم القوات الأميركية منها بعد أن تكبدت خسائر مستمرة طوال 18عاماً وتخلى بهذه الشكل عن عملائه هناك رغم أنه من الطبيعي أن يطلب منهم التعاون مع طالبان تمهيداً لصراع جديد بين الطرفين.
كاتب من فلسطين

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023